أنين الموتى


أكثر مكان أرتاح فيه ويشعرني بأنني ما زلت على قيد الحياة هو مقبرة الخندق ... لا اعرف سر انجذابي للمقبرة خاصة حين يتملكني التوتر وينتابني احساس بالقرف من كل الاشياء المحيطة ... هناك بين الموتى أشم رائحة الحياة.. وتتفجر عبقريتي...
مساء الخميس كنت على موعد مع نزلاء المقبرة .. استقبلوني بحفاوة وعزفوا على شرفي لحن ( الرجوع الاخير ) .... طافوا بي ارجاء المقبرة ثم قرأت الفاتحة على ارواح الراقدين فيها بسلام ..
اعترف لكم بمدى الاحراج الذي تعرضت له في تلك اللحظة حيث كنت الوحيد الذي يرتدي اللباس الرسمي بنطلونا وقميصا وحذاء في الوقت حين كان الجميع فيه يغطون اجسادهم التي تفوح منها رائحة الحنوط بالقماش الابيض\
يا ألله كم ازدريت نفسي لحظتها .. كنت الوحيد النشاز .. رأيت نظرات أهل القبور تخترق حدود قلبي وتكتم على انفاسي ومع ذلك تظاهرت بالغباء..
ثمة أمر لم استطع تجاوزه او تحاشيه.. كان بعض الموتى يطلبون مني الخروج من المقبرة لتغيير ملابسي وارتداء كفنا ناصع البياض ..
همس احد الموتى في اذني واظن انه شاب حديث الوفاة وتمنى عليّ ان اغادر المقبرة حالا
قبل ان يتم طردي من المقبرة احتجاجا على عدم اكتراثي بنواميس الرقود الابدي لنزلاء المقبرة .. قلت في نفسي هل الاموات يمتلكون القدرة على الاحتجاج ؟؟ كنت أظن قبلها ان الاحتجاج هو من طبيعة المخلوقات التي تعيش فوق الارض فقط التراب ..
زيارتي الاخيرة للمقبرة قلبت مفاهيمي وغيرّت من طبيعة قناعاتي .. أكون صادقا معكم اذا قلت بأنني أتوق للعودة الى المقبرة والاقامة فيها بين الاموات ..
ففي مقبرة الخندق تكمن الحياة بكل بهرجها وترفرف السعادة وتحوم البهجة فوق قبور ساكنيها .. أحمل لكم ايها المقيمون فوق الارض
دفء انين الموتى الذين ما عادوا يطيقون سماع اصوات مناجلكم التي تحصد ارواح الاطفال ولا وميض قنابل متفجراتكم التي تنهال على رؤوس البشر .. لم يعد الموتى يطيقون همجيتنا نحن الاحياء ولا نذالتنا ولا أكاذيبنا..
أنين الموتى يصم الاذان ويخطف الابصار..
الموتى وحدهم هم الذين يمتلكون المشاعر ويذرفون والدموع ..
الموتى وحدهم يمتلكون الحقيقة ويعرفون كل ما يحيط بنا نحن المزيفون..
في زيارتي القادمة لمقبرة الخندق لن اكون وحيدا سأصطحب معي كل المتدثرين بالثياب البيضاء الطاهرة .. سنمضي ليلتنا كاملة هناك...
نحن البشر الذين نظن أنفسنا متحضرين يلزمنا ان نقيم فترة في مقبرة الخندق عندها سنعرف كم نحن متوحشون وأغبياء . ...
رائحة شواء أطفال سوريا والعراق وليبيا واليمن تفوح في كل انحاء المقبرة.. وجدائل الماجدات العربيات صارت مشاعا تدوسها نعال الكلاب من عجم وعرب.




تعليقات القراء

فارس الحلايقة
مقال اروع من اروع مخمخت عليه وشربت 3 فناجين قهوة وعشرين سيجارة انا بحب المقالات الخارجة عن المالوف
11-12-2014 09:39 PM
نادية الكركية
اشكر جراسا احسن موقع اخباري من وجهة نظري واشكر كاتب المقال انا مثلك حزين على وضع الامة
11-12-2014 09:43 PM
موسى العدوان
مقال معبر عن واقع الحال. فالأموات يغارون على الوطن أكثر من الأحياء. شكرا أستاذ محمودعلى ابداعاتك.
13-12-2014 09:50 AM
معسّل اموات
يا سيد قطيشات مقالك على جراسا برد الروح امة بحكم الميتة شكرا
ياجراسا على حسن الاختيار
وشكرا للكاتب
13-12-2014 01:52 PM
غوار الطوشة
جراسا سيّد المواقع الالكترونية والمقال سيد المقالات
16-12-2014 06:52 PM
مصطفى ايو عميرة
الرحمة للموتى وطول العمر لكاتب المقال وخالص الشكر لجراسا والقائمين على هذا الموقع الذي نكت له الاحترام
18-12-2014 10:35 AM
موجوع
صباح الانين لكل الموجوعين وصباح الخير ياجراسا وصباح الخير للموتى الذين اشاد بهم الكاتب في المقال على فكرة انا واحد من هؤلاء الموتى الذين يئنون
19-12-2014 10:53 AM
جريس
تحياتي الى جراسا من كل اهالي جرش وكل الشكر للكاتب على المقال المتميز ووامنياتي بطيب الاقامة لموتى مقبرة الخندق . على فكرة بنفسي أزور هذه المقبرة واسلّم على سكانها .. يا قطيشات
كلامك مؤثر لكنه محزن
19-12-2014 07:00 PM
موسرجي
الى جراسا موقع يستحق التقدير وشكرا للكاتب وانا مستعد اتعاون مع السيد قطيشات وامدد شبكة تدفئة مركزية لكل اصحاب المقبرة ياولدي على هالمقال شو خوفني
20-12-2014 04:20 PM
ادم الحلو
تحية للكاتب ولجراسا وصادق المحبة لنزلاء مقبرة الخندق لانكم اكثر صدقا واكثر شجاعة منا حقيقة انتم الاحياء ونحن الاموات
20-12-2014 09:22 PM
فراس السمهوري
صباح الخير لجراسا ودام قلمك سيد محمود لقد اسمعت لو ناديت حيا والباقي عندكم
21-12-2014 10:45 AM
دلال
الفاتحى على ارواح كل الاحياء واللع يطول بعمر الموتى الذين تناولهم المقال شو هالروعة يا جراسا على هيك مقالات
21-12-2014 03:35 PM
مسيلمة الكذاب
سلامي لكل الراقدين بهدوء بمقبرة الخندق وتحية خالصة لجراسا لنشرها مقالا رمزيا احسن من كثير من المقالات جراسا دوما في الطليعة
22-12-2014 05:40 PM
لبناني مقيم في عمان
ممكن تتكرموا وتعطونا عنوان المقبرة بدنا نسهر معهم شي سهرية ونخبرهم كم خبرية
22-12-2014 05:43 PM
فيروز
اعجبني اسلوب السخرية الذي ورد في المقال لكنه اسلوب ينم عن قدرة على توصيل المعلومة شكرا للقائمين على جراسا الموقع الغالي على قلبي ومرجعيتي اليومي لمعرفة ما يحيط بنا
23-12-2014 03:14 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات