إضراب المعلمين


التذكير بنصيحة العلامة الحلبي في إضراب المعلمين الأخير

في الإضراب السابق لنقابة المعلمين كان علّامة الشام شيخنا الحلبي – حفظه الله – قد توجه بنصيحة شرعية غالية ، وكلمات علميّة عالية لإخوانه المعلمين المضربين عن تدريس الطلبة كوسيلة في خلافهم مع الدولة بسبب بعض المطالبات المادية ؛ رأيتُ اليوم التذكير بها لمناسبتها المقام ؛ إذ النقابة قد باشرت إضراباً جديداً يفتح صفحة أخرى من المجادلات والمشكلات بأنواعها ، وكان مما قاله شيخنا :

" إنّ بيان الأحكام الشرعية المترتبة على الناحية التربوية والتعليمية من جهة ما يجب على معلمي المدارس نحو طلبتهم – أداءً أو امتناعا – هو الأصل والأساس في إصلاح المجتمع والناس: كما قال – تعالى – { ... وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض }

وابتداءً، فإني أعلم – جيدا – أن الاسم القديم – في بلادنا – لـ ' وزارة التربية والتعليم هو (وزارة المعارف) وكلمة (المعارف) – وحدها – ها هنا – لا تعطي البعد التربوي المطلوب من الدور التعليمي المرغوب، فلقد أحسن – جدا – إذن – من غير تلك التسمية القديمة: (وزارة المعارف) إلى هذه التسمية الحالية: (وزارة التربية والتعليم) وأحسن أكثر في تقديم (التربية) على (التعليم) لما تتضمنه من معنىً أخلاقيٍّ دقيق ونهج سلوكيٍّ أنيق.

ويكفينا – ثمة – التنبه والتنبيه إلى وصف الرسول – صلى الله عليه وسلم – نفسه – في هذا الحديث – وصفا قائمًا – دائمًا – بـ' المعلم '، فيالها من وظيفة عالية ومهمة سامية ومهنة غالية ؛ لو أعطيت حقها وأديت على وجهها ! ؛ فالمعلم قدوة لتلاميذه وأسوة لطلابه يتشربون منه محاسن الأخلاق وينتفعون منه بمكارم الآداب وليست القضية – فيما هو قائم به – مجرد وظيفة – أي وظيفة – تؤدي ومقابل أجرة مالية تعطى ! '

ولقد اخبرنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بوحي من ربه – تعالى – عما يشبه هذه الحال – فيما لو كانت مطالب المعلمين حقا خالصا ! فقال – صلى الله عليه وسلم – في الحديث المتفق على صحته – عن ابن مسعود – رضي الله عنه - : " ستكون أثرة وأمور تنكرونها ' قالوا : يا رسول الله ! فما تأمرنا ؟ قال : " تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم " ؛ فقدّم النبي – صلى الله عليه وسلم – (الحقّ) الذي انتم مطالَبون به : على (...) الذي انتم تطالبون به! فلماذا تجعلون أنفسكم – أيها المربون – رعاكم الله – بامتناعكم هذا !! – قدوة غير حسنة ولا صالحة لطلابكم وأبنائكم ومجتمعكم؟! فضلا عن مخالفة هدي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الشريف وأدبه اللطيف؟!

ألا فلتؤدوا الحق الذي عليكم ولتسألوا ربكم – سبحانه – الذي لكم ؛ ولتسيروا – لتحقيق مطالبكم – وفق طريق منضبط ؛ لا يخالف شرع ربكم ( إن كنتم مؤمنين) وقد روى الإمام ابن ماجة في ' سننه ' عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – عن الرسول الأعظم – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: " لا ضرر ولا ضرار " فأي ضرر تربوي وأي اثر سلبي نفسي وأي تأثير منعكس تعليمي : أكثر من أن يرى الطلاب معلميهم معرضين عنهم غير مقبلين إليهم ؛ تاركين أداء رسالتهم السامية الكبرى من اجل المصالح الشخصية الصغرى؟!

قلت : هذه الكلمات التي باشر بها شيخنا إخوانه المعلمين عقب امتناعهم ( إضرابهم ) عن التدريس ؛ وهي - على اختصارها – ذكية في التأصيل والتأسيس ؛ لا لبس فيها ولا تلبيس ؛ ولا يستخلص منها حجة أو أساس لمن زعم وتوهم وأوهم بأن فيها شيئاً من ( التسييس ) !

وبيان هذا :

أنّ شيخنا العلامة الحلبي – نفع الله تعالى بعلمه – أراد توجيه فكر المعلمين - أو من هم على الإضراب قائمين - إلى أصول شرعية دقيقة تتعلق بحفظ المجتمعات المسلمة ودرء المفاسد عنها ؛ وهذه الأصول مستقاة من نصوص ثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ ذكر منها الشيخ – حفظه الله تعالى – اثنين ؛ هما مدار خطابه ونصحه وتوجيهه .

فأما الأول : فهو حديث عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه - عن النبي – صلى الله عليه وسلم أنه قال : ' إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها ‍قالوا : يا رسول الله ، فما تأمرنا ‍قال : تودون الحق الذي عليكم ، وتسألون الله الذي لكم' وهو حديث اتفق عليه البخاري ومسلم .

والأثرة : هي الإنفراد أو الاستئثار بالشيء عمن له حق فيه ؛ على قول أهل العلم ؛ والحديث من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم ؛ فإن ما أخبر به قد وقع من بعض الأمراء والسلاطين والولاة و ( المسؤلين ) ، فانفردوا بحق المسلمين من المال وأسرفوا على أنفسهم في مأكلهم ومشربهم وركوبهم ؛ وغيره من المنكرات .

فبما أمرنا النبي – صلى الله عليه وسلم – عند وقوع ذلك ؟ قال : ' تؤدون الحق الذي عليكم ' ؛ قال أهل العلم : يعني : لا يمنعكم استئثارهم بالمال عليكم أن تمنعوا ما يجب عليكم نحوهم من السمع والطاعة وعدم الإثارة وعدم التشويش عليهم ، بل اصبروا واسمعوا وأطيعوا .

قلت : هذا الأمر النبوي مع من ينفرد بالحق أو المال دون اعتراف منه ؛ فكيف بمن ( يقرّ ) لك بحقك عنده ؛ فيعطيك جزءاً منه ثمّ ( يرجوك !! ) إمهاله لتأدية ما تبقى ؟ هل تتسلط عليه بما لا يستطيع دفعه ؟ ! ، وأقصد – هنا – : الامتناع عن تدريس الطلاب ؛ كوسيلة ضغط فاعلة نتجت عن العلم المسبق أن لا بدائل ولا حلول بيد الطرف الآخر للصعوبة البالغة التي تصل حد الاستحالة !! .

ثم هناك تتمة للتوجيه النبوي الكريم وهو : ' وتسألون الله الذي لكم ' أي : اسألوا الله أن يهديهم حتى يؤدوكم الحق الذي عليهم لكم .

وثمة أمر آخر ألمح إليه شيخنا الحلبي – حفظه الله تعالى – ينبغي الاهتمام به ؛ وهو ما ينجم عن الفعل تأديةً وامتناعاً من آثار ٍتكون هي علّة الحكم على ذلك الفعل صحّة ً أوخطأً .

ويبيّنه الحديث الثاني : وهو حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : ' لا ضرر ولا ضرار ' ، رواه ابن ماجة في ( السنن)

وذكر اللفظين ( الضرر والضرار ) في الحديث يقتضي وجود فرق بينهما ؛ وأقوال العلم ها هنا كثيرة ؛ وأقربها أن يقال : ( لا ضرر ) بمعنى نفي الضرر عن الأحكام الشرعية ؛ فليس فيما شرعه الله تعالى إلا ما فيه نفع ومصلحة للناس ؛ وقوله ( ولا ضرار ) نهي ٌ للمكلفين عن أي فعل ( تأدية وامتناعاً ) يترتب عليه إلحاق الضرر بالآخرين حتى بعد موتهم ؛ على تأصيل علمي مفصل .

ومن أهل العلم من قال في معنى الحديث : أي : النهي عن أي فعل يترجح وقوع الضرر بسببه ؛ سواء كان وقوع هذا الضرر على المكلف نفسه ؛ أو على الآخرين .

ورأيت الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله تعالى - يذهب في التفريق بين اللفظين إلى كون الضرر بغير قصد وأن الضرار يكون بقصد ؛ فلا يترتب على الأول عقوبة مع وجوب رفع الضرر ، ويترتب على الإضرار العقوبة مع وجوب رفعه .

وفي كل الأحوال فإن الحديث ينهى عن إلحاق الضر بالآخرين بأي فعل ولو كان فيه مصلحة آنية ذاتية بناءً على قاعدة أصولية جليلة تقول : ( درء المفاسد أولى من جلب المصالح ) ؛ فقال الشيخ الحلبي : "

فأي ضرر تربوي وأي اثر سلبي نفسي وأي تأثير منعكس تعليمي : أكثر من أن يرى الطلاب معلميهم معرضين عنهم غير مقبلين إليهم ؛ تاركين أداء رسالتهم السامية الكبرى من اجل المصالح الشخصية الصغرى؟"

أسأل الله العلي الكريم أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ؛ ومن الذين يقبلون الحق ويرضون به ، وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد ٍ وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه وسلّم تسليماً كثيراً .



تعليقات القراء

اخي الكاتب
كلامك في تقصير المعلمين نحو طلابهم صحيح ومطالبنهم بعلاوة ثانية غير صحيح فقد سيق واخذوا علاوة ثم ان البلد مدينة وهم يتعللون باهمية مهنتهم وكل المهن مطلوبة ومهمة ورواتب الموظفين ليست باعلى من رواتبهم
17-08-2014 08:18 PM
معلم حكومي
شيخنا المفضال سعيد النواصره



وأنت زميل لنا في المهنة وهذا شرف لنا فإننا أمانة لا نرضى بالإضراب وسيلة لتحقيق مطالبنا التي نرى قسماً كبيراً منها حق لا يختلف فيه اثنان ، نتمنى لو كانت نقابة المعلمين ترجع إلى أمثالكم من أهل العلم قبل القيام بأي تحركات فديننا لا يجعل الغايات مبررة للوسائل ومحللة لها ولكن أسمعت لو ناديت حيّاً

تحية لك شيخنا وزميلنا الحبيب وكثر الله من أمثالك

أخوك أبو ساره
18-08-2014 09:08 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات