الرحيل


كان يوم خميس ماطر، ما زلت أذكر ذلك اليوم وما زلت أذكر عدد حبات المطر التي تساقطت وقتها حزنا وأعرف مدى طول الرياح التي استغرقت اطفاء شمعتي للأبد.
كنا يومها على موعد وأمل لقاء ، استيقظت على خلاف العادة باكرا ومسحت وجهي بصورتها فتسلل شيطان الهوى لمخيلتي ... ترى كيف سيكون اللقاء ؟!
نظرت إلى الساعة المصلوبة على الجدار فأشارت بعجز عقاربها الكسولة للسابعة ، واستمرت بسيرها في دروب الثواني والدقائق تحرق معها أعصابا مشدودة بينما تغرز "تكاتها" في قلبي خنجرا من وجع بين لحظة وأخرى.
جلست منكمشا إذ سرت رعدة الحب وقشعريرة العشق عندما تخيلت كيف سأذوب كقطعة سكر في أحضانها عند العناق وكيف سأتبعثر شوقا إن لامست كفي كفيها.
حاولت عاجزا أن أهرب لسبات يكفيني عناء الانتظار ، فالخامسة بعيدة والصبر لئيم واللهفة عنيدة وأنا عاشق مغرم ساذج في لهفتي وضعيف في شوقي وقواي من آخر لقاء خائرة.
حاولت أن أشغل نفسي بترتيب الكلام ، فعلا من أين أبدأ وكل بداياتي كانت هي ، فهي الحنين وهي الحب وهي الغرام واللوعة ونظرات العاشقين وهمسات المحبين وأنين الشوق إذ يسري مزاحما قطرات الدم في داخل الشرايين.
حاولت أن اتغاضى عن التفكير فيها علي أطفأ جمرا قد توقد ، فبرزت إلي من بين كل الزوايا طيفا وعطرا وهمسا وتمثلت بالوسائد والملابس والتحف، حتى من بين أشيائي البسيطة خرجت وأخذتني معها من جديد للحب للشوق وللهفة اللقاء.
بقيت ألملم شذرات الصبر وفتات قوتي وأحبس آخر رمق من أمل حتى أقترب الوقت ، ارتديت على عجل ملابسي ، واعتليت صهوة الشوق واحتقظت ببعض أنفاس لأطلقها بحضرتها بتعابير الشوق والحب عند اللقاء وخرجت لموعد اللقاء.
يومها لم أنثر علي عطرا كنت مستعدا لعطر أريجها تنثره هي علي ، يومها لم آخذ قلبي معي فقد كان من الأصل لديها، يومها لم أحمل في جعبتي سوى دموعي لتمسحها وجروحي لتبرأها وأجزائي لتملمها.
دقت الخامسة وما أقسى الخامسة وأصعب دقاتها ، فقد جاءت ملاكي بكفن وتركتني بدموعي وجروحي وبقايا حلم.
أماه ... نامي قريرة العين واخلدي بسلام ، فقد ألقاكي هناك يوم لا حزن ولا ندم في حضرة مليك مقتدر.




تعليقات القراء

ع-غ-ف-
عنوان المقالة الرحيل دفعني لقراءة الموضوع -كلنا فقدنا اعزاء على قلبنا ولا اعتراض لنا على حكم الله
02-12-2014 12:31 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات