يا مَرهْ


في صغرنا عندما كانت تخرج من فمنا كلمات نابية جاءت معنا بعد لعب ساعات في الشارع ؛ كانت تقف هذه الكلمات في حلوقنا ولاتخرج في اروقة المنزل لأن عاقبة اعادة ذكرها تنتهي بحفلة ضرب قاسية من كايش الجيش الذي يتركه والدي في المنزل طوال ايام الاسبوع معلقا على باب الخشب المؤدي للحوش ، وهو يكون في لحظات غيابه ملكا لأمي ولها حق التصرف به كيفما شأت وعلى جسد من تشاء منا .

وكانت النتيجة أن اجبرنا الضرب على مسح هذه الكلمات من قاموسنا سواء في الشارع أو المنزل ، وهذه الطريقة كانت تطبق على كل ما يصدر من قبلنا من كلمات يجد فيها أبي عدم الاحترام أو التقدير لمن يقف أمامك سواء من أهل البيت أو من خارجه ، والذي جعلني أتذكر تلك المواقف ؛ رجل وقف أمامي وفي مكتبي وكان يتحدث عبر الهاتف مع " الصبي " في محله ، وهو يتنطح بلغة لم تخلو اية مفردة منها من كلمة نابية ومسيئة بحق هذا الصبي واهله وخصوصا من الاناث ، وكان يصرخ بكل قوة عن ذكر جملة معينة " قذرة " .

وعند انتهاءه من المكالمة وجهت له سؤال بسيط ؛ هل تتحدث مع أهل بيتك بهذه اللغة وبتلك الطريقة ؟ ، اجاب لا طبعا ، ولماذ تسأل ؟ قلت له لأنك ومن خلال مكالمتك هذه قمت بقذف عشرات المحصنان ، وتعديت على شرف العشرات منهن وانك لم تترك لي مجال لتكوين أية صور ايجابية عنك ، ولدرجة أنني فكرت جديا بعدم اكمال عملي معك ، وبكل رعونة قال في غيرك كثير وغادر المكتب .
وهنا نعيد ما يقال من موروث شعبي له دوره في التربية وسلوك الأفراد في المجتمع ويقول هذا الموروث " جوزك زي ما عودتيه وابنك زي ما ربيتيه " ، وان الطفل عندما يبدأ بالحديث يتغنى الأهل بكلامه وخصوصا عندما يبدأ بشتم الأب والأم ولايتم قمعه لغويا ، وعندما يكبر نجد أن هذه الشتائم والكثير من الكلمات النابية أصبحت جزاء مكونا ورئيس من شخصيته ، وابرز هذه المفردات عندما لا يسمع الشخص في بيته سوى كلمة " يامره " عندما ينادى على أمه أو أخته أو احدى قريباته ، فتجده يتزوج وينادي على زوجته تلقائيا : يامَرهْ ؟ .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات