المدينه و التنسيق الحضارى


المدينة شكل عمرانى شديد التعقيد، تتداخل عناصره وتتشابك، وإدراك المشهد البصرى للمدينة يكون من خلال صور بصرية تخضع فى تكويناتها لقيم نابعة من جماليات العمران جنباً إلى جنب مع القيم الوظيفية، والاجتماعية، وأيضاً الثقافية التى يرتكز عليها جميعاً الفكر التخطيطى والتصميم العمراني.

وعندما تغيب هذه القيم أو إحداها، فإن المشهد البصرى للمدينة يصاب بالتشويش والاهتزاز. والاهتمام بملامح المدينة وشكلها وطابعها وجمالها ليس ترفاً كمالياً فى الحياة العمرانية، وإنما حالة فطرية حضارية تلازم مستويات التطور الحضارى لمجتمعات. وتعد تنمية القدرات نحو إدراك القيم الحضارية بشكل عام، وقيمة الجمال بشكل خاص، بمثابة نقلة تطورية تنموية للمجتمعات نحو مستوى حضارى أعلى. ويأتى دور التنسيق الحضارى لمعالجة آثار الفجوة الثقافية بين الفكر المرجعى الرسمى القائم (المؤدى أو المصمم) فى تصميم وتشكيل صورة المدينة وبين المجتمع (المنتفع أو لمتلقى) حتى يلتقيا عند مستوى الإدراك الواعى لفن وجماليات صناعة العمران ...وذلك لإعادة صياغة الرؤية البصرية للعمران من خلال مجموعة محاور متعددة الاتجاهات كما يلى:

المحور الأول : يقوم على الحد من المحاولات الفردية التى تتجه نحو مفاهيم التجميل غير الواعية وتؤدى إلى النشوذ وعدم الانسجام مع المحيط من حولها. فالعمران بشكل عام هو سلسلة من المتتابعات البصرية التى لا يصح مقاطعتها أو اعتراضها بمفاهيم شخصية وغير مدروسة، وإنما لابد من صياغة رؤى جماعية يتفق عليها لتتسم بالاستمرارية المنطقية لجميع المعالجات والتفاصيل حتى يتحقق الإبداع الشامل الجامع، والقائم على تناغم عناصر المدينة ككل.

المحور الثانى : يقوم على تفعيل مفهوم التكامل بين علم العمارة "أم الفنون" وعلم الجمال "الاحتياج الفطرى لجميع البشر"، وهو المدخل الذى ترتكز عليه الدول المتقدمة فى جميع مشروعات التصميم العمرانى والتنسيق الحضارى كإطار تصميمى متكامل نابع من مفاهيم الحضارة والثقافـة، والتراث.

المحور الثالث : يقوم على تشجيع انتشار الأعمال الفنية فى الفراغات العمرانية للمدينة مثل الميادين والساحات ومحاور الحركة الرئيسية فى إطار وضع الضوابط الحاكمة لانتشـار الأعمال الفنية بأنواعها، حتى لا تترك للاجتهادات الشخصية. فالأعمال الفنية التى تمثل مستوى عالياً فكراً وفناً ترتقى بالمحيط من حولها بشرط ألا تلفظها ثقافة الجماعة، وعلى العكس فإن انتشار الأعمال الفنية التى لا ترتقى إلى المستوى الفنى اللائق يكون تأثيرها شديد السلبية خاصة لو حازت على قبول الجماعة واندمجت داخل مرجعياتها الثقافية وأصبحت أمثلة مقبولة وشائعة
يحتذى بها.

المحور الرابع : تشجيع أعمال التنسيق الحضارى والأعمال الفنية الميدانية من خلال المسابقات، وتبنيها لنشرها جماهيرياً فى ميادين وشوارع المدينة باعتبارها تفاعلات إنسانية إيجابية مع البيئة المحيطة وشغف الإنسان بها منذ الخليقة وتأثيرها المرغوب على تكوينه حضارياً وبالتالى
على المجتمع ككل.

وهكذا فإن التنسيق الحضارى القائم على الأسس والمعايير العلمية والفنية وعلى علم جماليات العمران أخذاً فى الاعتبار أهمية انتشار الفن الراقى فى المدينة، يؤثر إيجابياً على مراحل النمو النفسى لأفراد المجتمع، وتطويره، وتغذيته بالخبرات الجمالية والفنية التى تسمو بالقيمة الجمالية وتضعها فى أعلى مستوى يمكن أن يرتقى إليه الإنسان



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات