عندما يرتدي الاسلام ثوب السياسة


يساند الجيش الامريكي والجيوش الغربية المتحالفة معه حكومة كرزاي العلمانية في كابول بافغانستان في حربها ضد حركة طالبان السلفية, في الوقت نفسه يساند هذا الجيش وحلفاؤه الذين يحتلون العراق حكومة المالكي في بغداد التي تسيطر عليها احزاب دينية سنية وشيعية (حزب الدعوة والمجلس الاسلامي الاعلى والحزب الاسلامي). والدرس الاول المستخلص من الحالتين, العراقية والافغانية ان الاسلاموية عندما ترتدي ثوب السياسة تصبح »احزاباً دنيوية« لا فرق بينها وبين اية احزاب اخرى علمانية او ماركسية او قومية, ويصبح الفارق معدوماً بين كرزاي والمالكي.

هذا الاستنتاج يسقط تلك الهالة التي تسعى الاحزاب الاسلامية لاضفائها على نفسها في الشارعين العربي والاسلامي, وهو ما يقودنا الى اعادة انتاج سؤال قديم جديد حول فصل الدين عن السياسة, وهو السؤال الذي اشغل حركة القومية العربية في بدايات ومنتصف القرن الماضي, ولا يزال يشغل الحكومات والانظمة التي تواجه ما يسمى بالمد الاسلامي السياسي في الشارع العربي.

واذا ما اخذنا كعرب, التجربة العراقية نقطة بحث في موضوع الدين والسياسة, نجد انفسنا امام نموذجين من الاسلام:

الاول: نموذج الاحزاب السياسية التي استثمرت الطائفية للتفرقة بين ابناء المجتمع الواحد من اجل خدمة مصالحها في الوصول والثبات على مقاعد السلطة, مثل الاحزاب المشاركة في الائتلاف الحاكم مضافاً اليها الحزب الاسلامي.

هذا النموذج, استغل الدين والتعددية المذهبية من اجل تحقيق اغراضه السياسية, وذهب الى ابعد من ذلك في التحالف والتكيف مع قوة الاحتلال الامريكية, وهو ما لا يحدث اي فرق بين الاحزاب الاسلاموية الحاكمة في العراق وبين الاحزاب العلمانية التي تعايشت مع الاستعمارين البريطاني والانجليزي.

النموذج الاخر: هو الهيئات والشخصيات والمرجعيات الدينية التي استثمرت العامل الديني عند الشعب العراقي من اجل مقاومة الاحتلال واحباط مخططاته ومواجهة اعتداءاته, ومع ان هذه الهيئات والمرجعيات اتخذت هوية سنية او شيعية, الا انها تمثل النموذج الصحيح في مسألة العلاقة بين الدين والسياسة, فمقاومة الاحتلال والتصدي له قضية سياسية ودخول العامل الديني في الصراع مثال على التأثير الكبير للدين في خدمة القضايا الوطنية ومقاومة الاحتلال كما كان عليه دور الازهر ضد حملة نابليون على مصر.

من هيئة علماء المسلمين التي يرأسها الشيخ حارث الضاري الى التيار الوطني الذي يرأسه المرجع الديني آية الله حسين المؤيد, الى آية الله كاظم الحائري, تتقدم الامثولة الدينية في استثمار العقيدة من اجل الدفاع عن مصالح الامة والوطن, وهي امثولة لما يجب ان تكون عليه علاقة الدين بالسياسة, المنزهة عن شهوات السلطة والصراع عليها.

هنا تكون التعددية المذهبية في اطار الاسلام عامل توحيد للشعب دفاعا عن كرامة الدين قبل كرامة الانسان كمواطن, اما التعددية التي يكرسها النموذج الاول في العراق (تعددية الاحزاب الدينية) فهي صيغة يتعدى وصفها نعوت الفشل او الانحراف عن العقيدة الدينية, ويتجاوزها الى الاقرار بالسقوط السياسي والاخلاقي والعقيدي لاحزاب تستثمر المشاعر الدينية للحفاظ على مصالحها الحزبية وخدمة قوة الاحتلال.

وعند دراسة مواقف النموذجين من الاتفاقية المذلة التي يراد فرضها على العراق, لا بد وان ننحاز الى المرجعيات الدينية التي تواجه الاحتلال انطلاقاً من مبادىء دينية ووطنية وندين الاحزاب الاسلاموية المذهبية التي جاءت بالاحتلال وتعمل لتكريس وجوده عبر اتفاقية مذلّه.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات