عبد الكرسي


الطموح أمر مشروع ومحبب إلى النفوس الكبيرة التي لا ترتضي بغير العلا سبيلا، والترقي في المناصب من الطموح الذي تهفو إليه النفوس، حيث جبلت النفوس على حب الترقي من منصب إلى منصب أعلى وهكذا حتى تصل إلى الغاية النهائية، والمنصب الذي لا منصب بعده.

ولا أظن عاقلاً يعارض الطموح وحب الترقي، ولكن المشكلة تكمن في عبدة الكراسي الذين يقدمون حب الكرسي وتقديسه على أي أمر آخر، فهم يسعون إلى الترقي ليس حباً في تقديم خدمة، أو أداء واجب، أو تحقيق أهداف وطنية عليا، وإنما يسعون إلى الترقي عشقاً بالكرسي وهياماً به، وعبادة له، فالكرسي بحد ذاته مقدس عندهم، يحتل المقام الأول في حياتهم، وهم في سبيله يدوسون كل شيء للوصول إلى هدفهم الدنيء، لا يسألون عن حرام أو حلال، ولا يهمهم حق ضائع أو ظلم واقع.

عبدة الكراسي يعبدون الكرسي من دون الله في واقعهم، وإن بدوا للآخرين أنهم يعبدون الله، فعبادة القلب هي الأساس، ولا معول على حركات تؤدي للتسويق وخداع الناس.

عبدة الكرسي أناس أشداء على من دونهم، جبناء أمام من فوقهم، يخافون من ظلهم، يحسبون كل صيحة عليهم، إذا استفردوا بمن دونهم بطشوا وظلموا وفجروا، وإن وقعوا تحت أقدام من فوقهم سجدوا وقبلوا الأيادي والأقدام وتنازلوا عن كرامتهم –إن بقيت لهم كرامة- ويستجدون العطف والشفقة ويقسمون الأيمان المغلظة على الطاعة والولاء.

عبدة الكرسي لا يشترط أن يكونوا من كبار الموظفين، بل تجدهم بين صغار الموظفين ممن تهفو نفوسهم إلى تبؤ الكرسي أي كرسي وإن كان صغيراً ضئيلاً، فالصغير في عقيدتهم سيكبر يوماً ما، وهم في سبيل ذلك يبيعون أنفسهم إلى الشيطان، يمسحون الجوخ وينافقون ويداهنون ويراءون حباً في الوصول، وسعياً إلى كرسي يبدو في الأفق.

عبدة الكرسي أرخص من عليها، وأثمانهم بخسة، يسهل قيادهم، فذممهم واسعة، وضمائرهم ميتة، وكرامتهم مفقودة، ولا عزة لهم، لا وجود لهم إلا في ظل غيرهم، يقودون غيرهم بالترغيب والترهيب، وهم يقادون بسلاسل من حديد، أشبه بكلاب ضالة مسعورة لا يشكمها إلا كلب أكثر سعاراً، وأخطر عقراً.

وبعض عبدة الكرسي تعفنت جثثهم على كراسيهم من طول مكثهم وجلوسهم، لا يغادرونها إلا مضطرين، وإن فعلوا سرعان ما يعودون، وبودهم لو حملوا كراسيهم معهم حتى لا يستولي عليها أحد غيرهم في غيابهم، وهؤلاء لا يجدون أنفسهم إلا فوق كراسيهم، فإذا غادروها يحسون بالصغار والمذلة والدونية، لأنهم في الحقيقة ظلال وهمية، والكراسي هي من تمنحهم الوجود والمكانة.

ولو كان للكراسي ألسنة لنطقت وقالت إنها تمقت من عليها من عبدة الكرسي، وتقرف منهم، وتتمنى موتهم واختفائهم، وأنها كرهت روائحهم النتنة، وعافت قذارتهم، ولو ملكت حيلة لانقلبت عليهم وداستهم وتخلصت منهم، كما يفعل الجمل عندما يغضب من صاحبه.

وختاماً إن البعض من أصحاب المناصب لا يألون جهداً في خدمة الغير، وتسهيل أمورهم، وتقديم كل مساعدة لهم، ولا يهمهم منصب ولا كرسي، فهؤلاء تكبر بهم مناصبهم، وتعلو بهم كراسيهم، وهم أصحاب همم عاليه، ونفوس طيبة، فهم الأكرمون الذين لا يجدون من الغير إلا الحب والتقدير، وهم ليسوا موضوع حديثنا لأنهم الشرفاء الأطهار، أما من قصدت فهم الذين تعرفهم أنا وأنت ويعرفهم كل الناس، نجدهم في كل مكان وفي كل وظيفة وفي كل مؤسسة ودائرة ووزارة، هم عبء ثقيل على المجتمع، وداء وبيل يجب أن يستأصل، ومصيبة كبرى تصيب الوطن في مقتل.

mosa2x@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات