قراقوش ما بين المزيف والواقع !


هذه الحكاية سمعتها يوم الجمعة من اخي المهندس ابراهيم !
يقال ان بناءا" كان يقف على السقالة، وبينما هو منهمك ببناء طابق علوي، ويحمل بكلتا يديه حجر ثقيل يريد ان يضعه في مدماكه، عبرت الشارع المحاذي للعمارة فتاة جميلة تلبس فستانا احمر فأبهرت البناء بحسنها وجمال قدها وإثارة فستانها الاحمر للبناء، وبينما كان البناء يتابعها ويراقبها، اختل توازنه، فسقط الحجر على راس احد المارة فمات ! فشكى ذوي القتيل البناء الى القاضي قراقوش فطلبه القاضي للمحاكمة، فدافع البناء عن نفسه والصق التهمة بالفتاة التى غوته بإثارتها له فما كان من قراقوش الا ان برئ البناء وطلب الفتاة للمحاكمة. اما الفتاة فكان دفاعها ان الجمال هبة من الله لها، اما الفستان المثير فقد كان من تفصيل احد خياطين المدينة ! فبرئ القاضي ساحة الفتاة وطلب الخياط للمحاكمة الذي دافع بدوره عن نفسه ليقول بانه قد اشترى القماش من تاجر للقماش في سوق المدينة، فطلب التاجر للمحاكمة ودافع التاجر عن نفسه بأنه يصنع القماش بلون ابيض ولكن الدباغ هو الذي يصبغه باللون الاحمر القاني المثير والذي اثره ويسر الناظرين ! فطلب الدباغ ولما كان دفاعه ضعيفا عن نفسه وغير مقنع للقاضي قراقوش حكمه قضاء قراقوش بالشنق حتى الموت، بسبب ذلك القتيل البريء. وأخذ الدباغ للمشنقة لتنفيذ الحكم، الا الدباغ كان طويل القامة ووجد بانه اطول من قوس المشنقة، فما كان من قراقوش الا ان برئ الدباغ طويل القامة، ثم فكر برهة ودبر ثوان ... وانتهى الى الحكم التالي:- طالما ان جميع الدباغين يقومون بصبغ القماش ويبيعونه مصبوغا باللون الاحمر فلا بأس من ان يحضروا اقصر الدباغين ويشنقوه تنفذا للعدالة ...
وهذه احدى القصص الملصقة بقراقوش !

ولكن قراقوش الحقيقي هو ؟

1. قراقوش اسم تركي مركب من قرا + قوش، وباللغة التركية تعني -النسر الأسود- (فكلمة قوش تعني نسر، وقرا تعني : أسود).

والشخصية التاريخية قراقوش له صورتان صورة تاريخية صادقة وصورة روائية صورها له عدو له من منافسيه. والعجيب في الامر بأن الشخصية التاريخية الحقيقية طمست ونسيت، اما الرواوئية الخيالية فبقيت وخلدت فلا يذكر قراقوش إلا ذكر الناس هذه الحكايات العجيبة وهذه الأحكام الغريبة التي نسبت إليه وافتريت عليه ..

2. فمن هو قراقوش؟

أبو سعيد قراقوش بن عبدالله الأسدي الملقب بهاء الدين 597هـ ارتبط اسمه - قراقوش - في مصر والشرق بالظلم والتحكم والغفلة، ورويت عنه نوادر كثيرة، تدل على البخل والجنون، حتى شاعت بين الناس عبارة حكم قراقوش ويقصدون بها التحكم الأعمى، فقراقوش يعرف لدى غالبية الناس مقترنا بالأحكام العجيبة والتي تصوره ظالما تارة وغبيا تارة أخرى، وهي أحكام يتناقلها الناس ويزيد عليها البعض نوادر وطرائف نسبت قبل قراقوش إلى جحا وأشعب حتى أصبح البعض حين يرى تصرفا ظالما أو غريبا يطلق عليه حكم قراقوش.
3. لكن الحقيقه:-

ان قراقوش هو أحد قواد البطل صلاح الدين الأيوبي وكان من أخلص أعوانه وأقربهم إليه، وكان قائدا مظفرا وكان جنديا أمينا. وعلاوة على ذلك فقد كان مهندسا حربيا منقطع النظير .
وكان مثالا كاملا للرجل العسكري، إذا تلقى أمرا اطاع بلا معارضة ولا نظر ولا تأخير، وإن أمر أمرا لم يرض من جنوده بغير الطاعة الكاملة لا اعتراض أو تأخير أو نظر .
وكان أعجوبة في أمانته ، لما احس الفاطميون بقرب زوال ملكهم شرعوا يعبثون بنفائس القصر ويحملون منها ما يخف حمله ، ويغلو ثمنه ، وكان القصر مدينة صغيرة كدس فيها الخلفاء الفاطميون خلال قرون من التحف والكنوز والنفائس مالا يحصيه العد ، ولو ان عشرة لصوص اخذو منه ما تخفيه الثياب لخرج كل منهم بغنى الدهر ولم يحس به أحد.

وكل صلاح الدين قراقوش بحفظ القصر فنظر فإذا أمامه من عقود الجواهر والحلي النادرة والكؤوس والثؤيات والبسط المنسوجة بخيوط الذهب التي لامثيل لها في الدنيا، هذا فضلا عن العرش الفاطمي الذي كان من أرطال الذهب ومن نوادر اليواقيت والجواهر ومن الصنعة العجيبة ما لا يقدر بثمن، وكان في القصر فوق ذلك من ألوان الجمال في المئات والمئات من الجواري المتحدرات من كل أمم الأرض ما يفتن العابد، فلا فتنه الجمال اغوته ولا أغواه المال، واعطى الأمانة حقها ولم يأخذ لنفسه شيئا ولم يدع أحدا يأخذ منها شيئا.

4. وقراقوش الحقيقي هو الذي اقام اعظم المنشئات الحربية التي تمت في عهد صلاح الدين، وهي ما زالت ماثلة في مصر في القلعة المتربعة على المقطم المطلة على المدينة، وهذه القلعة كانت مدينة الجند "المدينة العسكرية" وهي اثر من آثار قراقوش .

اما سور القاهرة الذي بقي من آثاره إلى اليوم ما يدهش العين فمن بنى السور وأقام فيه الجامع وحفر البئر العجيبة في القلعة هو قراقوش.
5. ولما وقع الخلاف بين ورثة صلاح الدين وكادت تقع بينهم الحرب ما كفهم ولا ردهم إلا قراقوش .
6. ولما مات العزيز الأيوبي وأوصى بالملك لابنه المنصور وكان صبيا في التاسعة جعل الوصي عليه قراقوش ، فكان الحاكم العادل والأمير الحازم أصلح البلاد وأرضى العباد .
هذا قراقوش فمن أين جاءت تلك الوصمة التي وصم بها ؟ ومن الذي شوه صورته التاريخية السوية ؟
الخلاصة،
*إنها جريمة الأدب يا سادة !
لقد أساء المتنبي إلى كافور فألبسه وجها غير وجهه الحقيقي وأساء ابن مماتي إلى قراقوش فألبسه وجها غير وجهه الحقيقي .

ولم يعرف الناس من الاثنين إلا هذا الوجه المعار كوجه الورق الذي يلبسه الصبيان في العيد .
*ابن مماتي هذا كاتب بارع وأديب طويل اللسان ، كان موظفا في ديوان صلاح الدين وكان الرؤساء يخشونه ويتحامونه ويتملقونه بالود والعطاء ولكن قراقوش وهو الرجل العسكري الذي لا يعرف الملق ولا المداراة لم يعبأ به ولم يخش شره ، ولم يدر أن سن القلم أقوى من سنان الرمح ، وأن طعنة الرمح تجرح الجرح فيشفى أو تقتل المجروح فيموت أمام طعنة القلم فتجرح جرحا لا يشفى ولا يريح من ألمه الموت …

فألف ابن مماتي رسالة صغيرة سماها " الفافوش في أحكام قراقوش " ووضع هذه الحكايات ونسبها إليه …….. وصدقها الناس . ونسوا التاريخ …

*ومات قراقوش الحقيقي وبقي قراقوش الفافوش كما مات كافور التاريخ وبقي كافور المتنبي وكما نسي عنترة الواقع وبقي عنترة القصة والبطولة والهيام وربما والفداء حسب السرد القصصي الحديث.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات