بين البتيري والدكتور القنيبي



هذه الكلمات .. ( بعيداً ) عن ( العاطفةِ ) و( التأليبِ )!

نشرَ الدكتور إياد القنيبي – في صفحته على الفيسبوك – كلاماً يُنكر فيه بعض مظاهر الفساد الاجتماعي في بلدنا الأردن ، وتحت عنوان ( الأردن والإسراع نحو الهاوية !! ) !


وكان مما افتتح به كلامه هو :

( يا أهل الأردن، إذا حل سخط الله، ووالله ما أراه بعيداً، فإياكم أن تقولوا: (لماذا يحصل معنا هذا؟)! بل تذكروا أن الأردن خلال السنة الماضية ... )

فذكر مجموعةً من أوجه الفساد الاجتماعيّ منه والسياسيّ .. ؛ حتى ختم بقوله :
( تذكروا هذا كله، ولا تقولوا: (شُو دَخَلْنا)...فعامة الشعب نائم لا يريد ولا حتى أن يستنكر المنكر، ولا يتحمل ولا حتى واجب إصلاح أهل بيته...
تذكروا ذلك قبل أن تداهنوا وتنافقوا المسؤولين فتكونوا شركاء لهم فيما يعملون (

ولم يذكر ما يريده – تحديداً – من الأردنيين أنْ يفعلوه إزاء ذلك الفساد وتلك المُنكرات ..!

ولا أدري – واللهِ – لماذا !
مع أهميّة الأمر وضرورته ..
المهم – أيضاً – أنّ الدكتور إياد أُعتقل مِن قبل الدولة بعد كلامه هذا – على ما نقلته المواقع الإخباريّة ! - ، وحصل من جملة ( التجاذبات الإعلاميّة والحزبيّة ) أنْ أنكر الاعتقال ودانه حزبُ التحرير! ومعه بعض الأحزاب ، وكُتبت – في التعاطف معه – المقالات والمنشورات .
من ذلك مقالةٌ للمنظر عن ( الإخوان المسلمين ) وائل البتيري أسماها :
( أخي إياد .. ماذا يريدون منك؟ )

بدأ بحشوِها – كعادته في المقالات ! – بسرد الكلام العاطفي المثير ! ، وإغراق الفكرة الرئيسية فيه بأسلوب التنظير .. ! ، مستغلّاً قصة سجن شيخ الإسلام ابن تيميّة – رحمه الله – وبعض أقوال ابن القيم في صبر شيخه الكبير ..

ثمّ ختم مقالته بسلسلة من الأسئلة الموجهة للدكتور إياد القنيبي – ردّه الله إلى أهله وولده - :

( أخي إياد.. ماذا يريدون منك؟ لماذا سجنوك؟ هل غاظهم أنْ أنكرت عليهم بعض منكراتهم بلسانك الشفوق؟ أم أرّقهم أن تنتشر دعوتك إلى تطبيق الشريعة بين شباب المسلمين في الأردن وخارجها؟ أم أزعج منامهم أنك أكاديمي مبدع في مجالك، حصلت ضمن فريق بحثي على براءتيّ اختراع، وحزت جائزة أفضل باحث في كلية الصيدلة بجامعة العلوم التطبيقية عام 2013، ورُقّيت لرتبة أستاذ مشارك عام 2013 بعد حصولك على أفضل تقييم للأبحاث من محكِّمين عالميين؟


ماذا يريدون؟ هل أقضّ [ هكذا ]! مضاجعهم أنك حاربت الغلو والغلاة، ورددت على المسارعين إلى التضليل والتكفير، وفي سبيل ذلك سال دمك على أيدي بعض سفهائهم؟! هل يكافؤونك على ذلك بالحبس والمحاكمة؟! أم يكافؤون أطفالك أنْ رزقهم الله تعالى أباً حريصاً على أمن المسلمين؟! )

لا أريد – في هذا المقام – الردّ على الاثنين – هدانا الله وإياهما – فيما كتباه ، ولكن لي كلماتٌ شرعيّة أرجو لها التدبّرَ وحُسن الفهم .. :
إنّ الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل عظيم الشأن من أصول ديننا الحنيف ؛ وبه بعث الله تعالى الرسل والأنبياء ؛ حاصلُ القيام به : صلاحُ أهل الإسلام في دينهم ودنياهم ، وصالحُ ما به يستقيمُ حالُهم ، ويَصْدُقُ إيمانُهم وهي الأعمال ؛ ولو تعطّل هذا الركن في حياة الأمة لعمّ فيها فساد البلاد والعباد ، ولكان سوء المآل لها بالمرصاد .


وهو واجب على الأمة لقوله – جلّ ثناؤه - : { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم } ؛ وهذا أمرٌ منه – سبحانه وتعالى – والأمر يفيد الوجوب أو الفرض ، وهو – على قول أكثر المفسرين - من فروض الكفايات ؛ بمعنى ؛ أنه إذا قامت به أمة ( أي : طائفة أو جماعة ) كفى الباقين أو سقط الفرض عنهم ؛ ومن أهل العلم من ذهب إلى كونه فرض عين فيجب على كل مسلم حسب استطاعته وقدرته وتمكنه من ذلك ؛ مستدلين بقوله - صلى الله عليه وسلم - : " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " ؛ واختلفوا فيما يسقط الوجوب على تفصيل تراه مبسوطاً في أمهات الكتب .


وقد وردت نصوصٌ كثيرة تدل على عوائد القيام بهذا الأصل العظيم ، وتحذّر من عواقب تعطيله أو تأخيره ؛ ومن ذلك :

قوله تعالى : { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة }

وقال – تبارك في علاه - : { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر }

وقال – صلى الله عليه وسلم - : " والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده ، ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم"
وقال – عليه السلام - : " ما من قوم عملوا بالمعاصي وفيهم من يقدر أن ينكر عليهم فلم يفعل إلا يوشك أن يعمهم الله بعذاب من عنده "

وقال – عليه السلام - : " إن الناس إذا رأوا منكراً فلم يغيروه يوشك أن يعمّهم الله تعالى بعذابه "
كلامٌ مهم ..

هذا وإن في قوله تعالى : { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر } أمرٌ يغفل عنه كثير ممن يستدلون بهذه الآية الكريمة في تحريرهم أصل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ ألا وهو الدعوة إلى الخير ؛ وقد قدّمه الله تعالى – لحكمة بالغة – على الأصل المشار إليه
.
قال ابن كثير – رحمه الله تعالى – في تفسيره : " وقال أبو جعفر الباقر : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ) ثم قال : ' الخير إتباع القرآن وسنتي "

وقال الطبري – رحمه الله تعالى - في تفسيره : " قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : ' ولتكن منكم ' أيها المؤمنون ' أمة ' ، يقول : جماعة ' يدعون ' الناس ' إلى الخير ' ، يعني : إلى الإسلام وشرائعه "

وعلى هذا تجتمع أقوال المفسرين من أهل العلم ؛ أن الخير هو كتاب الله تعالى وسنّة نبيه – صلى الله عليه وسلم – حفظاً وتعلماً وتعليماً ، وكونه مقدّماً على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ فهذا على وجهين :


الأول : أن يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر داخل في الدعوة إلى الخير ومنه ؛ كقول ابن تيمية – رحمه الله - : " الأمر بالسنة والنهي عن البدعة ؛ أمر بمعروف ونهي عن منكر "

وهذا ظاهر ؛ فدعوة الناس إلى القيام بما أوجبه الله – تعالى - عليهم ، وتعليمهم تلك الواجبات هو أمر بالمعروف ، ودعوتهم إلى اجتناب معصية الله تعالى وبيان ذلك لهم هو نهي عن المنكر.

الثاني : أن الدعوة إلى الخير أو الكتاب والسنة تؤدي إلى فشوِّ وانتشار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين عموم المسلمين ؛ فإنهم إذا تعلموا ذلك الخير تآمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر ، وكانوا أطوع لهذا و قابليتهم له أفضل ؛ ناهيك عن أن حاجتهم له ستكون أقلَّ بكثير جداً ؛ وهذا ظاهر أيضاً والحمد لله تعالى .

ولا يخفى أن للآية معنى أعم ؛ وهو دعوة الأمة لغيرها من الأمم إلى لإسلام ؛ وهذا أيضاً يحتاج إلى علم وبصيرة .



فيدل ما تقدّم على أن هذا الأصل العظيم من أصول الشريعة منوط بأهل العلم ومن اختصاصهم وراجع إليهم في كل حال ؛ الأمر الذي يدلنا على صفة ومعرفة ( الأمة ) أو الجماعة المذكورة في الآية .

روى ابن جرير الطبري – رحمه الله - في تفسيره عن الضّحاك أنه قال : " ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر " ، قال : هم خاصة أصحاب رسول الله ، وهم خاصة الرواة .

قال ابن كثير في تفسيره – وقد ذكر قول الضحاك - : " يعني : المجاهدين والعلماء"
وأيّد القرطبي عند تفسيره للآية قول من قال : " ومعناه أن الآمرين يجب أن يكونوا علماء وليس كل الناس علماء "

واستدل الشوكاني في " فتح القدير " على أن هذا الأصل من فروض الكفايات بأنه يختص بأهل العلم الذين يعرفون كون ما يأمرون به معروفاً وما ينهون عنه منكراً .


فإذن ! أصل الدعوة إلى الخير والأمر والنهي – بدءًا وانتهاءً – لن يقوم إلا بالالتفات إلى العلماء ؛ فهم ورثة الأنبياء العارفون بما يُصلِح شؤون الأمّة ؛ لا ( بالالتفاف ) على النصوص الشرعيّة – ليّاً وتطويعاً وتطويحاً – لخدمة ( الحِراكات ) والحركات الحزبيّة والمذهبيّة .. !


وهذا يجعلني أعرّجُ على موضوع متناهٍ في الأهميّة و الحساسيّة ؛ إذ هو متنُ المقالة ، وما عداه من إشاراتٍ لك أن تتحاشاها ..

وأرجو القارئ – مرّة أخرى - إمعانَ النظر و التدبّرَ ، وحسنَ التصوَّر والتفكّر ؛ فإنّ الفهمَ الصحيح فرعٌ عنهما .


فأقول – مستعيناً بالله جلّ ذكره - : ما من خلافٍ في أنّ الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم أعمال الدين وأوجبها كأصل عظيم من أصول شرعنا الحنيف ؛ ويدخل في ذلك أمر الحكام وولاة الأمور وأصحاب السلطة بالمعروف ونهيهم عن المنكر ومناصحتهم ؛ غير أنّ لهذا الأصل مسائل كثيرة حرّرها أهل العلم في كتبهم ومصنفاتهم ؛ وهذا لئلا يخرج الأصل المذكور من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمناصحة ؛ إلى الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف والمناكفة والمناطحة !

وتلك المسائل تتعلق – أساساً – بمن يباشر الأمر والنهي والنُصح ؟ وكيفية ذلك ؟ وما هي وسائله وأدواته ؟ ومتى يُقْدمُ عليه ومتى يُحْجمُ عنه ؟ وغير ذلك من المتعلقات ؛ والتي يسميها أهل العلم – اختصاراً وانتصاراً لهذا الركن – : (الضوابط الشرعيّة أو الفقهيّة للقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) ؛ وهو ما يكاد أن يكون علماً قائماً بذاته لكثرة من تكلّم فيه من أهل العلم والدراية .

لن أخوض كثيراً في تلك المسائل ؛ فالمقام لا يتسع ، والمراجعُ من كتب أهل العلم المعتبرين متوافرة والحمد لله تعالى ؛ ناهيك عن المؤلفات الحديثة التي بحثت تلك الضوابط الشرعيّة والأصول الفقهيّة بشكل عام ؛ وأيضاً في مسائل خاصّة كالتي نحن بصددها .

وأنا هنا سأتكلم مباشرة حول هذه المسألة من خلال النظر إلى ( سياسة !) الأحزاب والجماعات الإسلامية وغيرها ، وبعض الأفراد في التعامل بقاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الحكام و ولاة الأمور : فهماً وتحقيقاً ، وعلماً وتطبيقاً ، والكلام على أقسام – وباختصار شديد : -

الأول : إنّ هذه المسألة من المسائل العامة العظام ، والأمور الهامة الجِسام للأمة ؛ ينبغي الرجوع فيها لأهل العلم الربّانيين العارفين بالكتاب والسنة وأقوال الصحابة والقياس ؛ وأن لا تترك لأهواء الناس والأحزاب والجهّال ومدعي العلم ومنتحليه ؛ يخوضون فيها خوض الغريق في الماء ، ويتخبطون فيها تخبّط عشواء .. !

فما بال ( الأحزاب الإسلامية ) – ومعهم بعض الأفراد - قد نصّبَوا أنفسهم مكان العلماء ! ، وصادرت دورهم فراحت تفتي – إما بلسان المقال أو بلسان الحال – بأمور عظيمة وخطيرة ! ، وتنكر على الحكام و ولاة الأمور وأصحاب الأمر والنهي من غير التفات للضوابط الشرعية ، والقواعد الفقهية ! ، ودون أدنى اعتبار لكلام أهل العلم من المتقدّمين والمتأخرين والمعاصرين في مثل هذه المسائل .. ! ؛ متّبعةً سياسة التصعيد ؛ ليس فقط على صعيد وسائلها ؛ بل وأهدافها ، ومطالبها .. !! ؛ وهذا تراه – دون إمعان – في ( الشعارات ) التي ترفعها تلك الأحزاب في مظاهراتها ؛ والتي تتطور و( تتهوّر ) يوماً بعد يوم ؛ فمن ( حقوق الشعب ) إلى ( محاربة الفساد ) إلى ( محاكمة المفسدين ) إلى ( تعديل الدستور ) إلى ( الملكية الدستورية ) إلى ( اسقاط النظام ) إلى ( ثورة ) !

وكلُّ هذا من خلال سياسة التشهير والتهريش والتهويش : في مظاهراتهم ، و مضاهاتهم للثورات في البلدان الأخرى – شكلاً ومضموناً وتنظيماً !! - ، وعلى المنابر وفي ( صحفهم ومجلاتهم ) !

كلُّ هذا نُصْحاً لولي الأمر وإنكاراً عليه .. زعموا !!

فأين هذا من هدي نبيّنا – صلى الله عليه وسلم – ومنهج سلفنا الصالح وعلمائنا المجتهدين ؟!
عن عياض بن غنم - رضي الله عنه قال - : قال رسول الله :
" من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبدِ له علانية ولكن ليأخذ بيده فيخلو به ؛ فإن قبل منه فذاك وإلا كان قد أدى الذي عليه "
رواه الإمام أحمد وابن أبي عاصم وغيرهم وصححه الإمام الألباني .

ولقد ( فهم ) السّلف الصالح مُراد النبي صلى الله عليه وسلم ..

فلمّا طلب الناس أيام الفتنة من أسامة بن زيد أن يدخل على عثمان بن عفان – رضي الله عنه وأرضاه – فيكلمه في بعض الأمور ؛ قال : ألا ترون أني لا أكلمه إلا أُسمِعُكم ؟! والله لقد كلمته فيما بيني وبينه ما دون أن أفتح أمرا لا أحب أن أكون أنا أول من فتحه .. ! والقصة في الصحيحين
.
واجتمع فقهاء بغداد في ولاية الواثق إلى أبي عبد الله [ الإمام أحمد ] ، وقالوا له : يا أبا عبد الله ! إن هذا الأمر قد تفاقم وفشا – يعنون إظهاره لخلق القرآن وغير ذلك – !
فقال : فما تريدون ؟
قالوا : أن نشاورك في أنّا لسنا نرضى بإمرته ولا سلطانه ..! ، فناظرهم في ذلك ساعة ، وقال : عليكم بالنّكرة بقلوبكم ولا تخلعوا يدًا من طاعة ، ولا تشقوا عصا المسلمين ، ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم ، انظروا في عاقبة أمركم ، واصبروا حتى يستريح برٌّ ، أو يُستراح من فاجر .
وقال : ليس هذا بصواب ؛ هذا خلاف الآثار .. !
قلتُ : ومعلومٌ – بلا نقاشٍ – أنّ الفساد العقائدي أعظم - بكثير - من أيّ فسادٍ آخر ..

ولذا .. لمّا سُئل العلامة محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله تعالى - : لماذا لا تردّون على الحكام وتبيّنوا للناس ؟
فقال : ولكن النصح مبذول [ فذكر كلاماً ثم قال : ] بيان [ أي إظهار ] ما نفعله مع الولاة فيه مفسدتان :
الأولى : أن الإنسان يخشى على نفسه من الرياء ؛ فيحبط عمله .
الثانية : أن الولاة لو لم يطيعوا ؛ صار حجة على الولاة عند العامّة فثاروا وحصل مفسدة أكبر .
رحم الله تعالى الشيخ ؛ مُلئ فهماً وعلماً فكان هذا ردُّه ؛ لله درّه !
وكلامه يدفعنا إلى ..

القسم الثاني – من الكلام - فأقول : لو لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم الحديثُ الذي ذكرناه وصححه الفقيه المحدُث الألباني رحمه الله ، أو لم يصحّ كما ذهب البعض ، أو استقام قول من فسّر الحديث بأنه ينطبق على النصح فقط لا على الإنكار ! ، وكذا الآثار المذكورة عن الصحابة والعلماء ؛ وفيها ردٌّ عليهم ... فإنه لا بدَّ – عند القيام بأعمال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – من مراعاة الضوابط الشرعية والأصول الفقهية ..

فأما الضوابط الشرعية فمن أهمها : أن يكون أهل العلم هم من يتصدّى لمثل هذه المسائل ، وهذا لا يجادل فيه إلا مكابر عنيد ! ، أو من ران ( التعصّب الحزبيّ ) على قلبه و بصيرته !

وأمّا الأصول الفقهيّة : فقد جاءت الشريعة السمحة باعتبار المصالح وتكميلها ، ودرء المفاسد و تقليلها ولذا " فإنّ الأمر والنهي وإن كان متضمنا لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة، فينظر في المعارض له ، فإن كان الذي يفوت من المصالح ، أو يحصل من المفاسد أكثر لم يكن مأمورا به ، بل يكون محرمًا إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته ، لكن اعتبار مقادير المصالح والمفاسد هو بميزان الشريعة " [ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية]

وقال تلميذه البارّ ابن القيّم :
" إنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله ؛ فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله فإنه لا يسوغ إنكاره ، وإن كان الله يبغضه ويمقت أهله ...
إلى أن قال : ومن تأمل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الأصل، وعدم الصبر على منكر ! ، فطلب إزالته فتولد منه ما هو أكبر منه ! '
قلت : وأي شيء أبغض إلى الله ورسوله من الفتنة ؟!!
تُزهق فيها الأرواح وتسيل الدّماء ، وتستباح الأموال والأعراض ، ويُشرّد الأطفال والنساء ، ويُضارُّ الناس في معايشهم ومصالحهم ، والأمرُّ – كنتيجة حتميّة - : فسادُ دينهم ودنياهم .. !

نُرقّع دنيانا بتمزيق ديننا.... فلا دينُنا يبقى ولا ما نُرقّع

وبعدُ ..
فإنّ تحريش القلوب ، وتجييش العامّة – وفيهم الجاهل والأرعن وصاحب الهوى والذي لا يدري ! – وذلك بالخطابات ( الحماسيّة ) السقيمة ؛ البعيدة عن التطبيقات الشرعيّة السليمة ليس من الإنكار الشرعيّ في شيء ولا يجلب إلا الفتن والمحن .

أخيراً ..


لا أستطيعُ الجزمَ بالوسائل التي يريدها الدكتور إياد القنيبي في إنكار أهل الأردن ما ذكره من الفساد والمنكرات – التي لا يرضى بها مسلم بالطبع – فإننا لا نشقُّ عن القلوب .. ؛ فإذا كان مقصده لقاء أصحاب السلطة ونُصحهم وتحذيرهم من قبل العلماء فبها .. ، وإنْ الخروجَ في مظاهرات واعتصامات وإضرابات فلينظر حوله فيعرف ما جلبت للأمّة !

أسأل الله العظيم أن يحفظ بلدنا من الفتن ، ويجعله آمناً مطمئناً وسائر بلاد الإسلام ، وأسأله تعالى أن يوفق ولاة أمورنا لكل خير وأن يرزقهم البطانة الصالحة التي تأمرهم بالمعروف وتعينهم عليه ، وتنهاهم عن المنكر وتعينهم على تركه ..
سبحانك ربّنا ربّ العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله ربّ العالمين



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات