في وداع رمضان .. من لفقراء والايتام


ما عساي أقول في وداع هذا الشهر العظيم .. الحمد لله أن بلغنا اياه وأسأل الله أن يبلغنا رمضان أعواما عديدة ونحن على ثبات في ديننا والأمة في عزة وتمكين، وأن يتقبل منا الصيام والقيام فيه وسائر الأعمال الصالحة وأن يهدي الجميع لاستغلال ما بقي فيه من أيام قليلة فيما يرضي الله عنا والبعد عن الخصومات والجدال الذي لا فائدة فيه ، وهنا نتساءل في وداع رمضان .. من لفقراء والايتام.

كم هو مؤلم أنك تودع رمضان ولم يزدد فيه عملك ... ولا تعلم إن كنت تعيش لرمضان  القادم .. وتساءل هنا من لفقراء والايتام بعد وداعنا رمضان هل نتركهم لفقر والجوع ام ان عجلات الخير سوف تدوم كما دام الخير طيلة شهر رمضان، وكم مؤلم أن تودع  رمضان وهو من هو من الشهور " شهر الرحمات والغفران والعتق من النيران" ربح  فيه من ربح وخسر فيه من خسر جعلنا الله وإياكم ممن ربح.

نعم .. مضى شهر بأكمله وكأنه ساعة من نهار ، أو هنيهة من ليل المحبين ، وهكذا الأيام  الجميلة تمضي سريعًا كما أنها تأتي سريعًا، مضى بآثاره الزكية في قلوب الطائعين ، وتطهيره  لنفوس الصائمين القائمين ، وقد فاز فيه من فاز، وخسر فيه من خسر ، إلا أنه لا تزال هناك  فرصة لمن فاته القطار ، فلا يزال في العربة الأخيرة متسع ، صحيح قد يصل بها المسافر متأخرًا  ، أو متعبًا مرهقًا من زحام المفرطين إلا أن لديه فرصة للوصول ، فالأعمال بالخواتيم، ولا يزال الختام متاحًا ، فإن أحدث العبد توبة لمولاه في آخر الشهر ، واجتهد في بقية ساعاته وأيامه ، فصام وقام وأنفق واتقى ، فلربما يختم له بخير ، ولربما أدرك مقام الصائم القائم بشيء وقر في صدره من الخشية والتوبة والندم والإنابة.

فيا شهر رمضان غير مودع ودعناك ، وغير مقلي فارقناك ، كان نهارك صدقة وصياماً ، وليلك قراءة وقياماً ، فعليك منا تحية وسلاماً ، يا شهر الصيام أتراك تعود بعدها علينا أو تدركنا المنون فلا تؤول إلينا، مصابيحنا فيك مشهورة ، ومساجدنا فيك معمورة، فالآن تنطفئ المصابيح ، وتنقطع التراويح ، والآن تهجر المساجد ويجفوها كل راكع وساجد ، وتطوى المصاحف ويأمن الخائف ، فلا وجل ولا خشوع ولا بكاء ولا دموع ، فيا شهر الصيام أسرع إلينا ثانية فقلوبنا إليك تحن ومن ألم فراقك تبكي وتئن.

كنا بالأمس القريب نستقبل شهر رمضان بالفرح والسرور، والبشرى والحبور ، ولم لا وهو شهر تجتمع فيه أعمال عظيمة وأجور لمن قام بها كثيرة ، واليوم نودعه مرتحلاً عنا بما أودعناه فيه ، شاهداً علينا بما قدمناه بين يديه ، فهنيئاً لمن كان شاهداً له عند الله بالخير، شافعاً له بدخول الجنة والعتق من النار ، وويل ثم ويل لمن كان شاهداً عليه بسوء عمله، شاكياً إلى ربه من تفريطه وتضييعه ، قال صلى الله عليه وسلم : (.. رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ..).

قد مضى هذا الشهر الكريم ، وقد أحسن فيه أناسٌ وأساء آخرون ، وهو شاهدٌ علينا أو لنا بما أودعناه من أعمال ، شاهدٌ للمشمرين بصيامهم وقيامهم ، وبرِّهم وإحسانهم ، وشاهدٌ على المقصرين بغفلتهم وإعراضهم ، وشحِّهم وعصيانهم ، ولا ندري والله هل سندركه مرة أخرى ، أو سيحُول بيننا وبينه هادمُ اللذات ومفرِّق الجماعات؟.

لقد رأينا أناسًا نعرفهم بسيماهم في هذا المسجد ، وفي غيره من المساجد لم يدخلوا المسجد إلا في رمضان ، فإذا خرج رمضان ودّعوا المسجد ، وودّعوا المصلين ، وكأن لسان حالهم يقول : وداعًا إلى رمضان المقبل ، فما أقسى هذه القلوب ، وما أقبح هذا الفعل ، وكأن معهم ضمان من الله بأنهم سيبقوا إلى رمضان القادم. 

فيا أخي الحبيب يا من عبدت الله في رمضان ، ويا من صليت ، وذقت لذة الطاعة ، الله الله أن تهدم ما بنيت ، وأن تنقض ما غزلت ، اجعل رمضان محطة تتزود منها ، وتنطلق من خلالها عبر مختلف الطاعات في جميع الشهور ، وإذا وسوست لك نفسك ، وزيّن لك الشيطان النكوص والرجوع ، فتذكر الجنة وما أعد الله لأهلها من النعيم ، وتذكر النار وما أعد الله لأهلها من الجحيم والزقوم ، وتذكّر أهوال يوم القيامة ، وما فيها مما يشيب لهوله الولدان.

كَلَمْحِ البصَرِ مَرَّت أيامُك يا رمضانُ ، وانتهت لياليك بخيرِها وبركاتِها ورحماتها ومغفرتها ، وبقي حزنُ النفوس المؤمنة

على فراقك ، بعد أن تمنت أن لو كان العام كله رمضان ، حتى تنعم براحةِ بالٍ وسكينةِ فؤادٍ لطالما استشعرَتْها في قدومك الذي ما إن حل حتى حانت ساعةُ الرحيل ، وكأن ثلاثينيتَك ما هي إلا لحظاتٌ تُومض كبرقٍ خاطف يكاد يذهبُ بالأبصار.

ثلاثون يومًا قضاها المؤمنون في رحاب الله ، فما أفضلَها من مناسبةٍ للتواصل والتراحم والتزاور بين المسلمين ، وما أحسنَها من فرصة عظيمة لعمل الخير والإكثار من صنيع المعروف وإحيائه بقراءة القرآن وتأمل معانيه ومداومة الذكر وإقامة الصلاة في المسجد والمكث فيه ما استطاع المسلم إلى ذلك سبيلا.

ثلاثون يومًا انتهت ولسانُ حال الجميع يُردّد: إن العين لتدمع ، وإن القلب ليحزن ، وإنا على فراقك يا رمضان لمحزنون

.. فما يضمنُ لهم أن يُدركوا رمضانَ القادم فيُمنحوا من جديد منحة إلهية وفرصة ربانية ، فيها يعودون إلى الله ، فيقبلهم ويرحمهم ويغفر لهم ويعتقهم من النار؟.

وأخيرا .. إن المؤمنين الصادقين هم من يمتلكون عزمَ الاستمرار على التوبة والاستقامة بعد رمضان، فلم يكن انتهاءُ رمضان ختامَ اتصالهم بالله، بل كان بدايةَ اجتهاد واستئناف رحلة أكثر مشقة في عبادتهم وتقربهم له عز وجل، فقد أدركوا أنهم بانتهاء رمضان قد فاتهم خير كثير، حيث كان يُجزى فيه فعل الخير أضعافًا مضاعفة.

اللهم تقبَّل منا صيامنا وقيامنا ، وتقبل منا دعاءنا، يا رب العالمين.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات