اوّاه على الحياة الاسلامية


يحكى انه بينما كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه جالسا و عنده أكابر الصحابة و أهل الرأي و الاصابة وهو يقول في القضايا و يحكم بين الرعايا إذ اقبل شابٌ يكتنفه شابان قد جذباه و أوقفاه بين يدي أمير المؤمنين فأمرهما بالكف عنه ، فقالا يا أمير المؤمنين كان لنا أبٌ شيخ كبير خرج إلى حديقته يتنزه بين أشجارها و يقطف يانع ثمارها فقتله هذا الشاب و نسألك القصاص .

قال عمر للشاب ما قولك فيما سمعت ؟ قال يا أمير المؤمنين إني من العرب العرباء و أقبلت بأبلي إلى ظاهر المدينة فدنت بعض النوق إلى حديقة قد ظهر من الحائط شجرها فتناولته بمشفرها ،فإذا بشيخ قد تسوّر الحائط و ظهر و بيده اليمنى حجر فضرب الفحل بذلك الحجر فأصاب منه مقتلا .. فتناولت ذلك الحجر بعينه و ضربت الشيخ به فكان سبب حَينه ، والمرء مقتولٌ بما قتل به .

قال عمر للشاب قد اعترفت بما اقترفت فوجب القصاص ، قال الشاب : سمعا و طاعة لما حكم به الامام و رضيت بما اقتضته شريعة الاسلام ، لكن لي أخٌ صغير خصّه والدنا قبل وفاته بمال جزيل و أسلم أمره إليّ و أشهد الله عليّ فاتخذت لذلك المال مدفنا لا يعلم به إلى الله و أنا ، فأنظرني ثلاثة أيام أقمت من يتولى أمر الغلام و عُدْتُ وافيا بالذمام .

قال عمر من يضمنك ؟ فنظر الشاب إلى وجوه الصحابة الحاضرين يتأملهم ثم أشار إلى أبي ذر الغفاري رضي الله عنه وهو لا يعرفه و قال هذا يضمنني .

قال عمر لإبي ذر هل تضمنه يا أبا ذر ؟ قال أبو ذر : نعم أضمنه لثلاثة أيام .

ذهب الشاب لشأنه و بعد ثلاثة أيام عاد الشاب إلى المدينة و وقف بين يدي امير المؤمنين عمر و قد ظهر عليه الجهد و التعب و العرق و قال : ها انا ذا يا أمير المؤمنين بعد أن أسلمت أخي لأخواله و أطلعتهم على مكان ماله ثم اقتحمت هاجرة الحر

و وفيت وفاء الحُر كي لا يقال ذهب الوفاء بالعهد من بين الناس .

قال أبو ذر وأنا ضمنتك بعد أن قصدتني من دون الناس كي لا يقال ذهبت المروءة من بين الناس .
قال الشابان أصحاب الحق بالقصاص و نحن يا أمير المؤمنين قد عفونا عنه لصدقه و وفاءه حتى لا يقال ذهب العفو من بين الناس .

استبشر أمير المؤمنين و تهلل وجهه فرحا وهو يقول الحمد لله، ثم عرض على الشابين أن يصرف لهما من بيت المال دية أبيهما فقالا " انما عفونا ابتغاء وجه ربنا الكريم ومن كانت نيته هكذا لا يتبع احسانه مناً ولا أذى " .

انتهى هذا المشهد من مشاهد تلك الحياة الاسلامية الرائعة الجميلة .

لم يصدر الحاكم المسلم أمرا باعتقال الشاب أو تحويله إلى السجن ، ولم يصدر امرا بتحويله إلى المحكمة العسكرية ولم تتحرك الشرطة لمطاردة هذا المطلوب و إطلاق النار عليه بأحد الشوارع و الحارات .

سمح الحاكم المسلم بتكفيل المتهم فورا رغم اعترافه بجريمته و دون مشورة أصحاب الحق لانهم مطمئنون لعدالة الحاكم و رجاحة عقله ، و عندما ذهب الشاب لأخواله لم يجدوا على جسده آثار تعذيب.

عاد هذا الشاب المسلم المحكوم عليه بالاعدام إلى القصاص بإرادته و بكامل حريته وقد كان بإمكانه أن يذهب في الصحراء ولا يدري به أحد .

عجبت من فراسة هذا الشاب الذي نظر في القوم الجالسين فتوسم الخير في وجه أبي ذر فكان توسمه صادقا و صحيحا وفي محله .

ما أسهل التقاضي عند المسلمين و ما اسرع إذ صدر الحكم في الجلسة الأولى و انتهت المحاكمة .. انه الاسلام .. انها المفاهيم الواحدة المشتركة .. إييهِ ما أسهل وما أجمل الحياة الاسلامية .

ترى هل يجوز لنا أن نطالب بتطبيق المناهج التعليمية و التوجيهات و المفاهيم الاسلامية الواحدة المشتركة التي استخدمها قادة ذلك المجتمع الاسلامي النظيف الرائع الجميل في سياستنا و قضاءنا وفي مدارسنا و جامعاتنا و صحفنا و تلفزيوننا و إذاعتنا اليوم في الاردن لإصلاح اوضاعنا البائسة المحزنة المنهارة في جميع المجالات ؟!.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات