الجوكر


منذ الصغر وانا اسمع عن لعبة الشدة كما كانت تسمع أمي " رحمها الله " عن اينشتاين ، ووالدي بعقلية العسكري التي خدم بها لأكثر من خمس وعشرين عاما منع الشدة في البيت ، بل كان هناك عقاب كبير لمن يفكر في جلب أوراقها للبيت أو يفكر أن يلعب بها خارج البيت مع الأصدقاء ، والشدة بالنسبة لي هي مضيعة للوقت لأن الجلوس لأكثر من ثلاث ساعات وربما لساعات الفجر الأولي في البحث عن الستات والخمسات والجواكر بين أوراق يمثل حالة من فقدان الشعور بالزمن بالنسبة لي .
وبعد سنوات وعندما دخلت الجامعة واثناء وجودي في السكن الجامعي شدتني لعبة الشدة تلك ، ورغم محاولاتي الفاشلة لتعلمها إلا أنني ومع الوقت اكتشفت صدق والدي بها ، وبانها مضيعة للوقت واحيانا للمال عندما تتحول لعبة قمار على باكيت سجائر أو قداحة ، وأكثرما كان يشدني في غرفة السكن الجامعي كلمة " جوكر " عندما تخرج من اصوات الزملاء وتنقلب الغرفة ويغادرني النوم لساعات الصباح .
وكمحاولة لفهم سر هذا " الجوكر " كنت اطرح الكثير من الاسئلة على الشباب ، وكانت النتيجة أن هذا " الجوكر " هو السر في اللعبة وله دور كبير في تحديد المنتصر من المنهزم بها ،وفي نفس الوقت لايمكن التعامل معه كأي ورقة أخرى من أوراق الشدة ، بل لابد من التعامل معه بحرص شديد، وهو الذي يتم استخدامه في اللحظات الصعبة والتي عندها تنقلب موازين اللعبة بالكامل .
ويبدو أنه في حياتنا السياسية في البلد هناك " جوكر " يتم اظهاره في الوقت الذي يجد في صاحب القرار الفرصة المناسبة لذلك ، وعندها تنقلب طاولة حياة الكثيرين السياسية ، ويقومون باعادة ترتيب أوراقهم من جديد رغم مواقفهم المتناقضة وربما الرافضه بما يتناسب مع ظهور الجوكر ، ولكن يبدو أن حياتنا السياسية فيها الكثير من أوراق " الجوكر" ولايحكمها أي قانون تسير عليه لعبة الشدة، وكنت اتمنى في شبابي أن اتعلم لعبة الشدة ومتى أخرج الجوكر ، ومع تقدم العمر يبدو أن لعبة الشدة في حياتنا السياسية هي أكثر تعقيدا من لعبة الورق ، وبالتالي فان خروج الجوكر لاتحكمه أية قوانين بل مصالح سياسية ، ورحمة الله على والدي الذي عرف منذ سنوات أن السياسة كلعبة الشدة ومنع الحديث بها أيضا .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات