الشباب والأسرة والمجتمع


تتميز فترة المراهقة من عمر الإنسان بالكثير من التحولات الفسيولوجية والنفسية، والتي تنعكس بشكل مباشر على تصرفاته وطباعه وعلاقته مع من هم حوله من الأهل والجيران والأصدقاء أو حتى زملاء الدراسة.

ولا تخلو هذه الفترة الحساسة من حب الإستطلاع، وكذلك تكون روح المغامرة في أعلى مستوياتها، ومن الصعب إيقافها أو السيطرة عليها، فترى المراهق الشاب يحاول تجريب كل شيء حوله من الملابس الى المأكولات، ثم الأفكار وقصات الشعر، وقد يلجأ الى تجريب المخدرات والمسكرات أوغيرها من أشكال الإنحراف.

لذلك برزت الحاجة الماسة الى ضرورة تكثيف المراقبة من قبل أولياء الأمور لهذه الفئة الحساسة من المجتمع، وإيلاء تلك الفئة العمرية جل الإهتمام والرعاية، والتواصل الدائم بين أولياء الأمور والمراهقين لغايات ضمان التوجه الصحيح لأفعالهم وأفكارهم.

وعلى الرغم من كافة الصيحات التي نادت بذلك، وتعرض الكثير من المقالات والبرامج والكتب الى أهمية مراقبة تلك الفئة من المراهقين وتوجيههم ومتابعتهم؛ إلا أن جهود أولياء الأمور باءت بالفشل.

لقد خرج علينا اليوم جيل من المراهقين الشباب لم نعرف له مثيل من قبل، جيل يترنح بين الخلاعة والمجون، جيل يتخلى عن القيم والمبادءى والأخلاق بسهوله، جيل سمع عن الرجولة في صغره قليلاً ولكنه بات أمياً بها بعد أن أصبح في الشباب من عمره.

إن الجيل الذي أتحدث عنه هو الجيل الذي من السهل رؤيته؛ فهو يملاً الكثير من الأسواق العامة والمولات، وقليل التواجد في أماكن طلب العلم أو دور العبادة، جيل يجد في تقليد الموضات المنحرفة أسلوب حياة يعيش من أجله.

يحتاج هذا الجيل الى مجموعة من الأدوات من أجل إستمرار حياته، فنظارة سوداء أو ملونة من ماركة تجارية مشهورة ضرورية من أجل سلامة عيونه، وكذلك زوج من السماعات يحشرها في أذنيه ويبدأ بعدها رأسه في الميلان والتأرجح، وبنطال قد تدنى مستواه ليكشف جزءً لا بأس به من ظهره أو "البكسر"، ومن المستحسن وجود بعض التشققات فيه عند الركبتين الى الفخذين من أجل دخول أشعة الشمس وتهوية المكان والمحافظة على نسبة مقبوله من فيتامين D، و"تي شيرت" ضيق يصف عضلاته شبه الناميه وبإمكانك مشاهدة أضلاع قفصه الصدري خلاله، مع المحافظة على مسافة أمان بين البنطال وال"تي شيرت" لمنع التداخلات فيما بينهم.
ولا ننسى هاتفه المحمول الذكي الحديث، من أجل التباهي أمام الرفاق تارةً، ومن أجل تقليب صفحات التواصل تارةً أخرى، أو من أجل الإستماع الى الموسيقى الهابطة ومشاهدة الأفلام الخليعة تارة ثالثة.

أما عن الأحذية المفضلة فلا تكاد تجد فرقاً اليوم بين حذاء الشاب أو الفتاة، فلقد إختلط الحابل بالنابل وتاهت الحقيقة وإختلفت الأوراق، وأصبحت الإستعارة للملابس والأحذية بين الشباب والبنات شيئاً طبيعياً.

هؤلاء هم سبب كل بلية اليوم، فهم سبب التهرب من المدارس وترك مقاعد الدراسة، وهم سبب العنف الجامعي وتحويل أروقة الجامعات الى ساحات نزال وعراك، وهم سبب الضيق والضنك الذي نعيش اليوم بتأنثهم الذي لا تجد معه إلا أن تلحق بصاحبه تاء التأنيث أو نون النسوة، ولا يحضرني هنا إلا قول الشاعر:
وما عجبي أن النساء ترجلت ......... ولكن تأنيث الرجال عجاب

نعود لنأكد أن سبب الكارثة هذه كلها اليوم هو حالة الإنهيار الجماعي والكلي للأسرة العربية والإسلامية، إنشغل أولياء الأمور في تأمين لقمة العيش لأبناءهم، وتركوا عقول الأبناء تتغذى من مصادر التواصل الإجتماعي، وشبكات الإنحراف، والمواقع الإباحية، وأصدقاء السوء، والفرق الضالة التي تبث سمومها عبر الإنترنت وتسعى الى تجنيد الشباب لخدمة أهدافها وطموحها.

لقد تردت أوضاع كثير من الأسر اليوم، فبعضها يسعى بكل ما أوتي من قوة من أجل أن يؤمن لقمة العيش، والبعض الآخر سقط في أوحال الرفاهية والترف والصالات الرياضية والخدم والحشم والحفلات الصاخبة والسيارات الفارهة، تاركين كلاهما الأبناء إما لخادمة لا تتقن اللغة العربية، وتعتبر أن البقرة هي الإله المقدس، أو لعابري السبيل وقطاع الطرق ولصوص العقول وقاتلي الطفولة والبراءة.

لا بد أن يفرد أولياء الأمور الأوقات الخاصة للجلوس مع الأحداث والمراهقين، وتوعيتهم بتعاليم دينهم، وتاريخ آباءهم، وتراث أجدادهم، وعادات مجتمعهم، وأخلاق مدينتهم، وقوانين بلادهم، وفضيلة عروبتهم، وسماحة إسلامهم.

تلك الجلسات الهادئة، والتي يجب أن تخلو من التلفاز أو الهواتف الذكية أو حتى الكتب، تجلس الى ولدك من أجل الإستماع اليه، وتوعيته عما يدور حوله، وتعليمه التاريخ والحاضر وكذلك المستقبل المتوقع، جلسات تهدف الى إرفاده بما يحتاجه من النصح والإرشاد والتوعية.

أبناءنا اليوم هو آباء الغد، وأنت تربي طفلك إعلم أنك ترسم مستقبل هذه الأمة، وأنك تكتب قصة ستُحكى فيما بعد، أرجوك أحسن الكتابة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات