إفطارات رمضان


ارتبط شهر رمضان المبارك بكثير من الممارسات والأعمال الجيدة ، كان الناس في الأصل يعتبرونها من العبادات ، التي يبتغون منها الأجر والمثوبة من الله عز وجل ، فالحسنات تُضاعف بهذا الشهر الكريم ، فيحرص الناس على استغلال هذا الموسم لفعل ما استطاعوا من خيرات.

ومع الزمن وبحكم الإلفة ، تحولت العبادات إلى عادات ، والفرق بينهما واضح وكبير . فأنت تُقبِل على العبادة وتؤديها بمنتهى الرضى والحرص والسعادة ، وعينك على الهدف من العمل وهو رضى الله تعالى ونيل الأجر منه سبحانه . أما العادة فيكون أداؤها آليا ، دون الإهتمام أو التفكير بالهدف والغاية النبيلة ، وقد يصل الحال إلى أن تؤدى بتثاقل وتأفف وكأنها عبء ثقيل.

جميلٌ أن تلتقي العائلة على إفطار في رمضان ، ولكن الظروف تغيرت ، والأحوال لم تعد كما كانت .فالنواحي الإقتصادية أصبحت عبئا ومعيقا لدى البعض ، كما أن البعد المكاني عائقٌ أيضا فلم تعد العائلة جميعا في قرية أو مدينة واحدة ، حيث تفرّقت بهم السبل بعد الزواج والعمل . كما أن صاحب الدعوة أصبح مضطرا لدعوة شخص واحد من الأسرة كالأخت أو الأخ للظروف الإقتصادية والمكانية .. وهذا يضع باقي الأسرة في حرج . أعلم أن هناك من يكلف نفسه أكثر مما يطيق وربما يتحمل الديون للقيام بهذه العادة وعدم قطعها . وقد استبدل بعض الناس الدعوة بإرسال طعام جاهز أو مكونات الطعام ، مما أبعد العملية عن هدفها. 

إنّ صلة الأرحام واجبة في رمضان وفي غير رمضان ، وفي العيد وغير العيد . ولا معنى لحصرها في المناسبات فقط . ثمّ كيف يتحقق المعنى المطلوب لصلة الأرحام ، مِنَ الذي يحرم بناته أو أخواته حقهنّ الشرعي بالميراث.

وهل من الممكن أن تكون دعوة في رمضان أو زيارة في العيد كافية لإرضاء أُخت أو بنت أو أم حرمت من نصيبها الشرعي في الميراث .
ولعل من أكثر المناظر المستفزة والتي يتاولها كثير من الناس على صفحات التواصل الإجتماعي ، تلك الإفطارات التي يعملها البعض للأيتام أو الفقراء ، وينقلون أحداثها بثا مباشرا بالصوت والصورة ، وطبعا يتم التركيز على المتصدق صاحب الدعوة ، وكأن الهدف تلميع الجهة المتبرعة ، ناهيك عمّا يشعر به اليتيم أو الفقير من إذلال وأذى وهو يرى صوره تتناقلها المواقع والصحف . أنا لا أتهم النوايا ، فهذه لا يعلمها إلا الله سبحانه ، ولكن صدقة السر أولى ، والمحافظة على كرامة اليتيم والفقير أوجب .
لن أتحدث عن الإفطارات الرمضانية الضخمة والمترفة التي تتم في الفنادق والصالات الفخمة ، والتي يُدعى إليها الأغنياء ويُحرم منها الفقراء والمحتاجون ، فتكاليف مثل هذه اللإفطارات تكفي لإفطار عائلات مستورة كثيرة ، قد لا تجد ما تفطر عليه طوال الشهر ، خاصة مع ارتفاع الأسعار ، إلا الأشياء البسيطة .
ورغم أن الكثير من أهل الفضل والخير والإحسان يزداد عطاؤهم وصدقاتهم وزكاة أموالهم في هذا الشهر الفضيل وبعيدا عن وسائل الإعلام وأجهزة التصوير ، فجزاهم الله خيرا وأكثر من أمثالهم ، إلا أن حالات الفقر والحاجة ما زالت أكثر مع ضرورة تنسيق الجهود ليشمل الخير جميع المحتاجين .
وعلينا أن لا ننسى في هذا المقام التوجيه الرباني الجمبل ..
" يا أيها الذين آمنوا لا تُبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى ... "
ومن المنّ ، أن يحرص المنفق أو المتصدق على تصوير نفسه أثناء فعل الصدقة ، هذا إن كان المتصدق هو صاحب المال ، فكيف إن كان المعطي هو الوكيل والذي لا يتصدق من جيبه أو من ماله الخاص ، بل من أموال أهل الخير
ومن الأذى ، أن يتم تصوير اليتيم أو الفقير أثناء أخذه الصدقة . وكل رمضان وأنتم إلى الله أقرب .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات