تركيا وتصفير خلافاتها الأقليمية !


حراك سياسي ودبلوماسي تركي نشط - وبالخلفية مساند عسكري استخباري و أمني من مؤسسة الجيش داعم -  على مستوى تقاطعات السياسة الخارجية التركية وتغيرات جذرية وذات آفاق ومآلات سياسية وأمنية واقتصادية استراتيجية... تقارب تركي – ايراني واضح , فبقدر حاجة تركيا لأيران فانّ الأخيرة بحاجة الى مثل هذا التقارب من أجل فك العزلة الدولية المضروبة عليها ومن أجل تعزيز موقعها وموقفها الأستراتيجي في المنطقة .

 حيث تسعى أنقرة لتحقيق مصالحها وبعيداً عن الآخرين في المنطقة والعالم .... وحيث كان للرفض الأوروبي لعضوية تركيا في الأتحاد , عامل اقناع لأنقرة بأنّ التوجه نحو الشرق العربي  والأسلامي لم يعد خياراً , بقدر ما صار ضرورة ورؤية استراتيجية لها خلفيتها التاريخية ....استطاعت أنقرة بقيادة حزب العدالة والتنمية بالأقدام على تغيرات ايجابية وسوّقت ذلك لدى الرأي العام التركي , فمن الأعتراف بالحقوق الثقافية للأقلية الكردية وتطبيع العلاقات مع أرمينيا عبر وساطة سويسرية بخلفية روسية من خلال اتفاق مصالحة أجمع الجميع على انّه صعب للغاية ...  فتركيا تجهد على تعديل جوهري في المشهد العربي والأقليمي والدولي , و في تصفير خلافاتها مع دول جوارها الأقليمي مع تنمية علاقاتها الأقتصادية والتجارية والبينيّة بشكل شمولي واستراتيجي .

 ... وهذه التغيرات في السياسة الخارجية التركية تنبع من رؤية استراتيجية شاملة تسعى الى تثبيت أنقرة كقوّة مركزية لدولة اقليمية مؤثرة في آسيا الوسطى والشرق الأوسط, وبالتالي قد يحسّن ذلك من مفاوضاتها مع الأتحاد الأوروبي , بالمقابل أنقرة تبتعد عن اسرائيل , عبر سياسة فك ارتباط مقصودة , وليس كما تروّج وسائل ميديا اسرائيلية محلية قريبة من مجمّع المخابرات العبرية , أنّ طيب رجب أردوغان يسعى الى استغلال موجة كراهية اسرائيل من قبل مفاصل هامة في المجتمع التركي من أجل تثبيت حكمه ومكانته في الداخل , وينتقل بتركيا من موقع الحليف الأستراتيجي لأسرائيل الى موقع محور الشر , اشارةً الى ايران – سوريا – حزب الله – حماس .. بعبارة أخرى من مربع التحالف الأستراتيجي مع الدولة العبرية الى مربع محور الشر هكذا يروّج اسرائيلياً وفي وسائل الميديا العالمية والمقرّبة من مجتمع مخابرت دولية تتقاطع مصالحها مع الكيان العبري الطارىء على الجغرافيا والتاريخ في المنطقة .

وتأسيساً على ما ذكر آنفاً فانّ المشهد في الشرق المتوسطي من زاوية السياسة التركية  تبدو صورته واضحة من خلال تطورات دراماتيكية دبلوماسية على خط سوريا – تركيا تشي بآفاق استراتيجية قادمة في المنطقة تمهد لأعادة دمج وادماج أنقرة ضمن بيئتها الشرق أوسطية , خاصةً مع تطورات دراماتيكية بآفاق استراتيجية في آسيا الوسطى على خط أذربيجان – أنقرة – أرمينيا أيضاً ومتزامن مع ديناميات مراجعة تركية ذاتية لمسألة وخط أنقرة – تل أبيب – واشنطن .... يقابل كل ذلك تطورات اقليمية تجري على قدم وساق في القوقاز وشرق المتوسط بفعل مؤثر من عامل التعاون الأستراتيجي التركي – السوري من جهة , والتعاون الأستراتيجي الأرمني – التركي من جهة أخرى مما سيؤدي الى فشل أية حسابات استراتيجية أمريكية – اسرائيلية , وعلى واشنطن أن تعيد حساباتها بما يتفق وواقع التحولات والحراك السوري – التركي من ناحية , والتركي – الأرمني من ناحية أخرى وهذا يؤشّر الى امكانية تشكيل منظومة اقليمية من دول القوقاز  و تركيا , سوريا , ايران , العراق مع تراجعات للنفوذ الأمريكي في الشرق الأدنى .

ولهذا المشهد في آسيا الوسطى وفي الشرق متوسطي خلفيات سياسية وأمنية استخبارية استراتيجية , فمن لقاء وزير الخارجية الأرمني ادوارد نعلبنديان , مع نظيره التركي الدكتور أحمد دافو توغلو في 10 102009 م في زيورخ في سويسرا حيث وقع فيه الطرفان بروتوكول تطبيع علاقاتهما وبروتوكول فتح الحدود التركية – الأرمنية , وتشي المعلومات الدبلوماسية الأستخبارية أنّ كلا البروتوكولين في طريقهما الى البرلمانين التركي والأرمني من اجل اضفاء شرعية رسمية وشعبويّة عليهما ليصار الى وضع أليات التنفيذ على أرض الواقع .... تبع ذلك لقاء الرئيس الروسي ميدفيدف – مع الرئيس الأرمني سركسيان في 13 10 2009 م في موسكو و حيث أعلن الرئيس الأرمني عقب اللقاء , تقديره لجهود موسكو في دعم دبلوماسية أرمينيا في منطقة القوقاز .

مقابل هذين المشهدين حدثت تطورات أخرى ذات صلة بما جرى , تم تشكيل لجنة سورية – تركية عليا تؤشر الى أنّ العلاقات بين دمشق – أنقرة تعدّت مرحلة الترتيبات الى مرحلة التنفيذ , وهذا يؤشّر الى عدم التزام تركي بالتوجهات الأمريكية – الأسرائيلية نحو سوريا , حيث تعتبر أنقرة أنّ لسوريا مزايا يمكن لتركيا أن تستفيد منها لتعزيز قدراتها الأستراتيجية كون دمشق هي بوّابة العالم العربي الشرق أوسطي .... كذلك تم تشكيل لجنة عليا عراقية – تركية , كان للخلافات العراقية – العراقية وللعامل الأمريكي أكبر الأثر لعدم ولوج مرحلة التنفيذ في علاقات التعاون العراقية – التركية وبقيت المسألة كلّها في مربع الترتيبات فقط رغم الزيارة الأخيرة لأردوغان الى بغداد ولقائه المالكي .

بالمقابل تدفع تركيا بمجرى علاقاتها مع ايران الى الأمام من خلال تعزيز الروابط ضاربةً بعرض الحائط وعبر استدارات استراتيجية العقبات والعوائق الدولية , فمن زاوية أنّ واشنطن تستهدف ايران عبر عقوبات دولية , نجد تركيا ترفع معدلات التبادل التجاري مع ايران من 6 مليار $ الى 20 مليار $ .... استخبارياً يشي ذلك الى أنّ أنقرة تستبق أي تطورات في فرض عقوبات على ايران من خلال توسيع الغطاء القانوني التركي بحيث يسمح ذلك لأنقرة وبطريقة مشروعة الى سد حاجات جارتها ايران , وفي نفس الوقت عدم المشاركة التركية أصلاً في فرض العقوبات الأمريكية على ايران.  

التطورات في المشهد القوقازي !

بعد الصعود الديمقراطي الى السلطة لحزب العدالة والتنمية الأسلامي لجأت كل من الولايات المتحدة و"اسرائيل "الى دعم الموقف الأرميني الخاص بالمذبحة الأرمينية , حيث حصلت أرمينيا على الدعم والمساندة الروسية وكذلك الأمريكية .... وهنا بادرت و تدخلت تركيا وصفّرت خلافاتها مع أرمينيا عبر وساطة سويسرية ... دون أن يشكل ذلك أي استياء أذري , بسبب نجاح أنقرة في تضمين شرط انسحاب القوات الأرمنية من الآراضي الأذربيجانية ... فاتجهت باكو نحو تعزيز علاقاتها مع تركيا مع ضمان باكو لتدفقات نفط وغاز بحر قزوين الى أنقرة .... بعبارة أخرى انّ وقوف باكو الى جانب التعاون الأستراتيجي التركي – الأرمني قد يؤدي الى تقارب أذربيجاني مع دول الشرق الأوسط وخاصةً مع سوريا والعراق وايران مع ابتعاد باكو عن القيام بأي دور في مخطط الأستهداف الأمريكي – الأسرائيلي لأيران , ومع ابتعاد أذري عن اسرائيل لعدم تطابق موقف الأولى مع الثانية , حيث كان خط واشنطن – اسرائيل يستخدم باكو كوسيلة ضغط على تركيا .... وكل التقديرات السياسية والأمنية تشير الى أنّ هوامش التكتيكات والمناورات الدبلوماسية الأمريكية – الأسرائيلية في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى بدأت تخبو شيئاً فشيئا,ً وهذا سوف يدفع الولايات المتحدة الأمريكية الى وضع العصي في دواليب السلطتين التشريعيتين التركية والأرمنية  في رفض أو تأجيل البرتوكول التركي – الأرمني  أو تأجيله لحين خلق ظروف سياسية جديدة بفعل أمريكي – اسرائيلي , كفيلة بقلب الطاولة رأساً على عقب في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى عبر فوضى خلاّقة من الزاوية الأمريكية - العبريّة .

* عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية *

mohd_ahamd2003@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات