الغرايبة يكتب: وصفي التل .. باق و يتمدد !


خاص - كتب ادهم غرايبة - بات مؤكدا اليوم أن الإستحضار المكثف و الحضور الطاغي لسيرة الشهيد وصفي التل هي إحدى تعبيرات الإحتجاج السياسي و الوطني على حال الدولة الاردنية و مآلاتها التي لا تسر أحدا .

أكاد أجزم أن سيرة الشهيد القائد وصفي التل لم تستحضر في ضمائر الأردنيين في أعقاب إستشهاده مثلما أستحضرت في الأعوام القليلة الماضية ,و الغريب أن " الدولة " التي يفترض بها تكريم قادتها من الشرفاء تتخذ من التهميش منهجا لغايات تهشيم الروح الوطنية و إبقاء الوطن بلا وطنيين , و قد تجلى ذلك بوضوح في تجاهل التلفزيون الرسمي – رحمه الله - لذكرى إغتيال الشهيد الحي في ضمائر الأردنيين !

على قاعدة " في الليلة الظلماء يفقتد البدر " يستعاد وصفي التل " الانسان و المشروع معا " في ظل " الافشال " الذي تواجهه الدولة اليوم في كل القطاعات و على رأسها القطاع المعيشي و الاضعاف المتعمد للعصبية الوطنية الاردنية مقابل هوية سياسية مبهمة و فضفاضة تحوي هويات مناطقية و عشائرية تأسرالناس ضمن " مجاميع " اجتماعية مناقضة للهوية الوطنية, كل ذلك , تحديدا , يحرض نسبة كبيرة من الشباب بالذات على استعادة ذكرى الشهيد .

وصفي التل هو الذي اسس البنى التحتية للدولة و " هندس " مسارات الدولة الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية التي كان من المؤكد ان حالها سيكون افضل بكثير لو قدر له تنفيذ تصوراته, او لنقل لو اكمل من جاء من بعده العمل بذات الروح و الطهر . فقد انهمكت حكوماته الثلاث بالنهوض بكافة القطاعات فتم تأسيس الجامعة الاردنية و الاذاعة و التلفزيون و كهربة الريف و مشاريع جر المياه و تحديث المواصلات و تقديم الدعم الحقيقي للقطاع الزراعي . علينا دوما , بالمناسبة , الإفلات من تخيل أن حال مؤسساتنا العامة انذاك بالوضع البائس الذي آلت اليه الان في عهد اعداء التل و مشروعه الوطني !

وصفي التل هو الذي صعد بابناء المناطق المهمشة و الطبقة الاجتماعية المتوسطة لمستويات صنع القرار من الضفتين و زج بدم جديد بعروق الدولة مستندا الى معايير الاهلية و الانتماء الوطني .

الإطار " الإقليمي " الذي وضعت به صورة الشهيد وصفي التل لا تليق به . و الصورة و صاحبها أكبر من الإطار الذي فصل له لغايات غير بريئة هدفها اغتياله يوميا ه و رؤيته الوطنية . و تهدف لترويج كل اردني مؤمن بنهج الشهيد الوطني على انه اقليمي و كاره لأشقاءه من الفلسطينيين .

وصفي كان منحازا للمقاومة لا بل أنه كان أحد أكبر قادتها , و أحد المقاتلين الشرسين على أرض فلسطين ممن رفضوا التسليم و التقسيم, لكنه - في ذات الوقت - كان منحازا لمشروع الدولة المقاومة , لا لفوضى التنظيمات . و ها نحن ندفع اليوم ثمن العقلانية التي إغتيلت معه أيضا .

في حكومات وصفي الثلاث كان عدد الوزراء من أصول فلسطينية أكثر من عددهم من "الشرق أردنيين " , فكيف يستقيم أن يكون إقليميا أردنيا على هذا الحال ؟! و هل من يتمسك بحق الفلسطينيين بأرضهم يستحق أن يطلق عليه وصف " اقليمي " ؟!

من دواعي الفرح حقا أن إستحضار إسم وصفي التل و إعادته للتداول السياسي لا يتم من الشباب الوطني" الاردني " فحسب , بل يشاركهم فيه نخبة من الشباب الاردنيين من " اصول فلسطينية " .

حتى لو كان ذلك على " استحياء " - غالبا - متخلصين من اوهام متوارثه تستند غالبا لإعتبارات نفسية لا على حقائق راسخة حول سيرة الشهيد المغيبة بفعل مجموعات تعكف على القضاء كليا على المشروع التحرري المشترك للشعبين التوأمين و تسعى لمزيد من التفرقة و التفتيت و تغييب العقل .

إستعادة سيرة الشهيد مهمة و ضرورية , لكن الأهم منها التمسك بمشروع بناء الدولة الوطنية الإجتماعية التي يسودها دستور حضاري يجسد سيادة الشعب و يضمن حقوق و اجبات كل مواطن فيها و يعطي كرامة المواطنيين و هيبة الدولة و مصالحها الاولوية المطلقة .

من يستذكرون سيرة الشهيد يستطيعون ان يسدون له معروفا و ان يردوا اليه بعضا من فضائلة بابسط الطرق بأن يكونوا ايجابيين بتصرفاتهم اليومية كأن يعفونا من " غزواتهم " في الجامعات لأسباب تافهة , و ان ينخرطوا في حملات تطوعية تسعى لتنظيف الاحياء و زراعة الاشجار و الاقبال على العمل السياسي و القرأة على أقل تقدير .

وصفي التل بحر شهامة و نبع عفة و منجم اخلاص و بطل حقيقي لكن لا يجب ان تقف البطولة عنده ان كنا وطنيين حقيقيين . من المعيب و المحرج لوصفي التل ذاته ان نحيله الى " الحسين " فيما تتحول الاردن الى كربلاء يحلو فيها لطم الخدود و ضرب الصدور على ذكراه دون عمل جاد ينتصر لحقنا في حياة كريمة في وطن محصن .

من لديهم " ثارات " – من الطرفين - تعنيهم وحدهم , ليتقوا الله باسم وصفي التل فهو ليس " هتلر الاردني " . وصفي ابن فلسطين مثلما هو ابن الاردن و مشروعه الوطني الاردني كان مقدمة لمشروعه القومي السوري .

بعد كل هذه الأعوام من " التغييب " لا الغياب , يحضر " التل " في وجدان الأردنيين كرمز وطني تتلخص فيه امالهم و اوجاعهم بعد ان انتكست مسيرة بناء بلدهم و تم السطو على المشاريع الوطنية التي أسس لها الشهيد بدون " كومشين " لجيبه الخاص كما جرت العادة و اصبح عرفا بين الرؤوساء الذين جاءوا من بعده .

يا الهي , وصفي التل في جنان خلده " باق و يتمدد " في وعينا الوطني الذي يمر بمخاض ولادة عسيرة فيما سواه من رؤوساء الحكومات " نائم و يتجبد " !



تعليقات القراء

ابن وطن
شكرًا لك يا من أسست دور العلم شكرًا لك يا من اول من انشأ معسكرات الحسين شكرًا لك يل من خضر الجبال
29-11-2014 09:55 PM
طبوش
الشهيد وصفي رجل مرحلةلم ولن يتكرر
30-11-2014 12:23 PM
خليل هزاع
لن خليت بليت والرسول صلى الله عليه وسلم قال الخير فيا وفي امتي ليوم القيامه لاكنا نرضع اطفال الاردنيين سيرة الشهيد البطل وصفي التل الذي اشتهر بكلمته الشاي والخبر لن ارفع فيه فلس لانه قوت الفقير
21-12-2014 02:26 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات