طاقة التفاؤل وسرّ الرّزق


لاشكّ أنّ هناك أحداً ما فَقَدَ روحَ التّفاؤل واسْتسلَمَ لمفهومِ الرّزق المتداول فَتَاهَ بين غاية شابهها القلق والتّردد والطموحٍ قُيّدَ بالجَهْل والأنانية...

في حوارٍ ذاتيّ مُزْمِن وفي ظلِّ بيئة قاسية وأحوالٍ معقّدة لم يَكُن هُناك ما يجْذبني لِأنْ أقرأَ كُتيِّب عن معاني الأسماء أو قِصّة قصيرة انتشرت مؤخّراً لانّني كُنْت على يقين بأنّي لن أجد ما يُثري ثقافتي القديمة أو يَحِل عُقَدي الماديّة والاجتماعيّة , ولأنّ الوقت بَدأ يُداهِمُني مِنْذ سنين ويُلاحِقني شَبَحُ النّهاية في كُلّ لحظة أحاول الّلجوء فيها الى قريبٍ معنويّ يُصَحِّحٌني أو بعيدٍ ماديٍّ يُنقذني كُنْت قد لمحت طيفهُ ماراً من أمامي أو دعوةً صادِقة وأنا في طريقِ العوْدة...

بَدَأتُ مِنذُ فترة أُعيد تَرتيب كُلَّ اشيائي المُبَعْثرة في بُعْدٍ أخر جديد أطْلقت عليه البُعْدَ الكوني أهْمَلْتُ فيه مؤقتاً تاريخاً يَتَعَلّق بِشِعر المُعَلَّقات والثّورة الفرنسيّة وقصصٍ عن الحريّة حفظتها يوماً في صفٍ مدرسيّ ,وشَرَعْتُ بِقراءاتٍ عميقة عشوائيّة المراجع عِنْوانها كيف الطّريق الى ذاتي. ولأنّ صراعي أستفحل داخلياً قررتُ من جانب الاولويّة وفي محاولاتٍ جادّة ايجادَ علاجٍ لعادةِ التَشاؤم التي كانت تُرافقني أيْنما حطيتُ رحالي لكي أستطيعَ بَعْدها أنْ أنْطَلِقَ الى تجميع أركانيَّ الأُخرى.

وقد أدْهَشَني ما وجدتُ عن التّفاؤل وما كُتِبَ عنه , فاجئني كم كان قريب منّي ولم ألْحَظْهُ وأثارني كم كان بسيطاً ولم أفهمه, " ومن يتوكّل على الله فهو حسبه"," لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ",لا تحزن انّ الله معنا, تفاءلوا بالخير , ,عندما لا تتفائل يتسوّس الذكاء, أًعلّل النّفس بالآمال أرقبه... توجيهاتٌ ربانيّة وقصص نبويّة وعبارات الحكماء والفلاسفة نؤمن بها ونعتقد أننا نٌطبِّقها , نتباهى بمعرفتها ولا نعلم سرّها.

التّفاؤل بِمَفهومِه البسيط هو تَغْليبُ الخَيرِ على الشَّر, ونِسْبةُ التَّيمُّن بالخير هذهِ هي الفاصل المُهم في ايقاعِ النتيجة الايجابيَة والسرّ في الحصول على المبتغى سواءاً كان الهدف كَسْبٌ كُلّي او ابْعادٌ للجانب السّلبي او حتّى رِبْحٌ لعامل الوقت.

وهنا قد يهملُ الكثيرون بِمدى اهمية تأْثيرِ النِّسْبة التي ينظرون اليها الى الغاية والتي تلعب دورراً حاسماً في ضَمَانِ الحُصولِ على الثّمرة المتَوخّاة والتي قد تَقْلِبُ موازين المعلومة الرّاسخة والمعرفة التقليدية المُسْبَقة, بمعنى كم تكون نسبة التفاؤل التي تؤمن بها لتحقيق الهدف, وليتسنّى فَهْمُ ذلك نأخذُ مثالاً بسيطاً فنقول , لو أنّ أحداً أراد التّقدم لوظيفة ما من خلال اعلانٍ نُشِرَ في الصّحف وكان عددُ المتنافسين يزيدُ عن المئتا شخص وذهب الى المُقابلة وهو يعتقدُ بأنّه لن يحصل عليها بِسَببِ العددِ الكبيرِ للمتنافسين على ذات الشّاغر أو اقتناعهِ بأنّ هذا الاعلان شكليّ وأنّ الوظيفة قد حُسِمَت مُسْبقاً لصالح شخصٍ ما , ولكنّه أبْقى نسبة ضئيلة لنفسه في الحصولِ على الوظيفة , ووفقاً لقاعدةِ التّفاؤل فأنّ هذا الشّخص لن يَحصل على الوظيفة مهما تميّزت مؤهلاتهِ عن غيره أو نَجَحَت مقابلته بنسبة عالية ,و العكس يحدث حتّى وانْ فَاقَ عددٌ المُتنافسينَ أضعافَ العددِ الاوّل , و كان الاعلانُ شكليّ فحالما ترتفع نسبة تفاؤله لتقترب من المائة بالمائة ,لا بدّ أنْ يُحْرِز نتيجة ايجابيّة سواءاً بالحصول عليها او طريقاً أخَرَ يكون مِفتاحاً لجانبِ ايجابي جديد يَخْدِم هدفه.....قَطَعَ أحدهم في وقتٍ مُتَأخِّرٍ من الليل مسافة بعيدة الى مَتْجرٍ لشراء الخُبز , وقد عُرِفَ مُسبقاً بأنّ هذا المَتْجر الوحيد يُغْلِقُ مُبَكِّراً والخبز ليسَ من ضِمْن موادِ بيعه ولكنّ تفاؤله القوي دَفَعَهُ الى السَّيرِ كل تلك المسافة واثقاً بأنّه سَيَجِدُ ما ذهب من أجْله ,ولقد تزامن في تلك الليلة بانّ صاحب المتجر كان يقوم بأعمال تصميم جديد لتوسعة متجره ما أبقاه لساعةٍ مُتأخّرةٍ في الوقت الذي أضاف مادة الخبز لكثرة مُطالبات زبائنه و لعدمِ تَوَفّر مخبزٍ قريبٍ في الجوار, قد يَظنّه البعض ضرباً من الحظّ أو الخيال ولكنّه في حقيقته تفاعلٌ كونيٌّ نقي , وتوكّلٌ الهيَ خالص قاداه الى تلك النتيجة الايجابيّة...مثالٌ قابلُ للقياس على كافة نواحي الحياة ومسائلها...

"الشُّكرُ ليسَ عادةً لِجَلب الثّروة أو النّجاح أو الشّهرة" بل هو جوابٌ انسانيّ للنِّعم الالهية التي مَنَّها الله علينا وحالة اخلاقيّة مُثلى نرد فيها على ما تَفَضَّل به الله على البشر, يُقابله زيادةً وفضلا وارتفاعاً في الشّأن, "لقد قامَ العلماء بتجاربَ وأبحاثٍ كثيرة لدراسة تأثير الشّكر على الدّماغ ونظام المَناعة والعمليّات الدقيقة في العَقل الباطن، ووجدوا أن للشّكر تأثيراً مُحفزاً لطاقة الدماغ الإيجابيّة، مما يُساعد الإنسانَ على مزيدٍ من الإبداعِ وإنجازِ الأعمال الجديدة. كما تؤكِّد بعضً الدّراسات أن الامتنان للآخرين وممارسة الشّكر والإحساس الدائم بفضل الله تعالى يزيدُ من قدرة النظام المناعي للجسم" .وبالاضافة الى الجوانب النفسيّة والعاطفيّة كالسّعادة والطمأنينة التي يجلبها الشّكر فهو مفتاح لبابِ الرزق في الحياة في معادلة اثبتها العُلماء حديثا وقديما على مرِّ العُصُور كان قد بيَّنها الله تعالى في قاعدة عامة" ولئن شَكَرتُم لازيدَنَّكُم" الشّكر يكون بالقول والفعل وبآلية متواصلة تبدأُ من شُكْرِ الاخرين الى انْ تنتهي الى الله عزَّ وجلّ, وكما يقول الباحثون فانّ الشّكر ينْفضُ الغُبار عن الطاقة السلبيّة في الدّماغ ويولّد احساساً ايجابياً بأنّ ما هو قادمٌ من أحداث يجلب خيراً أو يَمْنع شر, في كلّ صباح نتفوه بالشكر سيزيد الرزق الطيّب وفي كل ممارسة نشكر سيزداد رصيدنا من الرّزق في مفهومٍ يناقض المفهوم التقليدي لثبات الرزق , الشّكر ليس كما يظنه البعض حالة ضعف بل هو حالةٌ ايجابيّة ونقطة قوّة لصاحبها, للشّكر مجال ايجابي شبيه بالمجال المغناطيسي يظَهرُ بعد فترةٍ من ممارسته، "فالمُبْدعون كانوا أكثر النّاس شكراً وامتناناً وقد عَلِموا مُبَكِّراً فوائدَه وبالتالي أكثروا منه واستثمروه وحَصَدوا نتائجه. في فلم وثائقي أنتج حديثاً بعنوان (السر) خلص العلماء بأنّ الشّكر هو سرُّ النّجاح والابْداع وتحقيقِ الطّموح في الحياة.

الحالة التي تمنعنا عن ممارسة الشّكر أو مواصلته هي نفس الحالة التي منعت أبا لهب من أنْ ينطق بالشهادتين ويدخل الجنّة ويناقض آية كريمة تحدّته انْ يَنطقها...



تعليقات القراء

ام طاقة - الرزق يشمل مليارات الاشياء التي نعرفها والتي لانعرفها بداخل او خارج جسم الانسان او بالحياة
احسنت على هذا وجزاك الله خير - حتى مفهوم الرزق فهمه كثيرين جدا بشكل خاطيء واختصروه بالمال مع انه يشمل المال والهواء والاكل والشرب وحتى الكلمة الطيبة رزق والرزق يشمل ملايين الأشياء
08-04-2015 07:38 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات