زمن الانفصام ، تحياتي يا مرام .. !!!


قرأت روايات عدة ، وربما تصفحت كتبًا ليست بالقليلة ، تابعت بشغف كل البرامج الترفيهية والمقالات السياسية والدرامية ، وربما شاهدت نبرة خطباء المساجد كيف تعلو تارة تجاه مواضيع مسموح بها في شرع السلطان ، وتارة أخرى لا تسمع صوتًا لهم رغم أصوات المدافع وسفك الدماء بلا سابق إنذار ، ورأيت كيف تصفق الجماهير للمسؤولين أمام ناظريهم ، ويستقبلونهم بالتحية والحفاوة والرجاء ، وكيف يلعنوهم بعد ثوانٍ معدودةٍ من مغادرتهم للمكان ، ويكأنك ترى وجوهٌ في ذات الشخص ، حاولت البحث في الكتب الإغريقية والمجلات العبرية عن هذه المعضلة ، وقطعت أميالا ومسافات لأسأل أهل الفكر والاختصاص ، توجهت إلى أدباء المهجر علّهم يدركون فحوى ما أقول ، خاطبت الملوك والزعماء ببرقيات عاجلة علّهم يبتعدون عن الهاوية ، أجهشت بالبكاء ، ثم صرخت بأعلى صوتي علّهم يستوعبون بعضًا من كلامي ، علّهم يقرؤون حروفي ، علّهم يسمعون حسيسي ، لم أذق طعم الحياة التي حدثني عنها جدّي ، ولم أستوعب فكرتها الخالية من مضمونها والفارغة من رسالتها ، أشعر بأن الوفاء كلمة لم يعد لها معنى ، والحب حرفين لا أكثر ، والصداقة مجموعة حروف متراصة تحوي على لام شمسية لكنها تخلو من الجوهرة ، والصدق أشبه ما يكون بخيال أو شيء شبه مستحيل ، وبعدها شربت لترًا من الماء يشبه كل شيء إلا الماء ، طعمه مر ، ولونه مغبر ، ورائحته لا تُطاق ، شربته ولم استمتع بطعمه ، شربته لأكمل ما تبقى من مسيري ، ربما ترى المعجزات في زمن الحثالات وليس الأنبياء ، معجزات جهنمية يعجز عنها الشيطان وحزبه ، انفصام يا عصام ، هل سمعتم بجنون الحياة ؟ هل قرأتم عن أهمية قبلة العناق للعشاق ، أنصحكم بدون خبرة بممارستها مع كل رشفة فنجان قهوة كل صباح ؟ لماذا كل المؤشرات تشير إلى الارتفاع في الدخل الإجمالي والقومي للأفراد في تلك البلاد رغم أنها تخلو من الرسالة الشماء ؟ ما الذي جعلها تصل إلى القمة في غضون أقل من قرن من الزمان ؟ وفي بلادنا الأبجدية رغم توافر الإمكانات ، ووجود العاملات ، والعقول المفكرة ، والرسالة الشماء ، إلا أننا ما زلنا في الحضيض ، هل السبب يعود إلى السياسات العمياء ، أم أن السبب هو الانفصام يا وئام ، ما زلنا يا وئام نعمل بجدٍّ ونشاط ، لكن سرعان ما ننهار ، نبذل قصارى جهدنا ، لكن لا نخلص ، نسعى إلى الرقي بذواتنا ، لكن بطرق ملتوية ، ربما على أكتاف هذا أو ذاك ، أو بدق الآخرين جُرعٍ من إبر الأسافين ، نتمنى أن نكون في المقدمة ، وعلى وسائل الإعلام بأي ثمنٍ كان ، ولو على جثث الأبرياء ، ليس إلا يا ختام ، زمن الانفصام يا سلام ، الشيخ يعظ الفقراء والغلابة ، ولا يجرؤ أن يعظ المسؤولين وأصحاب القرار ، والطبيب يداوي المرضى أي كلام ، ثم يسعى جاهدًا لإقناعهم بزيارة عيادته علّ فيها الشفاء الوافي من كل داء ، والمعلم ، وما أدراك ما المعلم ! ولأني معلم فعن المعلم لن أتكلم ، وسأنحني له تقديرًا واحترامًا ، وأصحاب الحِرفِ الأُخرى تسمع لهم قصصًا شتّى ، والمصيبة أنهم يتحدثون باسم الإسلام إنه الانفصام يا حسّان ، أذكر مرة تسامرنا عند بيت جدي رحمه الله ، وحدثنا جميعًا عن أن الموازين ستقلب ، وأن التدليس في طريقه للانتشار، أذكر وقتها أن ابن عمي صقر قطع حبل أفكاره ، وسأله بلهفة وحنكة ، كيف ستقلب ، ومن سيقبلها ، أجاب بذكاء ماكر ، وبصوت متحشرج ، وهدوء تام ، المال والمهرج والمدلس ، لم أفهم وقتها ماذا كان يقصد جدي ؟ توفي جدي ، وبقي المعنى مدفون معه ، وبعدها حملت حقائبي وبعضًا من أمتعتي ، وسافرت إلى الصين علّي أجد تفسيرًا لما قال ، لكن لم أجد وصفًا لهذا العالم " العالم العربي " وصفًا أدقُ من الانفصام يا مرام ...!!!



تعليقات القراء

سلمى محمد
فعلا الناس مفصومين
11-03-2015 10:05 PM
عبد الرحمن الحشاش
دائما مبدع أخي محمود و قله من يفهم كتاباتك في زمن التخبط
11-03-2015 10:17 PM
دزمصطفى العايد
دوما انت الابداع يا عزيزي ......كلمات انحني لها اجلالا وتعظيمااااااااااا .......استمر ودعا نقرأ لعل مجتمعنا يوما يفهم ....
13-03-2015 01:35 AM
ابو عبادة العايدي
هذا حال من احوال الدنيا
13-03-2015 07:28 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات