الحرب على الإرهاب


كتب الدكتور طارق الحموري - يكاد القارىء لا يطالع صحيفة محلية أو عالمية اليوم، إلا و يجد فيها خبراً أو مقالاً أو تحليلا من نوع أو آخر، عن التطرف الديني أو المذهبي أو محاربته. و بصرف النظر عن النجاحات و الإخفاقات قصيرة المدى في الحرب العسكرية على الإرهاب القائم على أساس ديني أو مذهبي، مع كثرة تفاصيلها، إلا أن نجاعتها في المدى المتوسط و الطويل تبقى موضوعاً هاما لا يمكن تجاوزه.

إن التطرف الديني و المذهبي في أساسه فكرة و رأي، ينطلقان من معتقد و إيمان بمعتقد و ما يحمله من مبادىء و توجهات. و يتمثل هذا المعتقد في نتيجته المتصلة بالإرهاب، بعدم قبول صاحب المعتقد الديني أو المذهبي للآخر. و يستتبع هذه النتيجة نتائج تفصيلية متفاوتة في تطرفها من ضرورة قتل الآخر أو محاربته أو كراهيته أو غيرها من الدرجات. و يقوم أصحاب فكر التطرف، بالعمل على نشرها و ترويجها، ليزداد أتباعها و ينتشروا. و يساعد في نشر هذه الأفكار، الوسائل التكنولوجية الحديثة، بما فيها شبكات التواصل الإجتماعي بمختلف أنواعها و غيرها من المنابر الداعية إلى كراهية الآخر، من طوائف و معتقدات دينية مختلفة. إلا أن القاسم المشترك بين الكثير ممن يستمعون لأفكار التطرف و يصبحون من المؤمنين بها، و المنظرين لها في بعض الأحيان، هو ضحالة المخزون المعرفي عندهم و عدم إلمامهم بضعف أو إنعدام الأساس الفقهي لتطرف هذا الفكر أو جهلهم بعدم دقة عمومية النقد الموجه للمذاهب أو الأديان المدعو لمقاتلتها، أو حتى عدم إمتلاك متلقي الخطاب المتطرف للقدرة على تحليل ما يلقى عليه و استنتاج مدى منطقيته أو إنسجامه مع القواعد الأساسية الثابته في الشرع. وهذه العوامل تؤدي بالنتيجة إلى ضعف أو إنعدام قدرة المتلقي للخطاب الديني أو المذهبي المتطرف على مقاومة ما يطرح عليه من أفكار، ليصبح مع كثرة تكرارها من المؤمنين بها أو حتى الداعين لها. و نتيجة لهذا كله، نجد هذا المتلقي حاملا لبندقيته، داعياً لقتل أتباع هذا الدين أو ذلك المذهب. إذاً، فالتطرف الديني و المذهبي هو فكرة، أما الإرهاب الديني أو المذهبي فهو نتيجة لهذه الفكرة.

و هذا يقودنا للتساؤل، هل الرصاصة و البندقية و مظاهر الحرب المسلحة على التطرف و الإرهاب الديني أو المذهبي، مع عدم إنكار ضرورته في بعض الأحيان، كفيلة بالقضاء على التطرف أو إنتشاره؟ وما مدى نجاعة مقاتلة فكرة التطرف بالرصاصة؟ إن الحرب المسلحة قد تحد من القدرة العسكرية للمتطرفين دينياً و مذهبيا و لكنها لن توقف إنتشار أفكار التطرف.

إن الحرب على التطرف و الإرهاب الديني و المذهبي في المدى المتوسط و البعيد، يجب أن تقوم على أساس محاربة فكر التطرف بفكر منفتح، و تعزيز قدرة المتلقين لأفكار التطرف على إمتلاك الحد الأدنى من المعرفة بالقواعد الأساسية الثابته في الشرع، و حتى أساسيات الأديان و المذاهب الأخرى، و تمكينهم من إستخدامها لتقييم ما يطرح عليهم. فمن الواجب علينا تحصين أبنائنا ثقافياً، بإكسابهم الحد الأدنى من المعلومة، و القدرة على التساؤل العقلي حول المطروح عليهم و تدريسهم أساسيات الشرع الثابتة الداعية إلى إستخدام الحكمة و الموعظة الحسنة، لا بحفظ هذه الإساسيات، بل بفهمها وبإكسابهم القدرة على تحليلها و استخدامها كأسس لتقييم ما يعرض عليهم من أفكار، ثم تمكينهم من أدوات البحث و أساسياته، حتى تكون الغلبة لميزان العقل المستند إلى المعلومة، و لو بحدها الأدنى، للحد من إنتشار التطرف، و خلق جيل محصن ضد التطرف و الإرهاب الديني و المذهبي، قادر على إفراز مقاومين و محاربين له فكرياً.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات