منظومة الأخلاق الجمعية .. السعودية نموذجا


شهدت الكثير من الدول النفطية طفرة خلال الخمسة عشر عاما الماضية نتيجة للأرتفاع الكبير في اسعار النفط ،وتوفرت لتلك الدول مداخيل مالية فاقت حجم الانفاق المالي لديها مما وفر لها أرصدة مالية ضخمة ، وأدت تلك الطفرة الى قيام الكثير منها بتنفيذ مشاريع ضخمة تأخذ الجانب المادي من الحياة ، مما جعل الكثير من الدراسات البحثية في علوم الاجتماع والسلوك الاجتماعي الى اطلاق انذار الخطر من حدوث تشوهات تصيب المجتمع ومنظومته الأخلاقية نتيجة لتفوق الجانب المادي على الجانب الفكري لدى تلك الدول .

ولكن المشهد في احدى مدن السعودية وهي العاصمة الرياض قلبت الكثير نتائج تلك الدراسات ، وكانت النتيجة تطور مادي يوازية تطور كبير في منظمومة الأخلاق الجمعية لدى الأفراد في المجتمع السعودي ، وهي منظومة يصعب مقارنتها بما كانت عليه قبل عشرين عاما ويزيد بل تجد انها تمثل قفزة ايجابية نحو الأخلاق المجتمعية التي لايمكن تصنيفها بغير أنها تقارب المثالية في حقيقة وجودها اذا ما قورنت في منظومات الأخلاق في الدول المحيطة بها ،

وهذه المقدمة هي محاولة لشرح ما حدث في مدينة الرياض خلال العشرين عاما الماضية ويزيد ، وهي تمثل فترة مغادرتي لمدينة الرياض عام 96 وعودتي لها كزائر عام 2015 .

ولعل أبرز مؤشرات هذه المنظومة الأخلاقية الجميعة التي كان لي الحظ في أشارك بها عدد من أفراد المجتمع السعودي تمثلت في قطاعين خدماتيين يمثلان جزءا مهما من مفهوم العلاقات العامة للدولة الحديثة ، وهما قطاع رجال الأمن في مطار الرياض وقطاع الخدمات الطبية في مدينة الملك عبدالله الطبية ، وفي القطاع الأول تمثلت تلك المنظومة في طريقة تعامل رجال الأمن مع المسافرين القادمين لمطار الملك خالد ، وهي تستند الى أسس أخلاقية من أبرزها أن يكون الموظف مبتسما وأن يتقبل أي سؤال يوجه له من المسافرين ، وأن يبذل جهد لإنهاء معاملات دخولهم للمملكة دون أي تأخير ، وأخرها ابتسامة من رجل الأمن الذي يجلس على أخر بوابات قاعة المطار كي يرحب بك في مدينة الرياض.

والقطاع الأخر والمتمثل في الخدمات الطبية التي تقدم للمرضى في مدينة الملك عبدالله " الشميسي" ، يمثل حالة من الاتساق الذي يرافقه حرفية عالية في مهنة الطب تستند الى حوارات علمية طبية بين الطاقم الطبي بشكل يشعر أهل المريض ان هناك نظام طبي صارم يلزم طاقمه بالعمل بأخلاق ومهنية عالية ، وهي حالة تفتقدها الكثير من المؤسسات الطبية الخاصة والحكومية في الكثير من الدول العربية، وفي نفس الوقت تجد أن تطور المكان وتجهيزاته يحقق سلوكيات متسقة تماما مع تلك المنظومة من الأخلاق الجمعية .

وهنا يتأكد حقيقة أن الدول قادرة على تحقيق التوازن بين تقدمها المادي والأخلاقي بحكمة ودراية تؤدي في النهاية الى أن تصبح دولة متطورة يحميها القانون والأخلاق في نفس الوقت ، وهنا لابد من الإشارة الى أن مفهوم أن هناك من علم تلك الدولة قبل سنوات طويلة ، ويقوم في نفس الوقت بالمن عليها بذلك دون وجود قناعة لديه بأن المعلم في الصفوف الأساسية لابد وان يتخرج من بين يديه مهندسين واطباء وحرفيين واساتذة جامعات ، ويبقى هو مدرس من لأنه لم يتمكن من أن يطور في مستوى دراسته لمراحل متقدمة ، وفي النهاية لابد من الأعتراف هنا أن دولة مثل المملكة العربية السعودية تستحق أن تؤخذ نموذج في تحقق منظومة الأخلاق الجميعة دون فقدان أي من ميراثها الثقافي والتاريخي ، وفي نفس الوقت تحقق تطورا ماديا يقوم على أسس تلك المنظومة ويرسخ وجودها في علاقة المجتمع مع حالة التطور المادي تلك .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات