سليمان الحلبي .. البطولة والفداء !


لعل استذكار وسرد المخبوء من السير الذانية والنضالية لشخصيات عربية بحجم "سليمان الحلبي" يساهم في إنعاش ذاكرة الامة بالأبرار من ابنائهاها ! والشهيد سليمان الحلبي هو الشاب السوري الحلبي الازهري، الذي قتل الجنرال كليبر، الحاكم العسكري لمصر ونائب نابليون بونابرت، مستعمر مصر الفرنسي، اثناء الاحتلال الفرنسي لمصر في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر.

في فترة التدحرج السيادي على مقدرات الأمة ومصائر الاوطان وما تبعه من تراجع في مستوى منسوب العزة الوطنية، بسبب ما اشيع من التخوين المالي والاداري في بعض المرافق والمؤسسات، علاوة على التخبط الديني والخلط في المفاهيم الفكرية، والتخلف المزمن في مستوى الخطاب العربي الذي اضحى مرعوبا ومتزلفا، علاوة على انعدم فعاليته في قيادته للجيل والنشء في المشهد المعاصر من حياة الامة المنهكة بحربها المفروضة عليها مع الاشباح، وهي الأمة المتفرقة، المتعبة ببعضها، وبأعدائها المتغطرسين، اللذين يتعاملون معها كالفريسة التي لاحول لها ولا قوة ! معطوفا على الجمود في خطابها المتلفز وتناقضة مع الحق والحقائق والحقيقة ! ولقد وجدت من اولويات واجبي -كمواطن يعيش المرحلة بكل تطوراتها - المساهمة المتواضعة في إنعاش ذاكرة الامة-وخاصة شبابها- وتذكيرهم بشخصيات عربية رائدة، مؤثرة، كنماذج ناجحة من بني جلدتهم، وفيهم من بعث الامل بالعمل النافع والعلم والبحث والمعرفة والفكر والنضال والفداء، في فترات زمنية مفصلية من حياتها كأمة، بثوابت وحقائق تشكل عناصر قوة ثوابتها، ومقومات تكاملها ووحدتها المنشودة التي حلم بها الآباء والأجداد، ومازلنا نحلم بها، وسيحلم بها أبنائنا واحفادنا الى ان تتحقق يوما ما بعون الله وتوفيقه، وبجهد جهيد من المخلصين من النشءذوما ولدت الامهات، من اصحاب العزم والإصرار، الذي يقيض له ان يكتسب المعرفة، ويبدع في قيادة التكنولوجيا، ولديه الإيمان بوحدة هذه الامة، لتتطابق حدودها مع لغتها واملها المنشود التي حلمت به طويلا.

وهذه الملخصات من السير مدونة للقارئ الكريم، لتتحدث له عن شخصيات مختارة من الماضي القريب، وفي مقدمتها وقع اختياري هذا المساء على الخيار الخامس في هذه السلسلة، وهو الشهيد طالب الجامع الازهر الشريف، الشاب السوري الجنسية "سليمان الحلبي".

-والشهيد سليمان ونس الحلبي، المولود في عام 1777م في اعمال محافظة حلب - والمتوفى في عام1801م، كان يعرف بورعه وتدينه، حيث كان عمره 24 عاماً حينما اغتال قائد الحملة الفرنسية على مصر (1798م-1801م) الجنرال كليبر (أو ساري عسكر) كما أطلق عليه الجبرتي.

-سافر سليمان الحلبي من حلب إلى القدس، ثم غزة، وبعد 10 أيام سافر من غزة في قافلة صابون ودخان، ووصل الى القاهرة بعد سفر استمر 6 أيام، ثم ذهب إلى حيث الأزهر في القاهرة وسكن هناك، وتعرف على بعض الساكنين معه وبعضهم من مدينة حلب وقال لهم "أنة حضر ليغازي في سبيل الله" ! وقتل الكفرة الفرنساويين. (المختار من تاريخ الجبرتي).

-ولد سليمان الحلبي عام 1777 م - في قرية كوكان بالقرب من عفرين / محافظة حلب السورية، حيث كان يعمل والده المتدين "محمد أمين" في مهنة بيع السمن وزيت الزيتون. وكماورد هو من عائلة ونس وهي عائلة حلبية من مدينة حلب حي البياضة ولقبه الحلبي نسبة إلى مدينة حلب [1].

-عملية الاغتيال ؟
كان عمر سليمان الحلبي 24 عاماً حين اغتال قائد الحملة الفرنسية على مصر (1798م-1801م)، حيث يقيم الجينرال كليبر ومعه كبير المهندسين بالبستان الذي معه بحي الأزبكية (وهو مقر القيادة العامة للفرنسيين بالقاهرة). تنكر سليمان الحلبي في هيئة شحاد في مقر كليبر ودخل عليه، , ومد سليمان الحلبي يده وشد كليبر بعنف، وطعنه 4 طعنات متتالية أردته قتيلاً، وحين حاول كبير المهندسين الدفاع عن كليبر طعنه هو أيضاً ولكنه لم يمت، فاندفع جنود الحراسة الذين استنفرهم الصراخ فوجدوا قائدهم قتيلاً[2]، فامتلأت الشوارع بالجنود الفرنسيين وخشي الأهالي من مذبحة شاملة انتقاماً من الاغتيال، بينما تصور الفرنسيون أن عملية الاغتيال هي إشارة لبدء انتفاضة جديدة، أما سليمان فقد اختبأ في حديقة مجاورة. إلى أن أمسكوا به ومعه الخنجر الذي ارتكب به الحادث (والذي يحتفظ به الفرنسيون إلى يومنا هذا في متحف الإنسان).

التحقيق والحكم !
-حقق الفرنسيون مع سليمان الحلبي، ومع من عرف أمره من مشايخ الأزهر، الذين عرفوا نيته في الأمر دون إبلاغ السلطة الفرنسية، وأصدر امرا" في اليوم نفسه بتكليف محكمة عسكرية بتاريخ 15 و 16 يونيو 1800 لمحاكمة قاتل كليبر، وهذه المحكمة مؤلفة من 9 أعضاء من كبار رجال الجيش، وكانت رئاسة المحكمة للجنرال رينيه، وحكموا عليهم حكماً مشدداً بالإعدام، إلا سليمان الحلبي، فقد حكم عليه الفرنسيون بحرق يده اليمنى وبعده يتخوزق، ويبقى على الخازوق حتى تأكل جثته الطيور، (المختار من تاريخ الجبرتي)، كما كانت العادة في أحكام الإعدام، ونفذوا ذلك في مكان علني يسمى "تل العقارب" بمصر القديمة، على أن يقطعوا رؤوس الأزهريين أولاً ويشهد سليمان إعدام رفاقه ممن عرفوا أمره ولم يبلغوا الفرنسيين بالمؤامرة، ومن ثم يحرق "بارتيليمي" يد سليمان الحلبي ثم يرسله إلى خوزقته، ويردد الحلبي الشهادتين وآيات من القرآن، وقد ظل على تلك الحال أربع ساعات، حتى جاءه جندي فرنسي مشفقاً لحاله فأعطاه -بعد خروج الجميع- كأسا ليشرب منه معجلاً بذلك بموته بالحال[2].

-حملة شعبية لاستعادة سليمان الحلبي،
قام الشعب السوري والشعب المصري بجمع التوقيعات الشعبية لإرسالها إلى الحكومة الفرنسية مطالبين بعودة رفات سليمان الحلبي والتي حملتها القوات الفرنسية معها إلى باريس، ورفات سليمان الحلبي معروضة في متحف الإنسان بباريس.

-مصادر عدل موثوقة،
لقد ذكر العلامة خير الدين الأسدي نسب سليمان الحلبي في موسوعة حلب المقارنة حرف السين جملة سليمان الحلبي ويوجد لدى آل ونس شجرة عائلة دققها كثير من النسابين تاكد انتسابه إلى عائلة ونس بمدينة حلب وليس عائلة اوس وقرية عفرين كما ذكر بعض الباحثين والمؤرخين.

-لورنس، هنري؛ شارل جيليسبي، جان كلود جولفان، كلود ترونيكر، ترجمة بشير السباعي (1995). الحملة الفرنسية في مصر - بونابرت والإسلام. سينا للنشر.

كتاب موسوعة حلب المقارنة "تاريخ حلب" لخير الدين الأسدي.

★ وهكذا تصبح رمزية استشهاد ضابط البحرية، الشاب السوري المسيحي "جول جمال"في العام ١٩٥٦م كمثل استشهاد الشاب السوري المسلم -قبله باكثر من قرن ونصف- وهو الطالب الازهري، "سليمان الحلبى" في عام ١٨٠٠م. وربما من المشابهه كذلك ان قتلة سليمان الحلبى كان أيضا المحتل الفرنسي وعلى ارض مصر. إن مثل الشهيد سليمان الحلبي كمثل الشهيد جول جمال، اللذان قدما درسا" وافيا في البطولة والفداء في الذود عن الامة والاوطان، وقد أتثبا رحمهما الله واحسن مثواهما، وكل بطريقته، ان محبة الاوطان من محبة الله، وان الدين لله والوطن للجميع، وان هذه الامة، امة واحدة بشيبها وشبابها، برجالها وحرائرها من صباياها ونسائها. لقد ادرك هذين البطلين ان ما يصيب الشام يصيب مصر ويجرح الامة من محيطها لخليجها.

وعليه، على الامة العربية وولاة امرها ان تدرك بأن لا طريق للخلاص لما نحن فيه من هوان وضعف سوى الوحدة ! والله من وراء القصد.

★ وطاب مساءكم وصباحكم بالخير والسرور، وطابت اوقاتكم بالمحبة والسلام ومحبة الاوطان.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات