أثر العلاقات التركية – السورية على العلاقات الأسرائيلية – التركية


تتساوق المعلومات المخابراتية مع تحليلات سياسية وأمنية دقيقة , صادرة عن مطبخ القرار في الكيان العبري , بحثت وتبحث في خلفيات المواقف التركية الجديدة من خط العلاقات التركية – الأسرائيلية , وماهيّة هذه الأستدارات في ظل حكومة حزب العدالة والتنمية ونجاحاتها في الداخل والخارج التركي .


 وتعتقد ظنّاً التحليلات العبرية الى أنّ أنقرة كانت تخضع لمبدأ توزيع الأدوار بين المؤسسة العسكرية وجنرالاتها من جهة , والحكومة التركية ومؤسساتها المدنية من جهة أخرى , حيث بقيت اسرائيل تتمتع بمساندة المؤسسة العسكرية التركية لفترة زمنية معقولة , الى حين صعود متنامي للقوى الشعبوية الأجتماعية المدنية الأسلامية في تركيا وبشكل متواتر وهادىء ومستقر, وصارت المؤسسة العسكرية تفقد شيئاً فشيئاً من مدى تأثيراتها المستقلة والتي كانت توظف - تركيّاً لصالح الدولة العبرية , وعليه فقد قرأت اسرائيل جيداً , خطوة تركيا في الغاء مناورات ( صقر الأناضول ) من الزاوية السياسية وتشابكها مع الأمني , بحيث خرجت بأنّه , ليس الغاءً للمشاركة الأسرائيلية بقدر ما هو الغاءً لظاهرة توزيع الأدوار بين الساسة المدنيين , وجنرالات الجيش التركي في الداخل السياسي التركي , وهذا أعتبر من الزاوية العبرية انقلاباً تركياً على مواقف العلاقة الشاملة مع " اسرائيل ".


قد تكون اسرائيل حتّى اللحظة غير مدركة تماماً لمدى قوّة وفاعلية تداعيات العامل السوري , على خط العلاقات التركية – الأسرائيلية , بالمقابل أدركت أنقرة مبكراً كم هي الفرص الكثيرة والمترتبة على خط تفعيل علاقات تركيا مع كل من دمشق وطهران مع تأسيس علاقات جديدة وفق أسس معينة ومحددة مع اقليم كردستان العراق , وقبله مع العراق نفسه , مع ادراك تركي لمدى الكلفة السياسية والأقتصادية السلبيّة – تركيّاً مع دول جوارها العربي – الأسلامي – الأقليمي لجهة تفعيل خط تل أبيب – أنقرة , وهذا يؤكد بلا أدنى شك أنّ السياسة لا تقوم على أساس الخرافة والأسطورة وانما تقوم على أساس المصالح , فلا عدوات دائمة بين الدول ولا صداقات دائمة وانما هناك مصالح استراتيجية مشتركة تشكل القواسم الحقيقية في العلاقات بين الدول .


ومنذ أن تولت أنقرة ملف المفاوضات غير المباشرة بين دمشق وتل أبيب , جهدت الأخيرة على اقصاء متعمد لتركيا كطرف راع للمفاوضات غير المباشرة , وعلى تغير مبدأ أساس التفاوض ( الأرض مقابل السلام ) واحلال محلّه ما يعرف اسرائيليّاً (بعض الأرض مقابل السلام ) مع سعي حثيث " لأسرائيل " الى ابتزاز سياسي عبرمقايضة سياسية مع تركيا من خلال موافقة الدولة العبريّة في قبول واستمرار وساطة ورعاية أنقرة في المفاوضات غير المباشرة , مقابل التزام تركي بتعاون حقيقي معها في استهداف ايران , وأن تصمت تركيا ازاء جرائم الحرب الأسرائيلية المنظمة ضد الشعب الفلسطيني الأعزل وتحت عبارة أنّ الراعي النزيه يجب أن يكون محايد.


كما دفعت " اسرائيل " واشنطون الى ابتزاز سياسي آخر لتركيا على اعتبار أنّ قبولها - أي اسرائيل - للوساطة التركية يجب أن يؤدي بالضرورة الى تعاون تركي غير مشروط مع الولايات المتحدة الأمريكية في كافة ملفات السياسة الخارجية الأمريكية .


وكان الرد التركي موضوعيّاً , حيث رفضت أنقرة التعاون مع تل أبيب في استهداف ايران المسلمة , ورفضت التزام الصمت مع " اسرائيل " نحو جرائمها بغزّة , كما رفضت أيضاً التساوق والتماهي والتعاون مع كافة ملفات السياسة الخارجية الأمريكية من خلال مقاربات سياسية خاصةّ بها .


وكان رد الفعل العبري - غير متوازن - عبر اعلان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أنّ تركيا لم تعد تصلح للقيام بدور الوسيط المحايد النزيه في رعاية المفاوضات السورية - الأسرائيلية غير المباشرة , كما تملّصت " اسرائيل " من التزاماتها التعاقدية مع أنقرة من عدم تسليمها عشرة طائرات بدون طيّار مع سعي آخر لها في التشويش على الدور التركي في موضوع الوساطة , من خلال التفاهم مع أطراف دولية أخرى , لجهة القيام بدور الوسيط في المفاوضات غير المباشرة بينها وبين سوريا , عبر التفاهم مع أذربيجان وكرواتيا ( الرئيس الكرواتي زار سوريا واسرائيل مؤخراً وعرض الوساطة بدعم عبري) وموالدافيا وهاهي فرنسا تدخل على خط المفاوضات غير المباشرة على خط تل أبيب – سوريا حيث سيزورها الرئيس الأسد وكذلك بنيامين نتنياهو وسيلتقيهم ساركوزي بشكل منفصل ومتباعد .


وعملت " اسرائيل " على توظيف ردود الفعل السلبية في أوساط رأيها العام , على مواقف تركيا من أجل التخلص نهائيّاً من الوساطة التركية وتداعياتها ومن المفاوضات غير المباشرة مع دمشق , فكانت مواقفها غير متوازنة وامتازت تصريحاتها بالعداء لجهة جهود الوساطة التركية .


الأتراك أفهموا " الأسرائليين " بأنّ قابلية تحسين العلاقات التركية -الأسرائيلية , متوقفة على مدى قابلية " اسرائيل " على الألتزام بجهود الوساطة التركية , كما ركّزت أنقرة على قاعدة جوهرية تتمثل في الأمساك بزمام المبادرة والسيطرة على جهود الوساطة في المفاوضات غير المباشرة ( السورية – الأسرائيلية ) ومع تأكيدها على مبدأ الألتزام بالجهود الدبلوماسية في فن التعامل مع أزمة البرنامج النووي الأيراني ذو الأهداف السلمية , وهذا يعني على الدولة العبريّة أن تتخلّى عن اعتماد الخيار العسكري كأساس للتعامل مع ايران .


كما أكّدت أنقرة على مسألة احترام " اسرائيل " لحقوق الأنسان من خلال فك الحصار الجائر الذي تفرضه على قطاع غزّة , حيث صار القطاع سجن كبير لأكثر من مليون ونصف المليون انسان ! .


اذاً وعبر هذا النهج السياسي – الدبلوماسي التركي المتعاظم , نلحظ بوضوح انّ تركيا شرعت باعتماد دبلوماسية التصعيد السياسي , كأساس ونهج للتعامل مع الكيان العبري .


اذا رفضت " اسرائيل " هذه الأسس التركية فسوف تعزل نفسها عن أنقرة وتخسر كل رصيد علاقاتها السابقة , بما فيها الأتفاقيات الأستراتيجية التي وقعتها مع حليفها الرئيس التركي السابق توروغوت أوزال , بالمقابل لا يمكن لها أن تقبل بتلك الأسس بسبب الطبيعة السياسية لها , فهي غير قابلة للتعايش السلمي مع دول وشعوب المنطقة , فهي تعلم أنّ السلام سيمزقها من الداخل , وبالتالي قد لاتقبل بتلك الأسس التركية .


لا شك انّ تغير قواعد العلاقات على خط تركيا – اسرائيل , يؤدي في النهاية الى تداعيات مختلفة وشاملة على خط العلاقات التركية – الأمريكية , وعلى خط العلاقات الأوروبية – التركية , بالجانب الآخر من خارطة التداعيات نجد هناك اداراك تركي عميق و واعي ودقيق من أجل تقوية فرص العلاقات التركية مع دمشق – طهران – العراق وباقي دول الشرق الأوسط وحتّى في آسيا الوسطى عبر النافذة الأيرانية , ولهذه السياسة –التركية آثار ايجابية عبر تعاون ايجابي نوعي يعيد أنقرة الى دورها الشرق الأوسطي كما يمهد لها مسألة المفاوضات للأنضمام للأتحاد الأوروبي فيما بعد.


تركيا تدرك أنّ انحيازها لأسرائيل له مخاطر كبيرة تبدأ في عزل نفسها عن دورها الأقليمي والعالمي ولا ينتهي عندّ هذه النقطة فقط ,  فله تداعيات كثيرة وكبيرة .


عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية

mohd_ahamd2003@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات