مؤشرات حرب اقليمية بالمنطقة .. والأستخبارات الأيطالية !


تتناقل بعض وسائل الميديا العالمية المقرّبة من أجهزة استخبارات أوروبية , معلومات على درجة عالية من الصحّة استخباريّاً , مستقاة من تقرير أمني استخباري ذو رصد سياسي وعسكري وأمني دقيق , رفعه جهاز الأستخبارات الأيطالية الى رئيس الوزراء الأيطالي سيلفيو بيرلوسكوني , يتحدث فيه عن الأوضاع في الشرق الأوسط على كافة الصعد السياسية والعسكرية والأمنية , وأنّ واشنطن تلعب في منطقة الشرق الأوسط وأفغانستان لوحدها , دون أدنى تنسيق مع حلفائها الأوروبيين ومن ضمنهم الأيطاليين ... كما تحدث عن توتر شديد بالعلاقات بين فرنسا وايطاليا بسبب موقف الأخيرة في أفغانستان من حيث تنسيقات الأستخبارات الأيطالية مع حركة طالبان الأفغانية , في عدم استهداف الجنود الأيطاليون مقابل أموال , مما دفع بطالبان- أفغانستان الى الأنسحاب من مناطق هي من صلب حماية الوحدة الأيطالية مما رفع من عدد الضحايا البشرية والخسائر المختلفة في الوحدة الفرنسية ...الخ  .
ومن الجدير ذكره هنا أنّ الأستخبارات الأيطالية أعلنت وعبر حكومتها ومنذ فترة زمنية قصيرة , على أنّ ايطاليا لا تمانع من اقامة علاقات وتنسيقات أمنية مع أطراف من حركة طالبان – أفغانستان غير مرتبطة بالقاعدة .
 ما يعنينا من المعلومات المستقاة من تقرير الأستخبارات الأيطالية , هو ذلك الجزء المتعلق في الوضع في لبنان  لنعمل العقل- عاموديّاً وأفقيّاً وبكل الأتجاهات -  بالتحليل الأستخباري لهذه المعلومات واخضاعها للتقديرات والأحتمالات المختلفة لنصل الى مقاربة بنتيجة محدّدة عبر التساؤل التالي : ما مدى امكانية اندلاع الحرب بين اسرائيل وحزب الله مرةً اخرى ؟ وهل نحن بصدد حرب بالوكالة تؤدي الى حرب اقليمية ؟  وبغض النظر عن موقف ايران من مسودة الأتفاقية التي قدّمها البرادعي لأيران ومجموعة الدول الكبرى المعنية 5 + 1 .
 تتحدث المعلومات الأستخبارية أنّ قائد القوّات الأيطالية في لبنان  اليونيفيل  قدّم تقريراً لجهاز الأستخبارات الأيطالية أسهب فيه بخطورة الوضع في المنطقة , مع اشارته الى عشرات الأنتهاكات التي تقوم بها " اسرائيل " للأراضي والأجواء اللبنانية كل شهر دون أن تأخذ " اسرائيل " بعين الأعتبار الموقف الحسّاس الذي يحيط بقوات  اليونيفيل  هناك , حيث من المحتمل أن يصبح الوضع مأساويّاً اذا ما قرّر حزب الله الرد على الخروقات الأسرائيلية , كما أكّد التقرير على أنّ حزب الله يقوم بمراقبة الوضع بعين يقظة , ويسجل كل الخروقات وسيكون لديه من المبررات ما يكفي للقيام بعمليات ضد القوات العسكرية الأسرائيلية , فيما اذا صار الأمر ضروريّاً وبنفس الطريقة التي تخرق بها " اسرائيل " اتفاق الهدنة المفروض , وبالتالي فانّ القوّات الأممية  اليونيفيل, والأيطالية جزء منها, ستكون بين نارين , ولن يكون بمقدور قوّات  اليونيفيل ادانة حزب الله لوحده , دون الأشارة الى الخروقات الأسرائيلية أيضاً .
وذهب التقرير الأستخباري الى توضيح مسألة لم تثار حولها التساؤلات وهي : أنّ القوّات الأممية في جنوب لبنان يتم ادارتها من الناحية العملية من قبل الأمريكان , فواشنطن لا تخشى شيئاً , نتيجة لعدم وجود قوّات لهم ضمن القوّات الأممية .... وكل المؤشرات الأمنية والسياسية والعسكرية الان تشير الى أنّ " اسرائيل " وحزب الله يقومان باستعدادات متواصلة وبزيادة تسلحيهما وكأنّ الحرب ستقوم غداً , و مما يجعل من بقاء قوّات اليونيفيل في جنوب لبنان مهمة مستحيلة أو مهمة انتحارية كما وصفت في التقرير الأستخباري ... وآضاف معد التقرير الأيطالي , أنّ لبنان يعج بأجهزة استخبارات عربية وغربية لا بل كل مخابرات العالم صارت تعمل في لبنان .... وأنّ السفارة الأمريكية في بيروت تقوم بلعب دور كبير في كل تفاصيل الشأن اللبناني الداخلي... وهذا يثير حفيظة حزب الله اللبناني , والحزب يقوم برصد كل شيء ومراقبته ويستعد لكل طارىء ... والخسائر بين ضباط الأستخبارات الغربيين والجنود العاملين في القوّات الأممية ستكون كارثية اذا ما نشبت الحرب , ولن تستطيع قوّات اليونيفيل من الأنسحاب السريع في حال التهاب الأجواء في المنطقة, كما أنّها لن تتمكن من الدفاع عن نفسها .... " واسرائيل " لن تهتم بما يحل بتلك القوّات الأممية , كونها تبني استراتجيتها على أساس أن يكون هناك خسائر بقوّات اليونيفيل , حتّى توظف ذلك لصالحها , لتلقي باللوم على حزب الله – سوريا – ايران .
هناك معطيات سياسية مختلفة حدثت على كلا الجانبين الأسرائيلي واللبناني , فيما يتعلق على الجانب الأسرائيلي فقد صعد اليمين الديني المتطرف وعبر انتخابات عامة الى الكنيست , وتم تشكيل حكومة ائتلافية من الليكود – اسرائيل بيتنا , وجل اهتمامها يكمن في استعادة ما تسمى بقوّة الردع الأسرائيلية من خلال القضاء على حزب الله والخطر الأيراني وتحييد سوريا .
بالمقابل وعلى الجانب اللبناني أسفرت الأنتخابات النيابية الأخيرة , عن احتفاظ قوى 14 آذار بالأغلبية النيابية المستظيفة دائماً للسفيرة الأمريكية في بيروت ورغم ذلك وحتّى اللحظة لم تنجح مساعي تشكيل الحكومة اللبنانية بعد ... وقد نكون أمام اعتذار ثاني للحريري سعد !
أيضاً ما زال حزب الله وحلفاؤه , ما زالوا محتفظين بوزنهم السياسي مع تعزيز لقدراتهم العسكرية استعداداً لمواجهة العدوان الأسرائيلي المحتمل وحسب تقديرات المخابرات الأيطالية نفسها بالجزء المتعلق بالشرق الأوسط , وبالخلفية تقرير قائد القوّات الأيطالية في الجنوب اللبناني , ضمن قوّات اليونيفيل القوّات الأممية .
الجهود العسكرية والأمنية الأمريكية – الأسرائيلية لم تستطع القضاء على خطر حزب الله العسكري ونزع سلاحه , وخطره السياسي باضعاف نفوذه ... لا بل استطاع هذا الحزب على تعزيز ترسانته العسكرية , وخاصةً الصاروخية , بما يفوق قدراته التي كانت لديه عشية حرب تموز 2006 م .
تتحدث المعلومات الأسرائيلية عن عوامل ضعف وعوامل قوّة في حزب الله ... فبعد انتهاء حرب تموز 2006 م ... على الصعيد العسكري , حيث لم يعد الحزب قادراً على حشد قدراته العسكرية بجانب الحدود الأسرائيلية – اللبنانية , وتتمركز هذه القدرات في مناطق شمال نهر الليطاني , اضافةً الى فقدان الحزب لقائده العسكري عماد مغنيه .
على الصعيد السياسي , تمت هزيمة الحزب في الأنتخابات النيابية الأخيرة , وقد اعترف حزب الله وحلفائه بذلك بموقف شجاع .
من ناحية أخرى , تتحدث " اسرائيل " عن عوامل قوّة حزب الله , حيث يؤكد الأسرائيليون دوماً , أنّ مصادر قوّة حزب الله ما تزال فاعلة ونوعية وكميّة , ومن أبرزها الدعم الأيراني المتواصل والموصول , وتأييد سكّان الجنوب اللبناني له , اضافةً الى دعم دمشق له , وامتلاكه تنظيماً عسكريّاً دقيقاً وشديد التماسك يتميز بمعرفة الأرض والقدرة القتالية العالية وفن السيطرة على المسرح ...كما يضم الحزب جهاز مخابرات خاص به بموارد بشرية مدربة ومثقفة .
هناك اجماع في الأوساط السياسية والعسكرية والأمنية في الكيان العبري / الطارىء على كل شيء , أنّ وجود حزب الله يشكل الخطر الأول على وجوده وأمنه القومي ... لكن مأزق " اسرائيل " يكمن في أنّها تسعى لتحقيق أهدافها ورؤيتها ازاء القضاء على خطر منظومة حزب الله العسكرية والسياسية والأعلامية  ومن يقف خلفها , والمشكلة هي من نمط تساؤلات: كيف ؟! متى؟! وما هي وسيلة ذلك ؟! وماهي الأضرار التي ستتعرض لها , خاصةً وأنّ لها تجربة مريرة مع حزب الله / حرب تموز 2006 م ! .
مقابل هذا الأجماع هناك انقسام داخل هذه الأوساط مجتمعةً في ( الوسيلة ) لتحقيق تلك الرؤية .... فهناك اتجاه يقول بالخيار العسكري , كونه وسيلة ناجعة في القضاء على المخاطر من جذورها / طبعاً من الزاوية الأسرائيلية .... ولهذا الخيار العسكري مخاطره سواءً من جهة احتمالات الخسائر الكبيرة التي ستتعرض لها " اسرائيل " بسبب امتلاك حزب الله لقدرات عسكرية تستطيع استهداف العمق " الأسرائيلي " بسهولة , مع الدخول في مواجهة مع الرأي العام الدولي , والذي صار أكثر رفضاً لعمليات " اسرائيل " العسكرية , مع اضعاف واضح لحلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في لبنان .
اتجاه آخر يرى بضرورة الذهاب الى الخيار السياسي – الدبلوماسي , كونه الوسيلة المتاحة والمناسبة في الوقت الحالي من خلال توظيف واستخدام جيد للمؤسسات الأممية ومؤسسات المجتمع المدني الدولية , في الحملة ضد حزب الله , على اعتبار أنّ تلك المؤسسات الأممية واقعة بحكم الواقع تحت سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية , مع دعم وتعزيز قدرات حلفاء أمريكا في لبنان باعتبارهم الأكثر فعالية في القيام بمهمة اضعاف وزن حزب الله السياسي ... ومن خلال دفع الحزب الى الأنخراط في تشكيل الحكومة الذهبية المنتظرة .... كون شروط اشتراكه ودخوله الحكومة هذه المرة يختلف عن سابقات المشاركات الماضية , كون ذلك يعد تفكيكاً للحزب بالمعنى السياسي والعسكري .... ولهذا الخيار عقبات وعراقيل تقف في تطبيقه , فلا مبررات وذرائع مقنعة لدفع المؤسسات الأممية نحو تشديد الضغوط على حزب الله , كون الوضع في لبنان يقوم على أساس خطوط طول وعرض اثنو- طائفية , تجعل مهمة القضاء على شعبية الحزب بين سكّان الجنوب اللبناني / ان لم تكن مستحيلة صعبة للغاية .
ترى مجموعات أخرى في النخب السياسية والعسكرية والأمنية القيادية في مؤسسات " اسرائيل " الى استخدام الأزمات كأسلوب ادارة / ونتنياهو وفريقه الحالي بارع في ذلك , بعبارة أخرى استخدام معطيات ادارة الأزمة من حيث استخدام التهديد السياسي والعسكري كوسائل ضغط خارجية , مع ضرورة العمل على عزل حزب الله عن حلفائه الخارجيين , مثل ايران , سوريا ... مع استخدام التفاهمات الدولية والأقليمية لحصر نمو قدرات حزب الله ضمن الحدود الدنيا وانتظار اللحظة المناسبة لاحقاً بعد اضعافه .
خلاصة :
بناءً على ما ذكر آنفاً.... من تقرير الأستخبارات الأيطالية / الجزء المتعلق بالشرق الأوسط  .... الى خيارات النخب العسكرية والأمنية والسياسية " الأسرائيلية " هل نحن أمام حرب جديدة بين حزب الله و " اسرائيل " قد تفضي الى حرب اقليمية مطروحة في استراتيجيات الأطراف الدولية والأقليمية كافة في المنطقة , ليصار الى نتائج سياسية بترتيب الأوضاع في المنطقة ؟! .
قادة حزب الله يؤكدون أنّهم لا يسعون من أجل الحرب , خاصةً مع وجود قوّات " اليونيفيل " الأممية على خط حدود التماس الأسرائيلية – اللبنانية يشكل في حد ذاته عائقاً أمام قيام عناصر حزب الله تنفيذ أي غارة ضد القوّات " الأسرائيلية" .... كما أنّ الحزب يعمل بذكاء عزّ نظيره من خلال الأستفادة من موقف الرأي العام الأممي والأقليمي / عربيّاً واسلاميّاً ...  المناهض " لأسرائيل " .... كل ذلك أجبر الحزب مكرهاً لعدم القيام بأي عمليات عسكرية عابرة للحدود والقارات ضد المصالح " الأسرائيلية " في العالم , وذلك لمنع " اسرائيل" من استخدام هذه العمليات المفترضة في بناء الحملات الأعلامية والنفسية وتأليب الرأي العام الأممي على حزب الله , حيث كل ذلك يتيح لها / اسرائيل , بناء المبررات والذرائع لشن الحرب على حزب الله وخلط الأوراق في المنطقة .
أمّا على الجانب الأسرائيلي / المشهد مختلف ... الخبراء العسكريون والأستراتيجيون منهمكون في كيفية اشعال جولة جديدة من الصراع العسكري ضد حزب الله , ويتحمس لهم كل من الثلاثي  : نتنياهو – ليبرمان – ايلي يشاي .... كون اشعال الحرب ضد حزب الله يحقق " لأسرائيل " لفت انتباه الأوساط الأممية نحو ملف حزب الله وعلاقاته الخارجية , وحول الخطر الأيراني , بدلاً من ملف المفاوضات مع الفلسطينيين وما تسمّى بعملية السلام في الشرق الأوسط .... كذلك نشوب الحرب يضعف خصوم الليكود على الساحة السياسية " الأسرائيلية " وخاصةً حزب كاديما وزعيمته " تسيبي ليفني " , كما تتيح الحرب في استعادة  ما تسمى اسرائيلياً قوّة الردع العسكري " الأسرائيلي " , بما يعيد لأسرائيل مكانتها , ويوفر لنتنياهو شعبية كبيرة وكاسحة قد تبقيه رئيساً للوزراء الى فترة تطول أو تقصر , وأهم نقطة توفرها أي مواجهة مع حزب الله قادمة , هو تأمين ظهر " اسرائيل " في حال قيامها يتوجيه ضربة عسكرية ضد ايران في حال تغير المزاج الدولي من ايران نحو الأسوأ ... حيث كل المؤشرات الأممية الأستخبارية والسياسية تؤشّر على استرخاء في المشهد الدولي حتّى الآن  نحو ايران خاصةً بعد نجاحات الدبلوماسية الأيرانية في مفاوضات جنيف وفينّا مؤخراً , مع مجموعة 5 + 1 حول البرنامج النووي الأيراني / السلمي , حيث ضمنت ايران جعله في فينّا وليس في نيويورك بدعم روسي واضح مع رفض ايراني لأي دور أساسي لفرنسا في مسودة البرادعي الأخيرة .
خبراء السياسية والأمن والأستراتيجيات والمراقبين في شؤون الشرق الأوسط يؤكدون أنّ الطرف الذي سيبدأ الحرب هو : " اسرائيل " وليس حزب الله .... ومن أجل ذلك قد تقوم " اسرائيل " في تركيب وتلبيس الذرائع والمبررات , مثل اجراء التفجيرات أو القيام بالأغتيالات السياسية , أو حتّى استخدام أطراف خارجية وداخلية للقيام باطلاق الصواريخ من جنوب لبنان ضد " اسرائيل " فتظهر "اسرائيل " بدور الضحية وحزب الله بدور القاتل والجلاّد ... وليس امام " الضحية المسخ " " اسرائيل " سوى الرد العسكري الماحق دفاعاً عن نفسها الخبيثة .

*عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية *

mohd_ahamd2003@yahoo.com




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات