عندما تصبح الشهادة غاية .. والعلم وسيلة ؟


( بابا حبيبي..ماما حبيبتي...شدًوا حيلكوا حتى اتجيبوا الشهادة الكبيييرة..... )
من هنا وبهذه الكلمات المؤثرة و المتكررة باستمرار, يبدأ الانحراف والتشويه في الغاية الأساسية من التعليم, فما أن تطأ أقدام أبنائنا أولى مراحل التعليم الأساسي, إلى أن تنتهي بالتعليم العالي, ونحن نسمع نفس العبارات, فتنقلب الأمور, وتنحرف الغاية, ونحيد عن الهدف الأسمى؛ وهو العلم, وتصبح الغاية وسيلة والوسيلة غاية, فالعلم بات وسيلة ..والشهادة هي الغاية ( هذه الورقة التي لا تتجاوز مساحتها 35*25 سم ) وما العلم هنا إلا وسيلة من وسائل كثيرة, يسعى الأبناء من أجلها بشتى الطرق المشروعة وغير المشروعة للحصول فيها على الشهادة؛ لإرضاء الأهل قبل إرضاء الذات.
نبذل الغالي والنفيس..نبيع الأرض... نجوع...ونعرى للحصول عليها..إنها الغاية الأسمى؛ فبهذه الورقة ترتقي المكانة الاجتماعية.!! وبها يتباهى الآباء, و يتوظف الأبناء, وتتزوج الفتيات, وتتزين بها الجدران... ويحضرني هنا قول الشاعر:
إني رأيت الناس في عصرنا..........لا يطلبون العلم للعلم
إلا مباهاة لأصحابه..................وعدة للغش والظلم
كما أن الغش هو وسيلة من وسائل عديدة للحصول عليها, وتحضرني قصة الوالد التربوي, مدير إحدى المدارس, عندما دخل إحدى المكتبات (حيث كنت حاضرا), ليطلب من صاحب المكتبة, وبدون أدنى حياء جميع كتب التخصص (بالأحجام الصغيرة) والمصوًرة خصيصا للغش؛ لأن ابنته المصونة ستدخل امتحان الشامل في حينها...؟!..والله ونجحت البنت و حصلت على الشهادة وزغردي يا أمها وسمعي الجيران.
نعم إنها الشهادة وليس العلم الذي يتزين به المرء هذا الزمان, أما قديما فكان العلم زينة المرء ورافعه ومهذبه:

... تعلّم فإن العلم أزين للفتى.......من الحلة الحسناء عند التكلم
وقلة هم الآباء الذين يسألون عن تحصيل أبنائهم, وقلة من القلة من يهتمون بالعلم والمعرفة التي اكتسبها الأبناء من الدراسة؛ كأن يسأل الأب, أو الأم الابن عن جديد ما تعلّم, وكيفية تطبيق ما تعلمه, وكيف انعكس على أخلاقه وتفكيره وحياته, بعيدا عن العلامات والشهادة. إن معيار تقييم التعليم والعلم يجب أن لا يرتبط فقط بالشهادة, فكم من حملة شهادات جاهلون, بل وفي التخصصات التي ينتسبون إليها فارغون: ....( الناس كنوه أبا حكم...والله كناه أبا جهل..؟)
وأدرك أن الأمثلة كثيرة عن هذه الفئة..؟ في المقابل هنالك الكثير من العلماء الذين لم تسنح لهم الظروف بالدراسة في المدارس وتحصيل الشهادات, لكنهم أبهروا الدنيا في علومهم؛ كالرافعي مثلا الذي لم ينهِ الصف الخامس أساسي, لكنه أصبح من أقطاب الأدب العربي الحديث..؟! وقصص علماء الغرب كذلك الذين كانت لهم تجارب فاشلة في مدارسهم, ولكنهم أضاؤا الدنيا بعلمهم كأديسون مثلا .؟
إن الخطأ الأكبر في التعليم الذي تورط به الجميع, من آباء ومعلمين ومسؤولين والمجتمع ككل هو: أن الشهادة هي المعيار الأساسي للمرء بعد المال..؟ ليقال: فلان أبو الدكتور, وأخو المهندس, وزوجة الطبيب..! وقد حدثني أحد الزملاء ممن درسوا في بريطانيا: إن هذه الثقافة غير موجودة في تلك المجتمعات, فمن يدرس الطب لا يدرسه لأن والده يريد أن يكون أبا الطبيب, ليتفاخر ويكيد الأقارب, بل من يدرس الطب؛ يدرسه لأنه يريد أن يكون طبيبا, ويرى بأنه سيبدع في الطب إذا درسه, فيبدع حينها في الطب, وكذلك المهندس, والمعلم ...وربما بعض المهن عندهم أسمى من دراسة الطب, هذه المهن التي تدخل تحت ثقافة العيب في مجتمعاتنا..؟!
أيها الناس:إن فساد التعليم مرتبط بفساد الثقافة المتأصلة والمتجذرة في عقولنا وقلوبنا, وهي من المظاهر الاجتماعية السلبية التي يجب أن تزول, لنرتقي بالعلم وأهله, وبسقوط هذا المعيار, تتغير الأحوال, وتنتهي البطالة, وتنهض البلاد, عندها فقط يحق لنا أن نفخر ونقول ما قاله الشاعر:
كن ابن من شئت واكتسب أدبا.......يغنيك محموده عن النسب
إن الفتى من يقول ها أنا ذا..........ليس الفتى من يقول كان أبي

rawwad2010@yahoo.com



تعليقات القراء

إلى جراسا
الله يلعن اللي بكرهكوا وما بحبكوا.....................
08-11-2009 08:12 PM
بــنــت الــزيـــود G
مقاله رائعة وتسلم أيدك على هذه المقاله الجميله ، مع الأسف أصبحت الشهادة للمفاخرة وللتباهي ، حتى بعض الأشخاص يدرسون تخصصات لا تناسبهم وليست من ميولهم لكن من أجل ان يكون كما أراده أباه أو أمه .
08-11-2009 08:20 PM
مواطن اردني
ابدعت ايها الكاتب لقد اصبت عين الحقيقه يجب على اولياء الامور متابعة ابنائهم ومعرفة ماذا تعلموا وماذا استفادوا من الدروس المدرسيه وما هي الثقافه التي حصلوا عليها نسبة الى سنهم وعدم التركيز على العلامات فقط و لنتركهم ليختاروا التخصص الذي يميلون اليه لكي يبدعوا بما اختاروا
08-11-2009 11:01 PM
حسين علي حسين المحارمه
تحيه للكاتب العزيز
عندما هُزمت المانيا في الحرب العالميه قال هتلر قولته المشهوره ( لقد هُزم المعلم ) . المعلم والعلم متلازمان فالمعلم هو الذي يغرس بنا الشخصيه بكل محاورها وأهمها الوطنيه وما نراه حاليا من تجاوزات من الشباب وخاصة على مكتسبات الوطن وعلى رموزه لهو دليل على ان العمليه التعليميه بحاجه الى اعادة تقييم
09-11-2009 09:36 AM
رانيه علوش
تسلم يا دكتور
ابدعت
09-11-2009 02:44 PM
الى الكاتب
مقال في وقته , ونشكر الكاتب على مثل هذه المقالات التي تعنى بالعلم والمتعلمين

ونقول لا فائدة للعلم إن أصبح هدفه المال أو المنصب


واذكر في إحدى المرات انني كنت جالسا الى جانب أحد المهندسين ممن حصلو على منحة لاكمال الدراسة وقلت له انني أرغب في إكمال دراستي, فقال لي قول لن أنساه
قال :

الانسان يدرس لثلاثة أمور كلها خاطئة إلا واحدة

فلإنسان يدرس ويكمل دراسته للغاية المادية فهذه لا فائدة منها
وانسان يدرس ليقال عنه دكتور اة مهندس وايضا لا فائدة منه
وانسان يدرس ليفيد أمته ودينه ووطنه فكل الفائدة منه


الشكر الجزيل والجميل الى كاتبنا
09-11-2009 04:18 PM
زيد
نشكر الكاتب المحترم على المقال الرائع الذي ينبه الى اخطاء التعليم في هذا الوطن مقال جميل جزاك الله خيرا
09-11-2009 09:55 PM
العدوان
نعم أخي الكاتب...
وأضيف..
أن الغش وسيلة...وكمان التزوير وسيلة...
وكمان شراء الشهادات بشكل مباشر او عن طريق الرشاوى ( الهداية )

...........
ان طرق الحصول عليها كثيرة ....
والا ماذا تفسر حملة الشهادات الفاشلين الذين لا يتقنون كتابة اسماءهم

شكرا يا رواد وخليها على الله

10-11-2009 09:21 AM
محمد المعايطة/الكرك
تحياتي الكبيرة للكاتب على ما تفضل به من وجهة نظر ارى انها صحيحة
وان المجتمع والثقافة عندنا في الاردن لها دور كبير
في تاخر العلم وكثرة العمالة الوافدة التي تستنزف اموال الاردن
فابنائنا كلهم موظفين وبدهم مكاتب
10-11-2009 02:00 PM
حنان ابو عواد
تسلم دكتور عالكتابات الرائعة ..
ما في بإيدنا غير نحكي الله يرحم ايام زمان ويعوضنا بالايام الجاية ..
يمكن جدودنا الجاهلين (حسب شروط المتعلمين حاليا) يفهموا ويعرفو بالعلم احسن منا من لغة (لغتنا الام الاصيلة).وطب (طبعا طب شعبي.. افيد من دوا كيميائي بصلح عضو بيخرب عضو تاني)

الله لا يحرمنا من كتاباتك وطلتك بالجامعة ..

10-11-2009 08:06 PM
dema masarwa
الى الاستاد حسان الرواد المحترم
انا معك بس مو بكل اشي و اغلب الاشخاص الي اخدو شهادات عليا مش اهلهم الي طلبوا منهم و بالعكس في اهل بهمهم المعرفة و العلم
و طلاب الدول العربية مدارس او جامعات انغرس فيهم انه العلامة اهم اشي مش المعلومة عن طريق اسلوب التلقين الي بشل التفكير و الابداع و غير دالك عكس دول الغرب
و بالنسبة للدراسة في الدول الغربية فله عدة اسباب
ومنها ان الدولة نفسها تفضل خريجي الدول الغربية و اسباب كثيرة تعتمد على الشخص نفسه
ومو الشهادة اللي بترفع الشخص و بتوصلو للمناصب
و بالعكس الشهادة ما بتزوج الفتيات لانه احتمال الزواج بقل بسبب تفكير الرجل الشرقي و انا لا اعمم و كتير من مقالك واقعي و بوعي و حلو
شكرا
10-11-2009 09:46 PM
معلم كركي
أخي الرواد أنت وأمثالك ممن يدعوا إلى الثقافة ويقصدون بأن العلم والبحث يبدأ بعد تحصيل الشهادة. صدقني لا يمكن أن نصل إلى هذا الواقع ما دام واقع مدارسنا ومعلمينا وتربيتنا في الحضيض ولا يدركون السكن ولا الدخل المرضي عنه ولا الهيبة ولا الإحترام . لذلك ستبقى ثقافتنا من ثقافة معلمينا وثقافة معلمينا من واقع مدارسنا وواقع مدارسنا من دعم وزارة التربية لمعلمينا والغاية ستكون: السعي وراء العيش المستور وللأسف لم يصلوا لهذا الحد، وسترى الإنحطاط الثقافي أكثر فأكثر وسترى المزيد من الإنحطاط في المجتمعات واخشى على الدولة بأكملها من ذلك
10-11-2009 10:25 PM
حسان الرواد
إلى الأخ المعلم الفاضل صحب التعليق 12

تحية طيبة وبعد:
أولا: أنا كنت واضحا فيما كتبت ولم أدعُ مطلقا ولم أذكر أن العلم والبحث يبدأ بعد تحصيل الشهادة وكلامي موجود ولك أن تتحقق منه , ما دعوت له أن لا تكون الشهادة هي الغاية التي يسعى المرء لتحصيلها على حساب العلم.

ثانيا:
أوافقك الرأي في بعض ما قلت من واقع مؤلم للمعلمين وأنا واحد منهم وأعتز بذلك ولهذا الواقع المؤلم أسبابه الكثيرة التي تحتاج إلى تفصيل ربما في مقالات أخرى, وأحد هذه الأسباب برأي هو المعلم نفسه أنا وأنت وغيرنا من هذه الشريحة الواسعة والمنتشرة في مناطق المملكة
ونحن سبب كما ذكرت في واقعنا المؤلم والمؤلم جدا؛ لأننا وبصراحة راضين بسبب سكوتنا وخنوعنا وعدم اعتراضنا ولو بالكلام أو وسائل التعبير السلمية الأخرى لنوصل صوتنا للمسؤولين الذين يعلمون بواقعنا ويغضون الطرف عنا, فلنصرخ صرخة واحدة تجبرهم بالنظر إلينا وتغير أحوالنا, لكنَ قلوبنا شتى مع الأسف وخوفنا على الراتب يسكتنا ليدينا نحن المعلمين مشاكل وهموم كثيرة بل وتؤثر بدرجة كبيرة على كافة شرائح المجتكع الأردني فهل سمعت يوما أن مجلس النواب طالب بدراسة أوضاع المعلمين في جلسة خاصة أو ببند في جلسة عامة
أنا حقيقة لم أسمع ولن أسمع لو بقينا على خنوعنا وسكوتنا..؟

11-11-2009 12:08 PM
سوسنة الجنوب- الجامعة الاردنية
سلمت يداك وبوركت الكلمات الدالة والتي تعكس ايضا الواقع الخطير والمنحدر لوضع العلم والراغبين بالحصول على الشهدات العليا باية وسيلة ومن اية جامعة جغرافية الاصل !!!!!!!!!!!! او المستوى الاكاديمي التجاري البحت!! !هذة مع الاسف مصيبة جديدة حلت علينا لعل الامه تفيق من غيبوبتها وانفصامها اللاخجول! اننا بحاجة ان ننهض كبقية الامم ولن يكون ذلك بشرذمة العلم والانحطاط بمستواة والتنازل عن صلاحيتة وجودتة وفقنا اللة في رفع ورفعة العلم واجيالنا الامانة في اعناقنا
11-11-2009 02:32 PM
إيمان شلباية
لقد أصبت الهدف الصحيح يا دكتور حسان...
فهذا هو واقعنا وتلك هي مصيبتنا...
10-12-2009 10:44 PM
رزان جزر
سلمت يداك أستاذي الفاضل على هذا المقال الرائع..فعلاً وللأسف هذا واقع الكثير من الناس
06-07-2010 04:26 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات