عذرا جلالة الملك ها نحن نخيب آمالك مرة أخرى


عقب الأعلان بأن عدم توفر المخصصات حال دون تنفيذ الوثيقة الزراعية

كم كنت أمني نفسي وأنا أراقب مساعي حكومات عربية لضمان أمنها الغذائي مع قرب انتهاء الأزمة المالية العالمية، أن تستشعر حكوماتنا الأردنية الرشيدة المتوالية بأن خطرا كبيرا يحاصرنا ويتهددنا، وكنت انتظر تصريحها أو حتى تلميحا مقبولا يفيدنا بامتلاكها خطة عمل واضحة المعالم، من شأنها تأمين قوت طعام لنحو 6 مليون مواطن يعانون في الوقت الراهن من عدم وصول المياه الأساسية إلى منازلهم ومتاجرهم ومصانعهم.


بدأ الإحباط يتسلل إلى نفسي وأنا أتحسر حين أرى كيف تحولت تلك التصريحات العربية إلى مشاريع زراعية ناجحة، محاولا مواساة نفسي أو أجد أعذارا لمن لا يريدون أن يستشرفوا مستقبلا لا يحمل في طياته سوى تخوفات وهواجس ستأتي وتتحول لكوابيس تعيق التفكير، لتقض مضاجع من كان يظن بان أولي أمرهم كانوا يجهدون لترجمة رسالة سيدهم، بيد أن مخصصات مالية لم تكن كافية لترجمة تلك الرؤى العليا، وذلك بعدما ملؤا الأرض طولا وعرضا بتصريحات تفيد بمساعيهم "الحثيثة" لاقتفاء اثر توجيهات أبي الحسين بأن يكون العام الحالي مخصصا للزراعة والأمن الغذائي.

نعتذر منك يا سيدي ومولاي أبا الحسين نيابة عنا وعنهم، فلعلك توسمت فيهم خيرا ومنحتهم وسام أمانة لم يكونوا قادرين على حمله وتعليقه أعلى صدورهم، ليدفعونا لمنزلق جديد، بعدما كنا نحث الخطى لنتجاوز مصاعبنا، فيما يتقدم آخرون في مجالات كنا نباهي ونفتخر في مراحل تقدمنا إليها.

ولعلهم نسوا يا سيدي أنك قد أطلقت قبل نحو عام رؤيتك بأن يكون العام التالي مخصصا للزراعة، ولعلهم نسوا أيضا بأنك حين أطلقت هذا الشعار كنت على معرفة تامة بالإمكانات المالية المتوافرة، فكيف لهم أن يعودا اليوم ليذكرونا بنقص في تلك المخصصات فيما ينهش التصحر أراضينا تاركةً مواطننا فريسة غياب أمنه المائي والغذائي معا.

لقد دلت التصريحات الأخيرة لمسوؤلي وزارة الزراعة - والتي جاءت على مشارف نهاية الثلث الثالث من العام- لترينا كم كان القصور معتريا تعليقات الوزير وكادره حينما تعهدوا بين يديّ جلالة أبي الحسين أنهم قادرون على ترجمة رؤيته السامية بأن يكون العام الحالي مخصصا للزراعة، لنفاجئ مع قرب حلول خريف نهاية العام، بأن أموالا رصدت لهذا الشأن لم تكن ذات قيمة.

تكشف هذه التصريحات مدى وهن الثقافة المؤسسية السائدة لدى الجهاز البيروقراطي، والذي يعتقد بان حكومات حول العام تمضي في تنفيذ مشروعات من دون خطط مسبقة أو ميزانيات مقدرة، بل أن أكثر دول إفريقيا فقرا تضع في حسبانها تقديرات مالية لترجمة سياساتها وتصوراتها.

لعل الوزير وكادره يريدون أن نكون محط استهزاء الغير، أو لربما يعتقدون أن المواطنين بلغوا من اليأس درجة لا تؤهلهم للحكم على طريقة تسيير حكوماتهم لشؤونهم، ثم كيف لنا الحديث مع مستثمرين من داخل المملكة وخارجها بأن العام الحالي سيكون عنوانه الزراعة، ثم ننكص على أعقابنا ونجر أذيالنا بحجة عدم قيامنا بدراسة فروضنا الأساسية وتحديد الحاجات المالية اللازمة لتطبيقها.
لعل وضعنا الحالي بات أكثر إحراجا من ذي قبل، إذ أن عودة النمو للاقتصاد العالمي مطلع العام المقبل سيحمل في طياته تحديات جساما مثلما ستعيد الفرص من جديد، لكن ما قد سيجثم على صدورنا حينذاك سيتمثل في عودة ارتفاع أسعار السلع والمنتجات الزراعية والبذار والأسمدة فضلا عن النفط، ما قد يقوض أي احتمال يرتجى للحاق بركب آخرين استثمروا تلك الأزمة لإنجاز فروضهم قبيل عودة الاقتصاد العالمي إلى جادة صوابه.

ومن هذه القاعدة جاءت الرؤية الملكية واستشرافها لمستقبل سيحمل في طياته الكثير من التحديات، اذ كان جلالته على يقين قبل عام مضى بأن انخفاض أسعار المنتجات الأساسية من جراء الأزمة المالية العالمية، سيكون محطة لمرحلة قادمة تطوي صفحتها، اذ لن تبقى أساسيات السوق على حالها، بل أن توجيهاته أعطتنا جميعا فرصة للتحرك قبل أن تتغير المعادلات.

ولعل لسان حال سيدنا يقول إنه لا يتوجب علينا الاكتفاء بما نسبته 3 % من مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي، بل يتوجب علينا العمل بكرة وأصيلا لإعادة الاعتبار لهذه المهنة المقدسة التي كانت ولا تزال عماد الدول و أساس استقلالها.

ما تبقى من نطاق زمني قصير من العام الحالي بجب أن يحمل في ثناياه بعض المنجزات على صعيد القطاع الزراعي حتى وإن كان ذلك ورقيا على شاكلة خطط موضوعية قابلة للتطبيق السريع، وفي حال عجزت الحكومة عن تمويل مشاريعها وتصوراتها، فحريّ بها الدعوة المباشرة إلى مؤتمر يلم شمل ذوي الاختصاص والمغتربين الأردنيين في الخارج، ليسهموا في إنجاح تصورات سيدهم جنبا إلى جنب إخوتهم في المملكة.

هذا يعيدنا لبعض أرقام المقارنة، ففيما تصل تحويلات المغتربين الأردنيين لنحو ملياري دولار سنويا، فإن تكلفة إنجاح رؤية جلالة سيدنا للعام الزراعي تقتصر على نحو 160 مليون دولاراً، وفي حال اجتمع التنسيق مع النوايا والإرادة الرسمية فإن فرص إحياء المشروع ستظل قامة.

لا نقلل من أهمية الجهود التي قامت بها الحكومة عبر الوثيقة الزراعية للأعوام المقبلة، بيد أنها لن تكن كافية وناجعة لدرء المخاطر الجسيمة التي لا نأمل حدوثها في المستقبل.

وفي هذا الصدد نقترح التحضير لعقد المؤتمر الخاص بالاستثمار الزراعي والإعداد الجيد له من خلال دعوة الاكاديميين وذوي الاختصاص من القطاع الخاص وتوجيه الخطابات للمغتربين المهتمين وذلك عبر تنشيط دور السفارات الأردنية، وقبل هذا وذاك يتوجب وضع بيانات ومعلومات كافية حيال فرص الاستثمار الزراعي في السودان، بعدما وضع تحت تصرفنا الآف الدنمات لاستثمارها، وكلي يقين بأن هذا المؤتمر سيخرج بنتائج تقارب تصورات عميد آل هاشم، من دون أن نغفل أهمية حضور مزارعينا الذين اكتوت أيديهم وجباههم من قيض صيف لاهب وشتاء جائر ليوفروا لنا ما قوت يومنا بأزهد الأثمان.

لا نريد أن يكون مؤتمرا محبطا كالذي تم وأده قبل ميلاده في وقت مبكر من العام الحالي - الملتقى العربي الأول للاستثمار في الزراعة وإنتاج الغذاء- ، بل نريد الخروج بقرارات توزع الأدوار والمهام، بعد الاتفاق على الرؤى والسياسات وطرق التمويل، لنكون على أرضية صلبة بعد ذلك.

كان الأشقاء في السودان قد عهدوا ألينا 400 ألف دونم من الأراضي الخصبة عام 1997 داعين لاستثمارها وزراعتها والاستفادة منها، وحتى وإن لم تكن هذه الاتفاقية موجهة للقطاع الخاص، فينبغي على القطاع الآخر إشراك المستثمرين في الرؤى والتمويل والخبرات، فلا نريد أن نبدد أسبقيتنا في التواجد على الأراضي السودانية من أجل تجاهل طرف للآخر والتقليل من خبراته ومعارفه الفنية.

هذه الأراضي خصصت للمملكة تقديرا للجهود التي يبذلها جلالته في شتى الميادين القومية والعالمية، كما أن الأشقاء في الخرطوم حرصوا على معاملة هذه الأراضي بموجب التشريعات الأردنية الناظمة للاستثمار الزراعي، كما أنها لاتخضع للضرائب والرسوم، ناهيك عن تمتعها بوفرة مصادر المياه التي نعاني منها جميعا.

حينما نعود للوراء قليلا ونجد كيف تمكنا من القفز عن تحديات قلة مواردنا مستندين إلى همة وسواعد شبابنا، فأصبحنا منارة علمية ومرجعية طبية، فلا يتوجب علينا اليوم أن نقف مكتوفي الأيدي عاجزين عن توفير أساسيات حياتنا، ولعلنا نسينا أيضا بأن الوسائل الحديثة التي تطبقها بلدان العالم قد مكنتها من القضاء على أية أعذار قد تحول دون تحقيق تنميتها الزراعية والغذائية المستدامة.

استعمال الأدوات الزراعية الحديثة والاستفادة من الخبرات العلمية المتاحة في جامعاتنا ومعاهدنا فضلا عن إلحاق بعض شبابنا في دور الخبرة الزراعية وإجراء إعادة تخطيط شمولي لرؤانا المستقبلية لا تزال أمور غائبة تعوقنا عن المضي قدما في إقفال هذا الملف المؤرق، فيما كانت أعلام سياسية تاريخية أردنية قادرة على استشراف هذه المخاطر قبيل وقوعها ووضع الآليات اللازمة لضبط إيقاعها.

ولا بد لنا من التركيز أيضا على مسألة إعفاء المستلزمات الزراعية والتشديد على كفاءة الري واستغلال الهطول المطري الموسمي، كما يتوجب البحث عن آلية لإنشاء صندوق مشترك معني بقضية الأمن الغذائي بمشاركة مختلف الجهات الحريصة على أمن الوطن وقوت أبنائه.

رحم الله وصفي التل وهزاع المجالي، فقد كانا رجليّ دولة بحق، ولدوا من رحم أمة أبت على نفسها الاعتماد على غيرها في كسب قوت عيش أبنائها، كانت الزراعة جزءاً من فكرهما السياسي والاجتماعي والاقتصادي وقد كانا محاربين للتوسع العمراني على حساب مساحات الزراعة والأحراج، وكأنهما كانا يستشعران خطرا محدقا يتهدد بنا، وحينذاك كان التل يغرس في نفوس تلاميذ مدارس الوطن حبهم للزراعة والفلاحة وكأنه يعزف على ايقونة متكاملة عناوينها الوطنية والتعليم والثقافة والزراعة لتتشابك الخيوط منتجة نسيج مكتمل. لقد تجرعا من كأس حب الأرض وتقديسها، فقد كانا يعلمان بأن مليون شهيد جزائري قضوا على يدي مستعمر طاب له المقام في بلادهم لما يزيد على 130 عاما، لإيمانهم بأن كرامة الأرض من كرامة إنسان قضى نحبه مستمسكا بتراب موطنه، وتسألون لماذا ذكراهما تتجدد مع كل سنبلة قمح في سهول الأردن، ليخرجا مجددا مع إشعاع الشمس، ومع مواسم الزيتون في الشمال والجنوب.

نتمنى أن نلتقي جميعا على تحقيق مصلحة الوطن وأمنه الغذائي، ونتمنى أن نتكاتف لتحقيق مصلحة وطننا الغالي.



تعليقات القراء

د. فالح البدارين
اللهم هيء لسيدنا البطانة الصالحة حكومة ومستشارين ومسؤولين جادين مخلصين اوفياء يعملون من اجل الوطن الحبيب ويكونون عوناً لجلالة القائد لا عبئاً عليه امين اللهم امين بجاه هذا الشهر الفضيل. شكراً دكتور على مقالتك الجرئية والصحيحة وتحياتي لك.
08-09-2009 01:36 PM
ابو كمال الاردني
موافقة مبدئية

انا موافق يا ملك البلاد على تشكيل الحكومة الجديدة ان عهدت الي الثقة بتشكيلها
والله لاخلي هالبلد من احسن بلدان العالم من ناحية اعمال الحكومة
بس الفرصة لازم تكون كاملة
وخطة عملي هي
1:- ولا وزير ولا ابن وزير سابق سيكون بحكومة ابو كمال الجديدة
2:- ان يتم فرط مجلس الامة نهائيا وبلا رجعة وتحويل مبنى المجلس الى محكمة او قاعة استقبال او دار اوبرا سيكون افضل مما هو عليه الان سيدي
3:- ان تنال حكومتي الثقة من جلالتكم وفقط دون الرجوع الى من يشترون اصوات الناس وضمائرهم لينجحوا بالانتخابات
4:- سأقوم بتعيين النساء في الوزارات وتوزيع الحقائب الوزارية عليهم
5:- يجب على كل وزير معين جديد ان يكون فقيرا ولايملك قوت يومه حتى يستطيع ان يعرف ما معنى فقر او بطالة

لن اطيل الحديث
اذا كنت انا رئيس الوزراء القادم فساكمل خطة عملي لمصلحة الشعب وليس دائما لمصلحة الحكومة
وتحياتي
08-09-2009 02:11 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات