فنجان قهوة و سيناريو و خواطر عن قنبلة .. (الجزء الثالث و الأخير)


حي فقير في عشوائية من عشوائيات القاهرة (ربما مثل مانشية ناصر أو مثيلاتها) – بعد ثلاثة أيام من المشهد السالف، في هذا المشهد يسير حسن البنا في الحي القديم و الفقير في شارع من شوارعه الشعبية المليئة بالمارة بخوف كبير متجهاً الى غرفة متواضعة استأجرها ليتوارى عن الأنظار، تارة يلتفت الى اليمين و تارة الى اليسار و تارة الى الخلف حتى تحسباً لشخص قد يكون في أَثَرِهِ ليقوم بأذيته أو قتله، و فجأة بعد دقيقة من الزمن يقف و ينظر خلفه، فيتفاجئ بشخص يتوقف فجأة و يهرب الى ممر ضيق على مسافة منه، يضع يده في جيبه و يمسك بمطوى جيدا و يجري بسرعة صوب الممر الضيق، يشهر المطوى تحسبا لمواجهة هذا الشخص و لكن يجد أن الممر الضيق ينتهي بجدار من الطوب بعد مسافة قصيرة، و يكون على يمينه مدخل لبناية قديمة جدا، يدخل مدخل البناية و ينظر من حوله لبضعة دقائق ليجد الصمت سيد الموقف، يغادر و يعود بإتجاه الشارع،
************
خارجي :
بناية قديمة مترهلة في نفس الحي الذي جرى به المشهد السالف،

داخلي :
غرفة قديمة تحتوي على بعض الاثاث القديم، و في هذا المشهد نرى حسن يطلب رقم على هاتفه النقال ثم يقول،

حسن بتوتر و حزن :
فريال؟

فريال بغضب (على الهاتف) :
يا قليل النخوة يا قليل الشهامة! أين أنت! منذ ثلاثة ايام تركتني أمام المشفى بمفردي...

حسن :
فريال أسمعيني أرجوكِ! الذي أريد أن أقوله أنني تركتك بهذه الطريقة لظروف قهرية!

فريال :
ليس في الدنيا سبب مقنع و قهري يجعلك تترك أولادك و هم بالإنعاش و تذهب بعيدا عني،

تبكي فريال و هي تقول :

فريال :
حسبي الله و نعم الوكيل بك يا حسن!!! حسبي الله و نعم الوكيل في حظي!!!

حسن :
هنالك أمر كنت قد أخفيته عنكِ، فريال أنا متورط مع جماعة بشعة جدا و أريد أن اقول لكِ شيئا مهما،

فريال مجادلة و باكية :
لا افهم ماذا تريد أن تقول، اسمع يا حسن، أنا بمفردي هنا في المشفى و أولادك استيقظوا من العملية منذ يومين بعد أن كانوا على حافة الموت، أنا هنا أنام بغرفة بجانب غرفتهم و منهكة و لم أذهب الى منزل حتى لابدل ملابسي منذ الحادثة، تعال فالتعب قد أرهق جسدي...أقبل يديك أنا متعبة جدا،

حسن :
كيف حال الأولاد...

فريال مقاطعة :
الحمد الله أنك سألت عن أولادك، هم بتحسن مستمر، الغريب يأتي لزيارتهم و قد عطف عليهم و أنت بعيد عنهم، تعال يا حسن...

حسن :
أفهميني...لن أستطيع القدوم...

فريال مصدومة :
ماذا تقول! خاف الله يا حسن...أنا أحتاج اليك!

حسن :
فريال قد حكمت على نفسي بالإعدام، أنا بعداد المتوفيين،

فريال :
هل أنت سكران!

حسن بنفس نبرة التوتر و الحزن :
منذ سنتين تقريبا تعرفت على جماعة متدينة بالمسجد الذي أذهب اليه لاصلي، كانت هذه الجماعة توظف طاقات الشباب و الرجال لعمل الخير، فكانت كثيرة الخير و المال، كانت ايضا مؤمنة تصلي كل الفرائض بالجامع و تسير بحسب السنة النبوية و تصوم صيام رمضان المبارك و تسخي على اليتيم و الفقير و الأرامل بالمال و الطعام، فظننتهم من عبد الله الخيرين...

فريال :
يا حسن أنت تستفيض بسرد القصص لماذا؟

حسن :
يجب أن أكمل لكِ ما قد جرى، و فجأة في يوم من الايام طلبني أحدهم لمقابلة على انفراد، كنت أظن في بادئ الأمر أنه يريد مني أن اذهب لزيارة أحدهم لأعطيه بعض المال أو الطعام...و لكنه...و لكنه...

فريال :
الى ماذا تريد أن تصل من كلامك؟!

حسن :
عرض علي مبلغ كبير من المال، و قال لي أن من أيمان تنظيمهم محاربة فساد الدولة لأنها دولة غير اسلامية و تحث الناس على الفجور، خفت في بادئ الأمر ، فقلت له بأنه لا دخل لي بعملهم...و لكنه زاد قمية المبلغ بصورة صدمتني و عرض علي أن اساعدهم بتنفيذ خططهم...

تصرخ فريال :
هذا ما كان ينقصني! ارهابيين! يا مصيبة المصائب! ألا يكفيني هم أولادي يا حسن! خاف الله بأسرتك...

حسن :
اسمعيني يا فريال...قد لا أعيش الى الغد لأرى أولادي...

فريال :
ماذا فعلت معهم يا حسن!

حسن :
نفذوا وعدهم و أعطوني مبلغ كبير من المال مقابل أن أساعدهم بزرع قنابل بأماكن مختلفة من القاهرة! كان الشيطان شاطر فحينما رأيت الثلاثة ملايين جنيه أمامي في حقيبة المال التي أعطوني اياها شعرت أنني لو عملت طيلت حياتي لن استطيع جمع خُمْس هذا المال...شعرت أن هذا المال سيحل كل مشاكلنا يا فريال، فقمت حينها بالموافقة على زرع ثلاثة قنابل في أحياء مختلفة بالقاهرة...و اخرها كانت الإسكندرية...

فريال بنبرة هستريا :
اسكندرية يا حسن...الإسكندرية...يعني الإنفجار الذي دمر اسرتنا!!!

حسن :
أحلف بأولادنا الغاليين يا فريال لو علمت أنهم سيزورا بيت ابومحمود الموردي في ذلك اليوم...

فريال باكية من هول الموقف :
لعنك الله يا عدو الله!!! غمست لقمتنا بدماء الابرياء و دماء أولادنا يا عدو الله!!! يا كافر!!! لعنك الله!!! حسبي الله و نعم الوكيل بك يا حسن يا بنا!!!

حسن باكيا :
إن الله حق يا فريال، جعلني الله أدفع ثمن غلطتي، أنا أتلوى من القلق على أولادي و لكن إذا ذهبت الى المشفى سيقتلونني، قلت لهم أنني اريد الإنفصال عنهم لكنهم هددوني، كنت اعتقد أنها ستمضي علي خير و سآخذ المال و نمضي في سبيلنا لكن...

فريال صارخة :
ماذا فعلت بنا يا حسن!!! حسبي الله و نعم الوكيل!!! ضَحًيْت باللقمة الشريفة البسطية التي كنا نتناولها لأجل مال الشيطان يا أحمق، ما ألذ رغيف العيش و الزيتون و الزعتر و الفقر و قطعتين الاثاث التي نملكها مع المصاب الذي نعاني منه الآن، حرام عليك يا حسن!!! ضيعت سعادتنا بقرارك!!!

حسن :
هنالك من يطرق الباب،

فريال :
أين انت الآن؟

ينهض حسن و يسير صوب الباب و هن يقول :

حسن :
في غرفة في منطقة...

فريال مقاطعة :
اذهب الى الشرطة، قد يتشفع هذا لك عندهم أنك سلمت نفسك للعدال، أم هل ستعيش هارب من العدال الى الأبد، اذهب الى الشرطة و استغفر ربك و تُبْ الله ...

يفتح حسن الباب بحذر ليجد ملثمين اثنين على الباب، يحاول أغلاق الباب في وجههم و لكنهم يدفعوا الباب بقوة و يدخلوا على حسن، يبتعد عنهم و يسقط الهاتف النقال من بين يديه على الأرض، نسمع صوت فريال و هي تنادي

فريال :
حسن إذهب الى الشرطة!!! حسن!!! اين انت؟!

يبتعد عنهم بضعة خطوات الى الوراء و هو يصرخ بوجههم في حالة هستيرية من الصدمة و الخوف :
من أنتم! هل أرسلكم عبدالجبار!

يخرجوا ورقة و يقولوا له :

الرجل الأول :
هذه تفاصيل العملية القادمة،

حسن و هو يقراء الورقة :
جامعة الدول العربية؟! أنتم نهذون يا قوم!!! عيلها حرس يكفي لتحرير القدس بأكملها من اسرائيل! هل جُنً عبدالجابر؟! ثم انني قلت له بأنني لن أعمل معه بعد ما اصاب أولادي!

يخرج أحد الرجال مسدس و يطلق طلقة على حسن، فيسقط على الأرض على الفور،
***************
خارجي :
كُبْري من كباري المُطِلَةِ على النيل او شارع يطل على النيل، بعد المشهد السالف،

في هذا المشهد نرى فريال تنظر الى النيل أمامها و الدمع في عينيها، و تكون على الأرض بجانبها حقيبة سفر صغيرة، و نرى هنا مونولوغ لفريال حيث تقول :

فريال :
لماذا فعلت هذا يا حسن؟ لماذا؟ كنا نعيش بما قسم الله لنا من زاد و مال و نصيب في هذه الحياة، صحيح كنا فقراء نعاني الأَمًرَيْن لِنُؤَمِنْ لقمة العيش و لكن كنا نعيش بسلام و طمأنينة...عائلة كاملة مكملة لا تفرقنا الأحزان و الهموم و المشاكل...و لكن...ماذا سأقول للزمن...الحق عليكِ يا أمي، حينما تقدم لي حسن قلتِ لي أنه شاب وسيم و معه بكالوريوس تجارة و متعلم و ابن صديقتك و سيكون خير زوج لي، توسلتُ اليك حينها و قلت لكِ أنني اريد ابن عمي كمال و لكنك لم ترضي، و هذه هي النتيجة، تهورك يا حسن كلفني أنا و أولادك الكثير، كادوا أن يموتوا أولادك من تهورك و صنيع يديك...كلفني تهورك الكثير يا جسن، تركتني و أولادك صغار بعد...لا أعلم إن كنت سأصمد بمفردي في هذه الدوامة، و لكن الحق علي...أنا أتحمل جزءا من المسؤلية معك...كنت أقول كلام قاسي لك عندما كانت تقسو علي الظروف و أعجز عن شراء ثوب جديد كباقي صديقاتي أو حذاء جديد...أو أحس بالعجز و أولادك ينظرون برغبة الى الثياب الجديدة المعروضة بالمعارض و أنا عاجزة عن شراءها بسبب ثمنها...كنت أبكي بمرارة حينما كانت تتصل المدرسة لتطالبنا بالاقساط و نحن عاجزين عن الدفع...الحق علي فأنا وضعتهم بالخاصة رغم قدرتنا المادية المتواضعة...و لكن لا تلمني يا حسن، فكنت أريدهم أن يتخرجوا من تلك المدارس مثقفين يتكلمون اللغة الأجنبية لكي يكون نصيبهم المهني أحسن منا...فربما كان سيتخرج من الجامعة منهم الدكتور او المهندس، لم أكن أعلم أن غضبي بالمنزل على أحوالنا المادية و قراراتي كانت ستدفعك الى الجنون...أخ و لكن أنت أخطأت أيضا...فلم أطلب منك أن تنضم الى هذه الجماعة المؤذية لتحل مشكلتنا المادية...ما أقصى الزمن حينما يريد الرب أن يحاسب عبيده على افعالهم...انه سلاح ذو حدين...عقاب على المتمرد على نصيبه من هذه الدنيا و بلسم على الذي يشكر حامداً ربه...

تمسك حقيبة النقود و تفتحها و تقول :

فريال :
لعنة الله عليكم لأنكم أتيتم من دون عرق الجبين...نقود مغمسة بدماء أولادي و دماء المصريين...إن الله حق يا زمن، ساعيش بما يقسمه الرب لي...اذهبوا عني...

ترمي الحقيبة نحو النيل فتتطاير النقود منها في الهواء بإتجاه النيل...(النهاية)



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات