إعادة الاعتبار لرمضان .. !!


ننتظر شهر رمضان كل عام، على أحر من الجمر، وفي النفس عزم وتشوق وتطلع، إلى سلوك جديد ونمط حياة مغاير وتوبة نصوح وانطلاقة صوفية، تخففنا من آثامنا وخطايانا وذنوبنا، وتعيدنا سيرتنا الأولى، كيوم ولدتنا أمهاتنا، أطهارا أبرارا، وعندما نأخذ في الاستعداد لهذا الشهر العظيم، شهر التوبة والمغفرة والطاعة والرحمة والعتق من النار، نجد اننا ننحرف الآف الدرجات عن الهدف السامي الجليل الذي عقدنا العزم على بلوغه وذلك بأن ننصرف إلى الاستعداد لرمضان بان نوفر لأنفسنا ومن نحب ونرعى أقصى درجات الراحة والرفاه والأطعمة بما يفوق مداخيلنا وبما يتجاوز حاجات أجسامنا وبما يفيض عن قدرتنا على الاستهلاك !!! ننسى في غمرة الانخراط، في بازار التباهي والتظاهر والتفاخر، وفي معمعان التزاحم والتدافع، على طوابير شراء ما لذ وطاب من فاخر الأكل والشراب، المعاني الكبرى لرمضان، والأهداف السامية التي نعرفها ونتوخى تحقيقها، فندخل في سباق لا ينتهي نحو المتع، التي من فضائل رمضان، انه يهذبنا ويمكننا من تفادي أضرارها، وتجنب الإفراط فيها، واقتطاع جزء منها وتوجيهه إلى من يحتاجونه فلا يجدونه.

نحول شهر رمضان العظيم، شهر الإنتاج والعطاء والعمل، إلى شهر قعود وسبات واسترخاء وخمول وكسل ومسلسلات، نحول شهر التوبة والمغفرة والطاعة والتضامن المجتمعي في أعلى درجاته وأرقى تجلياته، إلى شهر توتر ونزق وترصد وغضب وأنانية وعصبية بحجة أننا صائمون ومنهكون يتوجب أن تتم مراعاة مشاعرنا كما يراعى الأطفال ويدللون فلا يجوز ولا ينبغي مناقشتنا ومجادلتنا أو الاقتراب من فقاعتنا أو الدوس على ظلنا!! لقد كان شهر رمضان - وينبغي أن يظل - شهر العطاء والإنتاج والجهاد والفداء، فكثيرة هي المعارك والفتوحات التي خاضتها الأمة الإسلامية العظيمة في شهر رمضان العظيم، فمعركة بدر الكبرى كانت في رمضان وفتح مكة وفتح مصر وفتح الأندلس كانت في رمضان ومعركة بلاط الشهداء وفتح عمورية وإنطاكية ومعارك البويب وعين جالوت وكريت وهزيمة المغول قرب دمشق وغيرها، كل هذه المعارك الفاصلة التي خيضت بأعلى وتائر المشقة والكفاح والمجالدة على طريق صعود الأمة ونهضتها وفي مسيرتها لإثراء حضارة بني البشر وخيرهم وتقدمهم، كانت في رمضان.

وشهر رمضان العظيم، شهر الهدى والرحمة، الذي انزل فيه القران الكريم، يكاد لا يشابه الشهر الذي طحنا عظامه وأوغلنا فيه نعاسا وكسلا وخدرا وعصابا وتجاذبا وشجارا وطيشا، وملأناه فردية وأنانية وانغلاقا على الذات وعكوفا - على ماذا؟- على المسلسلات ما هب منها وما دب، ما كان نافعا ومفيدا ومنسجما مع قيم رمضان والهدف منه وما كان ساذجا تغريبيا مفبركا سطحيا خارجا في شكله ومضمونه عن المرتجى تحقيقه وانجازه في رمضان.

إن إعادة الاعتبار للمفاهيم الجليلة العظيمة التي ينطوي عليها شهر رمضان الفضيل العظيم، والخروج من النفق الذي ليس له أفق، نفق اللهاث خلف الإفراط والفردية والاختلالات البدنية والخمول النفسي، هو إعادة اعتبار للوعي والإدراك والذائقة الروحية والوطنية، وهو تكريس للرحمة والتضامن والخير، وإعادة الألق لوجه رمضان الناصع البهي. ذلك إننا سنظل على ثقة بقدرة هذه الأمة العظيمة الجبارة على تفكيك حزمة السلوك الخانق الذي انزلقنا إليه، والخروج على نمط وقوالب مرحلة الجمود والانحطاط والتخلف والعنف، التي عمت بلاد الإسلام، وأساءت إلى روحه ومضامينه، بحجة نصرته وإعلاء شأنه.

لا شك أن لرمضان تأثيراته الكيميائية المتفاوتة التأثير على أجسامنا، لكن الأجر دائما على قدر المشقة، ومن يجد منا نفسه بعيدا عن مستوى رمضان ومتطلباته البدنية والروحية، فقد وفر له الشارع رخصامتعددة، ولم يضع سيفا على عنقه ليصوم ويتفرغ لإيذاء الآخرين، تحت عنوان انه صائم "" روحه في خشمه "". فعبارة"" اللهم إني صائم "" تعني الكثير، تعني إنني قادر على كظم الغيظ وقادر على الصفح والتجاوز عن الإساءة وتعني إنني قادر على ضبط نفسي ومنعها من الأذى والطيش والرعونة وتعني كذلك إنني قادر على فعل الخير وقادر على قهر شح نفسي ومغالبة الإثرة واجتراح الإيثار.
(الرأي)



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات