التصفيات الداخلية" في مجلس النواب


       لم أكنْ أرغب في التعليق مرة أخرى على الانتخابات الداخلية في مجلس النواب (المكتب الدائم ولجان الاختصاص) حتى لا أكرر نفسي وأبدو كمن يتصيد في الماء الصافي.
لكن مطالعاتي لصحف أمس وأول من أمس، وما حملت من مقالات وتحليلات صحافية من بعض الكتّاب، تشيد بالعملية الديمقراطية في مجلس النواب وتمجِّد "الاكثرية" المنظمة، وتبشر بعهد برلماني جديد (!). وتندب حظ "الأقلية" وتطالبها بالانصياع وقبول نتائج العملية الديمقراطية..

..هذه "الاحتفالية" بالفتح الديمقراطي "الزائف" دفعتني للتعليق مجدداً على "التصفيات" الداخلية في مجلس النواب، وكشف ما تحمله من مخاطر على العمل البرلماني برمته، وما تلحقه من أذى في الصورة المهلهلة أصلاً لمجلس النواب، الفاقد للكثير من شعبيته ومصداقيته السياسية، كما تشير إلى ذلك استطلاعات الرأي (97% غير راضين).

بدا لي واضحاً أنّ هناك "هجمة" إعلامية، لا تخطئها العين، تستهدف تسويق ممارسات "برلمانية" هجينة على العمل البرلماني الأردني استهدفت اصطفاء "نخبة" من نواب الموالاة، وتجميعهم في كتلتين نيابيتين على قاعدة الجيل (العمر)، وتسليمهم مقاليد "الحكم" في مجلس النواب، بدعوى أنّهم الأغلبية البرلمانية.

ولتنفيذ هذه السياسة البرلمانية المدمّرة ذاتياً، جرى تشكيل محور برلماني من الكتلتين، خاصم مسبقاً عدداً واسعاً من نواب الموالاة ومانحي الثقة للحكومة، كتلاً وأفراداً ناهيك عن المعارضة. وعمل هذا المحور البرلماني على إقصاء كل الكفاءات والخبرات النيابية ذات النزعة الاستقلالية، ليس بمعنى "التمرد" او الانقلاب على السياسات المستقرة، بل بالمعنى الاجتهادي في إطار النسق العام والوجهة العامة للدولة والحكومة التي منحوها الثقة. حتى كفاءات المحور جرى إبعادها (أ. منير صوبر، محمد أبو هديب، عدنان السواعير، وحازم الناصر).

ولتحقيق هذا الهدف "النبيل" أُطلقت اليد للمتنفذين المدعومين في كتل المحور (التيار والإخاء)، ليعيثوا في كل قواعد وأصول الأعراف البرلمانية، ويحققوا لأنفسهم مكاسب ومواقع نفوذ إضافية باعتبارهم "المقاولين" لهذا النهج وهذه السياسة الانقسامية المدمرة، وظهر الرئيس عبدالهادي المجالي، مغلوباً على أمره.

عن أي "عرس ديمقراطي" يتحدث السادة المصفقون للأغلبية العددية التي جرى تجميعها انتقائياً ونظمُها في كتل برلمانية مهمتها الدفاع عن سياسات الحكومة.
أيُّ ديمقراطية يتحدث عنها السادة تنتج 90% من لجان مجلس النواب (12 من 14 لجنة) بالتزكية نتيجة لصفقات استهدفت إقصاء الكفاءات والخبرات البرلمانية بهدف "نقاء" الموالاة؟.

أي مرحلة ديمقراطية جديدة يبشر بها السادة الكتّاب تقوم على التكاتف لعزل التيارات البرلمانية والتصفيات الداخلية في اطار كتل المحور ذاتها؟
في كل الدنيا، وفي كل البرلمانات الديمقراطية، تتشكل اللجان البرلمانية باعتبارها "المطبخ السياسي" بتمثيل نسبي لكل التيارات والكتل البرلمانية والمستقلين، حتى تكون كل الأفكار ووجهات النظر حاضرة، كلٌّ حسب حجمه. فالديمقراطية البرلمانية الداخلية - أيّها السادة- لا تقوم ابداً على الاقصاء والهيمنة حتى حين يملك طرف أغلبية عددية (النصف+ 1).

أمّا إطلاق الغرائز والنزعات التصفوية والهيمنة لأغلبية عددية بلا برامج أو سياسات او أهداف معلنة، فهذا ليس من الديمقراطية في شيء. مخطئ من يظن أنّه بهذه التوليفة العرجاء سوف يؤمِّن أغلبية برلمانية سياسية مريحة للحكومة، فهذه الأغلبية العددية لا تملك الدفاع عن نفسها ناهيك عن الحكومة. ولن تتمكن هذه الاغلبية العددية المركبة من إدارة دفة المجلس وحدها.

مصلحة الحكومة ومجلس النواب معاً، أن يجري التخلي عن سياسة العزل والاقصاء و"تلزيم" إدارة مجلس النواب على تيار بعينه. فالمصلحة العامة تقتضي هدم الجدار العازل بين النواب كتلاً وافراداً، والبحث معاً عن سبل النهوض بالدور الوطني والدستوري لمجلس النواب في التشريع والرقابة.
هكذا يريدنا جلالة الملك.. وهكذا تقتضي أمانة المسؤولية.


bassam.haddadin@alghad.jo



تعليقات القراء

محمد الرياطي
عن اي مجلس نواب تتحدثون!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
28-10-2008 08:15 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات