وصف وتفسير معطيات دبلوماسية ليبرمان ازاء أفريقيا !


... لمّا كانت القارة السوداء تشكل -  وما زالت – العمق الأستراتيجي العربي أو قل الجبهة وأو الحديقة الخلفية لعالمنا العربي , ظلّت القارة الأفريقية في دائرة الأهتمام لللأستراتيجية الأسرائلية منذ وجود هذا الكيان العبري السرطاني والذي لا يقر بحدود لدولته ولا لأطماعه ... لقد أسفر المخاض العالمي المضطرب آنذاك  في 15ايار عام 1948 م عن ولادة قيصرية لهذا الكيان العبري في وسط المنطقة العربية , ولم تكن هذه الولادة مفاجأة بل سبقها فترة حمل طويل حقيقي عانت وما زالت المنطقة بأسرها من ويلاتها ومن المؤامرات التي آحاطت بها , فتم زرع هذا الكيان في قلب العالم العربي بدعم ومباركة من الدول الغربية وفي غيبة الوعي والأرادة العربية أنذاك , فعجزت جيوش الدول العربية مجتمعةً عن اقتلاع هذا الوباء من الجسد العربي المتهالك .... ومنذ ذلك الوقت والمنطقة تعج بالصراعات بين هذا الكيان السرطاني البغيض من جهة , وبين دول عربية جريحة وما زالت ساحات سياسية وعسكرية وأمنية واقتصادية ضعيفة , وتمثلت جهودها أي الدول العربية الجريحة  فقط في محاولات عروبية على حصاره ومنع انتشاره والحيلولة دون توغله في الجسد العربي .... مقابل ذلك تجهد الدولة العبرية وبشكل دوؤب على كسر هذا الحصار والعمل على النفاذ داخله تارةً والألتفاف حوله تارةً أخرى ... وها هي اسرائيل الطارئة على كل شيء , تجد متنفسها في القارة الأفريقية فهي ميدان سياسي واقتصادي وعسكري واستخباري رحب نحو تحقيق أهدافها في الألتفاف حول الطوق الذي فرض عليها من الدول العربية .

لقد كانت عملية التسوية السياسية السلمية بمؤتمر مدريد للسلام عام 1991 م , قد أدّت الى تأمين هذا الكيان العبري بالمعنى العضوي والسياسي , وبالتالي أمّن ذلك لهذا الكيان تنفيذ استراتيجيته في القارة السوداء , لملء الفراغ الذي خلّفه العرب بعد وفاة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر رحمه الله تعالى .... الصورة تتغير وبسرعة الآن لغير صالح العرب والمسلمين , حيث بدأت حكومة هذا الكيان السرطاني تتسلل تدريجياً وبقوّة الى أفريقيا , عبر التعاون الأمني والفني مع بعض دول القارة , أو من خلال الروابط التجارية والأقتصادية.

فجولة وزير خارجية اسرائيل ليبرمان الأخيرة الى القارة الأفريقية تركز على دول محددة ومعينة دون غيرها في القارة السوداء, تلك الدول التي تتميز بروابطها التاريخية والتجارية والأقتصادية والأمنية – الأستخبارية مما يطرح بعض التساؤلات من طبيعة نوايا الدبلوماسية الأسرائيلية لاحقاً نحو أفريقيا من شاكلة التساؤل التالي : هل التركيز العبري سيكون على تلك الدول ذات العلاقات القويّة مع تل أبيب ؟! أم استخدام وتوظيف وتوليف هذه الدول في سياق قواعد شاملة بما فيها الأستخباري – الأمني  تتيح لتل أبيب توسيع علاقاتها الأفريقية لمنافسة دور ايران الصاعد في أفريقيا ؟!. 

تعتبر كينيا الأفريقية , الدولة التي تستضيف أكبر وأهم قاعدة استخبارية للموساد الأسرائيلي , حيث العلاقات الكينية – الأسرائلية ذات تمايز تجاري واقتصادي بسبب الروابط التجارية والأقتصادية بين اسرائيل والشركات اليهودية العالمية - الناشطة في تجارة التبغ والبن والشاي  - من جهة وكينيا من جهة أخرى  , أضف الى ذلك , توجهات مجلس الكنائس الكيني الداعم للمسيحية الصهيونية.... أمّا أثيوبيا فهي تمثل الحليف الأستراتيجي لأسرائيل و واشنطون في القرن الأفريقي , اذا ما استثنينا فترة حكم الرئيس الماركسي مانغستو هايلي مريام فقط .

وعمليات الحروب السريّة الأسرائيلية في أفريقيا وامدادات الأسلحة العبرية تكمن  وتتمثل عبر أوغندا باتجاه حركات التمرد الناشطة في جنوب السودان وشرق زائير اضافةً الى حلفاء اسرائيل في رواندا وبوروندي .... أمّا نيجيريا  فهي مهمة للدولة العبرية , كونها تمثل الدولة النفطية الأكبر في أفريقيا , اضافةً الى وجود شبكات غسيل الأموال التي تشرف عليها المؤسسات المالية العالمية اليهودية ومن تحالف معها من الشركات العالمية الأخرى ذات الطابع المسيحي الغربي , أضف الى ذلك وجود الشركات النفطية الأمريكية الأفريقية مثل : شيفرون والبريطانية مثل: كبريتيش بتروليوم الداعمة لأسرائيل .... وغانا كونها تمثل الدولة المرشحة للقيام بدور رئيسي في استضافة القيادة الأمريكية - الأفريقية  , ومؤخراً زارها الرئيس الأمريكي أوباما وأجرى سلسلة تفاهمات عسكرية وسياسية وأمنية استخبارية ناجعة وناجحة مع القيادة الغانية , لذلك تسعى اسرائيل للتنسيق مع هذه الدولة , بما يتيح لتل أبيب القيام بدور المكمل والمساند للدور الأمريكي في غانا .

والمدقق في طبيعة الوفد المرافق لليبرمان في جولته الأفريقية , يجده يتكون بشكل أساس من قادة ورموز الصناعات العسكرية الأسلرائيلية وهو مؤشر على نتائج توقيع عقود الصفقات العسكرية الأسرائيلية مع الدول الأفريقية المعنية فمتغير تجارة الأسلحة حاضر في أجندات الوزير المتطرف ليبرمان .

أمّا فيما يتعلق بمتغير تهديد الأمن القومي المصري , نجد أنّه من بين الدول التي يزورها ليبرمان , هناك ثلاثة دول تسيطر على منابع نهر النيل , فأثيوبيا تسيطر على بحيرة " تانا " التي ينبع منها النيل الأزرق , وكينيا و أوغندا تسيطران على بحيرة " فكتوريا " التي ينبع منها النيل الأبيض , وتشي المعلومات الأستخبارية أنّ تفاهمات ليبرمان مع زعماء هذه الدول تشمل ملف المنشآت المائية التي وعدت اسرائيل اقامتها عند نقطة خروج النيل الأزرق من بحيرة " تانا " ونقطة خروج النيل الأبيض من بحيرة " فكتوريا " , وهذه المنشآت هي عبارة عن خزّانات مائية ضخمة تهدف الى رفع مستوى المياه في هذه البحيرات , اضافةً الى التحكم والضبط لتدفقات مياه النيلين الأزرق والأبيض .

وتسعى اسرائيل الى استيعاب المزيد من الآفارقة ضمن دائرة النفوذ اليهودي عن طريق عمليات التبشير اليهودي التي حققت المزيد من النجاح في أوغندا وكينيا وجنوب أفريقيا , بحيث أصبح هناك عدد متزايد من اليهود الآفارقة الذين ستحاول اسرائيل خلال المراحل القادمة ليس تهجيرهم الى اسرائيل , وانما دعمهم بحيث يصعدون على سلم النخب الحاكمة في بلدانهم فتكون فائدتهم لأسرائيل أكثر نوعية وأهمية من توطينهم في الشمال الفلسطيني المحتل اسرائيل الآن  .

كما تجهد اسرائيل الى تنظيم الجماعات اليهودية في أفريقيا , مع نشر المزيد من الشركات اليهودية العالمية في القارة السوداء بما يتلائم مع قيام الأقتصاد العبري بدور قطاع الخدمات الذي يقدم المساندة لمعاملات هذه الشركات مع الدول الأوروبية والأمريكية من تقديم القروض وتنفيذ الترتيبات المصرفية وخدمات التأمين والشحن البحري .

ومن أهداف الدول العبرية أيضاً في القارة السوداء , يتمثل في عزل الدول العربية عن القارة الأفريقية بما يؤدي الى قطع الطريق أمام قيام أي علاقات عربية – افريقية حقيقية , وذلك بما يترتب عليه سيطرة الشركات الأسرائيلية على الخامات الزراعية والمعدنية والأفريقية , كذلك كسب السند الدبلوماسي الأفريقي لصالح اسرائيل في المنظمات الدولية ومحافلها وكواليسها....  ففي أعقاب حرب تشرين عام 1973 م قطعت كل الدول الأفريقية وبشكل جماعي علاقاتها الدبلوماسية مع الكيان العبري , مما جعل القارة السوداء , قارة خالية من اسرائيل نوعاً ما , وقد أثّر هذا الموقف على توازن القوى التصويتي داخل الأمم المتحدة , والآن هاهي اسرائيل تحاول جاهدةً وبكل السبل لملء الفراغ الحاصل الآن .... فكما هو معروف أفريقيا كانت لفترة طويلة واقعة تحت دائرة النفوذ الفرنسي الفرانكفوني والبريطاني الأنجلوفوني ... وبقي النفوذ الفرنسي الآن رغم تراجعه وتراجع لا بل انتهى النفوذ البريطاني لصالح النفوذ الأمريكي , والذي تسعى اسرائيل جاهدةً , لأستخدامه كغطاء تتحرك بحرية تامة تحته ومن خلاله , بما يتيح القضاء وبشكل نهائي على تقدم الثقافة العربية والأسلامية ... فحجم المخططات الأسرائلية الرامية الى انهاء ما تبقى من الوجود العربي في القارة السوداء كبيرة ونوعية , وعبر استغلال حالة الفراغ السياسي والأقتصادي والأمني الناجمة عن الأهمال الرسمي العربي لهذه القارة , لأنّه بخلاف ذلك تخشى اسرائيل  الى نشوء النفوذ العربفوني المهدد لها في أفريقيا .

* عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية *

mohd_ahamd2003@yahoo.com
 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات