قُبل في جهنم !


خاص - كتب أدهم غرايبة - كل الجدل السياسي القائم في الاردن , على المستويين الشعبي و " النخب " , يشير بوضوح الى أزمة حقيقة و إنتكاسة في القدرة على التحليل , و الأهم أنه يظهر بوضوح أن التعاطي مع السياسة قائم على " الغرائز " و الإكتفاء بالمتوارث من البديهيات المغلوطة و المعلومات العامة المشوهة غالبا و التي لا تخضع لا للشك و لا للمراجعة و لا التمحيص . حتى اولئك الذين يلجأون للتنور من أشخاص عارفين و طليعيين فأنهم سرعان ما يعودون الى " غرائزهم " السياسية التي كانوا عليها و كأنهم لم يغيروا زاوية نظرهم للأمور و لم يحظوا بمشاهدو أوضح !

أمام أعيننا تُفتت الدول العربية و يتم تكسير رُكبها بفعل التجاذب الطائفي المفتعل تارة و بفعل عدم الإحتكام لقاعدة الحكم الذهبية التي تقول " العدل اساس الملك " تارة اخرى , و بفعل التوارث السياسي و النهب المنظم تارة ثالثة , فنقرر نحن في الأردن توا أن ننخرط في هذا التجاذب مع أننا كلنا من ذات الطائفة السنية أصلا !

حتى المسيحي الاردني يعد نفسه دينا " مختلفا " لكنه ليس " خلافيا " في النموذج الاردني تحديدا . دينه مسيحي لكن " ثقافته " و حياته الاجتماعية تكاد تكون إسلامية . في الحقيقة هي ثقافة مجتمعنا الاردني الرافض تاريخيا للتعصب الديني و الطائفي الذي عبر عن نفسه مرات عدة مطلع القرن الماضي حينما دفع ضريبة إعتداله بالدم من أبناء العشائر الاردنية في مواجهة الهجمات الوهابية المسلحة انذاك, لكنه اليوم , يا للأسى , لا يبدي ذات الحماس في رفض التطرف و لا يواجه بذات الحماس الهجمات الوهابية الاعلامية اليوم !

أزعم ان الإعتدال الديني في المجتمع الأردني تركيب جيني غير قابل للتلاعب به , و لذا فإن بوادرالتجاذب الطائفي الحالي امر مفتعل و ليس حالة جذرية و مرده لأسباب متنوعة, بعضها إقتصادي أساسه الحالة المعيشية التي تتردى يوميا بفعل جهد خلايا الفساد الدائم السهر - والذي من الأجدى للأردنيين مواجهته اليوم بدلا من إنشغالهم بتلويث أنفسهم طائفيا - فالحالة المعيشية تؤثر في نفسيات الناس و تسحبهم نحو هاوية التعصب و الانغلاق و النزق . أما الأسباب الأخرى فتتعلق بتوارث المعلومات المغلوطة و عدم بذل أدنى جهد في الإطلاع و توسيع المدارك و القبول بفكرة التنوع و حق الاخرين في معتقداتهم الدينية و الفكرية و ترك عاقبة معتقداتهم للخالق لا للمخلوق .

من الغريب حقا أننا في عالم زاخر بالتقدم التكنولوجي في قطاعات الاتصالات و الطب و النقل و الطاقة و المشاركة في الحكم و محاسبة وزير " كافر " تجرأ , مرغما , على ملئ خزان سيارته ببنزين على حساب المال العام لمرة واحدة فقط , فيما لا يزال العربي يتغنى بالسواك و ينفعل كثيرا على مخرجات صراع على الحكم حدث قبل نحو 1400 سنه ! و لا يثير شرارة غضبة غياب الخدمات العامة و الغلاء غير المبرر و تراجع الصحة و التعليم و ارتفاع البطالة و غياب التأمينات الاجتماعية !

و انت تقرأ هذا المقال انظر حولك في المكان الذي أنت فيه و حاول أن تجد شيئا واحدا فقط من صنع العرب . اتحداك ان يكون فنجان قهوتك العربية عربي الصنع و ان تكون سجادة صلاتك من صنع دولة اسلامية , أنسى امر جهاز الكومبيوتر او الموبايل الذي تقرأ منه !

أمام أعيننا نحن العرب عموما يشرح أعداء الامة العربية دروس حقدهم , فيحولون اهتماماتنا و اولياتنا و يستغلون عقلية داحس و الغبراء فينا فلا نستوعب شيئا و لا نستخلص العبر و نقرر ان نتأهب لمواجهة الحريق ببرميل كاز بدلا من برميل ماء !

بات اليوم حالنا في الوطن العربي يشبه المثل القائل " بجهنم و بتباوسوا " ... مشوها على " بتباوسوا " هذه المره.



تعليقات القراء

فلاح الخلايلة بني حسن
واقع مرير تسلم ابو الغرايبه
20-04-2015 11:51 AM
دكتور
يالغباء القوميين العرب ما زال يدافع عن بشار وعن الحوثي ويردد كالببغاء ما يبثه الاعلام الشيعي الكذاب ما يسمى الهجمات الوهابية الاعلامية . يا شيخ انت مغيب عن الواقع
رد بواسطة مثال حي
سبحان الله. المقال بحكي عنك تماما !
20-04-2015 01:08 PM
د. خالد المعايطه
اخي العزيز أدهم ؛ هذا هو التشخيص الحقيقي والواقعي للتردي الذي نعيشه الان ،، أتمنى عليك من الجميع قراءة المقال لما فيه من عصف ذهني
20-04-2015 09:56 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات