المشاجرات العشائرية .. قراءة ثانية


حلت المشاجرات العشائرية فرصة ثمينة للبعض من اجل قراءتها بطريقة غير صحيحة ، فمن القول انها تعبير عن العصبية البدائية ، مرورا بالقول انها تعبير عن غضب اجتماعي عارم ، وصولا الى اعتبارها تحديا للدولة ، تعددت الروايات ، ما بين من حسنت نيته او ساءت نيته.

مسؤول رفيع المستوى يقول ان هناك مائة وثلاثين مشاجرة عشائرية كبيرة ومتوسطة ، حدثت خلال الشهور التسعة الاولى من العام ، وان هذه المشاجرات تحدث طوال عمرها ، وليست جديدة ، وليس ادل على ذلك من المشاجرات التي تجري بعد الانتخابات النيابية والبلدية الاخيرة ، وفي كلام المسؤول صحة ، تنقصها حقائق اخرى.

لقد لعبت الانتخابات النيابية والبلدية دورا خطيرا في تحطيم الوحدة الاجتماعية البنيوية ، اذ ان الصراع على المواقع ادى الى ترك اثار حادة بين الناس ، خصوصا ، حين تفشل عشيرة كبيرة في ايصال ممثل الى مجلس النواب ، بسبب كثرة مرشحي العائلة ، وتنجح عشيرة قليلة العدد ، وعلينا ان نلاحظ ان النزعة للانفعال تضعافت بعد الانتخابات النيابية والبلدية الاخيرة ، لانها تركت اثارا حادة على علاقات ابناء العائلة الواحدة وانقسامهم حول عدد من المرشحين ، وتركت اثار اكثر سلبية جراء المكاسرات بين مرشحي العائلات على مواقع البرلمان والبلديات ، وهي اثار ما زالت تسري في الدم الدوطني حتى يومنا هذا.

احد ابرز الاسباب لمثل هذه المشاجرات هو اننا سمحنا بتكسير الرموز على مستويات مختلفة ، فلم تعد هناك اهمية ولا قيمة للشخصيات المحلية الضامنة للمجتمع والمؤثرة عليه ، ولا تجد اليوم شخصا يتم الاستماع له ، لا مختارا ولا شيخا ولا وجيها ولا نائبا ولا عينا ، ولا اي شخص بارز في المنطقة او العشيرة او المدينة ، اذ ان تكسير الرموز لاعتبارات مختلفة سياسيا واعلاميا واجتماعيا ، اثمر عن فراغ هائل ، في مجتمع طبيعته ما زالت ابوية ، بمعنى الحاجة الى الرمز الاجتماعي او السياسي او الاقتصادي ليؤثر على الناس ، ولو تأملنا عدد الاسماء التي تم حرقها خلال سنوات ، لوجدنا انه لم يتبق احد ، والكل محروق ومتهم ومطعون فيه لسبب او لاخر ، وهذا المشهد انتج عدم توازن ، وعدم ثقة ، وادى الى استخراج القوة الذاتية كوسيلة لحماية الشخص ونصرة ذاته ، ما دام الجميع يعرف ان القانون حباله طويلة ، وغير مضمون النتائج.

مع السببين البارزين السابقين يأتي الوضع الاقتصادي ، وهو لا يأتي معزولا عن بقية العوامل بل يأتي مغذيا لها ، فالفقر وقلة الوظائف والخسائر على سبيل المغامرة بكل المال من ذهب الزوجة والارض والمدخرات من اجل "البورصة" ادى الى تهشيم الاف العائلات وتحطيمها نفسيا ، لانها قبل ان تخسر ماليا ، خسرت صورتها الانطباعية وبدت في مجتمعها المحلي ، بأنها ضحية العاب وتم الضحك عليها ، بشكل او باخر.

المشاجرات فرصة لمراجعة المشهد ، لا تشويه سمعة الناس واطالة الناس عليهم ، لانها تعبر عن مشكلة ما ، لا يجوز ان نستغل ظلالها لقدح العشيرة وسمعتها ، لان الاصل ان يكون كل واحد فينا جزءا من عشيرة او عائلة ، والاصل ايضا ان لا نطبل فرحين او شامتين باعتبار ان البلد على حافة حرب.

 




تعليقات القراء

علي بن تميم
انا مع الكاتب تماما بنظرته الفاحصه الداله وما حصل في الانتخابات اثمر حقدا واكثر!!وخاصة ان هناك دعم واضح للبعض على حساب البعض؟؟وكأننا نعيش بدرجات مختلفه في الاردن وما حصل بانتخابات البلديه واضح تماما وخاصة اربد الكبرى ومع المهندس وليد المصري بالذات...السؤال من الذي خطط لذلك؟؟ومن الذي نفذ؟؟واين يجلس الأن؟؟وهل يحاسب؟؟
18-10-2009 03:04 AM
نصر يطاينه
نتفق مع الكاتب واضيف ان الجاهلية يا سيدي لم تغادرنا سوى فترة حياة الرسول ثم بعد ذلك عادت كما كانت وفي زمننا هذا فجاهليتنا اشد واعظم من الاولى على اعتبار اننا في مستوى عالي من التقدم الحضاري والعلمي والتكنولوجي مع انه ليس من صنعنا وانما نحن مستخدمون للتكنولوجيا عوضا عن اساءة استخدامها فالانحطاط الاخلاقي وتلاشي القيم السمحه وضعف الوازع الديني وتعاظم صفة ( الانا )في النفوس وعدم وضع الرجل المناسب في مكانه في بعض الاحيان وطموح الناس الى الغنى السريع بغض النظر عن مصدره باعتباره يعطي هيبه ومركز اجتماعي حسب مفهوم بعض الصغار ووالهجرات التي ييستقبلها الاردن وتضغط على الخدمات .
20-10-2009 10:29 PM
نارمين الاسكر- التلفزيون الاردني
اسعد الله صباحك استاذ ماهر
لا يسعنا ان نقول في هذا المقام الا ان ندعو بأن تهدأ النفوس ويحل التسامح والرجوع الى ديننا بغض النظر عن الاسباب حتى لو الأزمة الإقتصادية هي من الاسباب فنحن لا نريد لوطننا الحبيب الا السمعة الطيبة والتوجه نحو درب واحد هو اننا جميعا من اطياف وعشائر اخوة هذه اردننا الذي نحب ونريد
تحياتي لك ولكل صحفي يكتب في توجية المواطنين الى الوحده وحب الوطن
22-10-2009 11:29 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات