رق وعبودية وظلم بين ظهرانينا،


يثير التحقيق الذي نشر بخصوص 400 خادمة إندونيسية لجأن إلى سفارة بلادهن هربا من الظلم الذي وقع عليهن ، يثير الكثير من الغثيان ، فهنا ثمة حكايات مريرة من البؤس الذي عاشته بعض تلك النساء والفتيات اللواتي تتم المتاجرة بهن على طريقة الرقيق.

ما ينبغي قوله ابتداء هو أن التعميم في هذه القضايا ليس صائبا بحال ، إذ أننا نسمع عن بيوت كثيرة تستضيف تلك الخادمات وتعاملهن بطريقة إنسانية وحسنة ، بل تمنح بعضهن أكثر مما ينص عليه العقد ، ويُكرمن بطريقة لافتة من قبل أعضاء الأسر التي يعملن معها.

لكن ذلك لا يخفي حقيقة أن أخريات يتعرضن لظلم يتفاوت في مستواه ، إذا لم يكن من رب الأسرة أو ربتها ، فمن الأبناء والبنات ، لكنهن يصبرن في أكثر الأحوال ، والسبب هو صعوبة الخيارات الأخرى بالنسبة إليهن.

والحال أن من جئن من آخر الدنيا كي يعملن خادمات بأجر زهيد ، وبعضهن تركن الزوج وحفنة من الأولاد (بعضهم لا يزالون صغارا) ، لا يملكن ترف الفرار وترك العمل لمجرد التعرض إلى بعض الظلم والإساءة ، ما يعني أن من يمارسن الهرب هنّ أولئك اللاتي تعرضن لاضطهاد يوق قدرتهن على الاحتمال.

من الصعب بالطبع ضبط هذه المسائل من الناحية القانونية ، والسفارة الإندونيسية ليس بوسعها فعل الكثير لحل الإشكالات القائمة ، لاسيما أن بعضها يعود لممارسات سيئة من قبل الخادمات أنفسهن ، إذ لا يمكن تبرئة الجميع بحال ، والنتيجة أن ما يمكن قوله في هذا السياق لا يتعدى التذكير بالأبعاد الأخلاقية والدينية التي تحفز الناس على معاملة هذا الصنف من الناس بالحسنى.

لا يغني ذلك عن الدور الرسمي المتمثل في مراقبة مكاتب الاستقدام وطريقة عملها وطبيعة النساء اللاتي يجري استقدامهن ، وذلك بالتنسيق مع السفارة الإندونيسية هنا والأردنية هناك ، لأننا إزاء تجارة كسائر أنواع التجارة التي يكثر فيها الجشع ، ويتراجع فيها الضمير على نحو يتفاوت بين إنسان وآخر.

في البعد الأخلاقي والديني والإنساني ، نحن إزاء مسألة في غاية الأهمية ، إذا لا يبدو لائقا بنا كمسلمين ، بل كبشر بشكل عام أن نمارس الاضطهاد بحق هذه الفئة الفقيرة والبائسة من الناس ، والتي جاءت تبحث عن رزقها بطريقة صعبة ومرهقة. وإذا كان الإسلام قد دعا إلى معاملة راقية للعبيد ، أيام انتشار العبودية ، فإن دعوته إلى معاملة هذا الصنف من البشر بالرفق والحسنى يبدو أكثر تأكيدا ، لا سيما أننا من الناحية العملية إزاء شكل من أشكال العبودية الجزئية أو المؤقتة ، وإن تكن مدفوعة الأجر.

إننا في بعض تجليات هذه القضية إزاء عمليات اتجار بالبشر ، حيث يجري تزوير شهادات ميلاد لبعض الفتيات من أجل استقدامهن ، بينما تستخدم بعضهن في أعمال لا أخلاقية ، وهو ما يجعلها أكثر أهمية وخطورة.

لا شك أن على أئمة المساجد والعلماء وأهل الرأي أن يحثوا الفئات التي تشغل هذه الفئة من النساء (كثير منهن مسلمات ، ولو كنّ غير ذلك ما تغير مضمون الحديث لأن الأصل هو إعطاء فكرة طيبة عن المسلمين وأخلاقهم) ، أن يحثوهم على أن يتقوا الله في هذه الفئة البائسة من الناس ، وأن يمنحوا تلكم الخادمات حقوقهن كاملة غير منقوصة ، مع العلم أن أي زيادة ستكون من أشكال الصدقة المأجورة في واقع الحال.

هي قضية شائكة وفيها الكثير من التفصيلات ، لكنها مجرد كلمات وجدنا من الواجب قولها انطلاقا من أمانة الكلمة ، إلى جانب الاستجابة الطبيعية لهاجس الانتصار للفقراء والمظلومين والمستضعفين في كل أنحاء الأرض.

يبقى القول إننا إزاء قضية تبدو محدودة هنا في الأردن ، ربما لمحدودية العائلات التي تشغل الخادمات ، لكنها أكثر حضورا في السعودية ودول الخليج (يشمل ذلك السائقين من الهنود والبنغال).



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات