نفاق الشعوب العربية


ما أن تقرع آلة الحرب الإسرائيلية طبولها تهب الشعوب العربية للمظاهرات وإحراق الأعلام الإسرائيلية ورسمها على الأرض للدوس عليها ونرى وابلاً من بيانات الشجب والاستنكار إزاء تلك الهجمات، والعديد من مراكز جمع التبرعات تفتح أبوابها، لا بل وبنوك الدم تواصل الليل بالنهار لتأمين الدماء لجرحى تلك الهجمات. ويتعدى ذلك الأمر لتعلن جهاتٍ مختلفة نقابية وحزبية بتشكيل الهيئات المناهضة لإسرائيل ومؤتمراتٍ تترامى هنا وهناك لبحث تداعيات الموقف، والإعلام ينحصر ليل نهار لنقل وقائع الأحداث. علاوةً على ذلك الندوات والحوارات ومهرجانات التضامن وغير ذلك من الإجراءات.

بالمقابل إن ما يحدث في العراق وسوريا من قتل وتعذيب وتقطيع الرؤوس والصلب والجلد والرجم ودفن البشر وهم أحياء واغتصابٍ وسبي النساء وبيعهم وانتهاك الأعراض بما يسمى جهاد النكاح وتقطيع الأيادي وتدمير الكنائس والمساجد والمراقد والأضرحة وتهجير المسيحيين من بلادهم الأصلية بأبشع الصور الإنسانية ومصادرة ممتلكاتهم وسرقتها وحصار اليزيديين وقتل رجالهم .. فهل كل هذا الذي يحدث تحت راية الإسلام، راية لا اله إلا الله محمد رسول الله لا يعني الشعوب العربية بشيء، أم ربما أن العراق وسوريا خارج جغرافيا الوطن العربي ولا يتحدث سكانها اللغة العربية.

أليس هذا الذي تقوم به داعش وأمثالها اشد إجراماً وإيلاماً من أفعال الإسرائيليين .. أليس هذا يعتبر إساءة للإسلام والمسلمين يرفضه القاصي والداني ويرفضه المسيحي والمسلم على السواء.

ألا يفوق إعادة صياغة القرآن من قبل داعش تلك الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للإسلام التي نشرت قبل سنوات .. ألا يفوق التوعد بهدم الكعبة من قبل داعش حادثة إقدام قس أمريكي في ولاية فلوريدا على إحراق القرآن .. ألا يفوق تفجير المساجد والكنائس والأضرحة والمراقد من قبل داعش حوادث هدم آلاف المنازل في فلسطين وسوريا والعراق .. ألا يفوق اغتصاب الفتيات بالجملة من قبل داعش حادثة منع النساء من دخول الأقصى على يد الجنود الإسرائيليين .. ألا يفوق جزَّ الرؤوس وفنون التعذيب من قبل داعش ما قامت به القوات الأمريكية من احتلالٍ للعراق قبل سنوات .. ألا يفوق انتهاك الكرامة والشرف والعرض من قبل داعش حوادث وجرائم التحرش الجنسي في مصر .. ألا يفوق سرقة الممتلكات وسلبها وتجريد أصحابها وتشريدهم منها تلك الاختلاسات التي تحدث في الدول العربية من المتنفذين فيها .. ألا يفوق عنونة بيوت المسيحيين بحرف النون وتهجير أهلها جرائم التمييز العنصري التي عاشت ويلاتها جنوب أفريقيا قبل أن تتحرر من هذا الوباء .. أليس حرق المخطوطات في الموصل وحرق المكتبات عودة إلى زمن التخلف والرجعية .. أليست جرائم داعش تقتل براءة أطفالنا وتحولها إلى قلوبٍ مظلمة حاقدة في المستقبل وتترك في حافظة زمانهم صوراً بشعة للجريمة مما ينشئ جيلاً إرهابياً دموياً .. ألا يعد ما يقوم به عناصر داعش أشد قسوة وإيلاماً مما قام به الرئيس التونسي زين العابدين بن علي بحق شعبه .. ألا تعتبر حركة داعش أكثر ظلماً من إدعاءات الشعوب واتهاماتها لرؤسائهم بالظلم وممارسة الديكتاتورية تجاه شعوبهم كما هو الحال في مصر وليبيا واليمن وسوريا .. ألا يعني تفتيت الدول العربية إلى ولايات بحسب داعش أكثر وقعا من تقسيم السودان إلى شمالي وجنوبي .. ألا تفوق بشاعة مشاهد الإرهاب المصورة على قنوات اليوتيوب ذلك الفلم الذي أساء لرسول المسلمين.

لعل هناك من يهتف لتلك الدولة الإسلامية فرحاً بإعلانها ولكنه لا يدرك خطر التغني إلا بعد أن يقتل أبنائه وتسلب أملاكه وتنتهك أعراضه ... لن يدركون انحطاط تلك الدولة إلا بعد أن تطلب منهم تسليم زوجاتهم وبناتهم إلى جهاد النكاح لإمتاع المجاهدين. فلتخسأ تلك العروبة التي ننظر إلى انهيارها ونحن مكتوفي الأيدي لا ضمائر تحركنا ولا مشاعر تهزنا ولا أحاسيس تقشعر لها أبداننا ... فلتخسأ العروبة التي تعتقد أن الحرية هي أن تفعل ما تشاء وقت ما تشاء وكيفما تشاء.

النفاق وصل حدا كبيرا لا يغتفر عند كل من الجهات الرسمية ومواطني الدول العربية ... وكأن في ذلك رسالة مفادها بما أن الدولة الإسلامية تقتل من هم على غير دين الإسلام أو على غير المذهب السني فهذا جزاء عادل لهم، ولا يعلمون أن الدين لله ولا إكراه في الدين. رغم كل تلك المجازر الإرهابية والإبادة الجماعية التي تمارسها داعش على الأراضي العربية في سوريا والعراق ما زالت ردة الفعل الرسمية والشعبية لا تليق بالعروبة ومزاعمها ... وفي ظل هذا الصمت يتمدد الخطر ويتسع.

المشكلة الأكبر أن الشعوب العربية تنتفض للصغائر وإن كانت كبيرة الوقع ويتركون كبائر الأحداث، تنتفض الشعوب العربية زرعاً للحقد والكراهية بين الناس ويتحدثون عن الشعوب الغربية ذات الحضارة، يتحدث العرب عن سلوكيات ومثاليات ولكن أفعالهم لا ترتقي مجرد ثرثرة فقط، عقولٌ خلت من الفكر واستطلاع المستقبل والحضارة، قلوب خلت من المحبة والرحمة، حياتهم تخلو من السلام، يستبدلون السلام بالحقد والدم .. نعم فلتخسأ العروبة.




تعليقات القراء

الاجرام الاسرائيلي اشد
اعمال داعش اجرامية و ارهابية.
ولكن لا جرم يفوق اغتصاب اسرائيل لفلسطين و تشريد اهلها والتنكيل بهم.
18-08-2014 12:41 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات