تداعيات السلوك الأمريكي في استهداف روسيا الفدرالية !


الفدرالية الروسية تتعامل بشكل حذر للغاية مع موضوع الملف النووي الأيراني , حيث تدرك موسكو بأنّ صعود قوّة ايران سوف يدعم جهود روسيا الفدرالية في ملفات منطقة آسيا الوسطى , منطقة القوقاز بشكل خاص  , منطقة الخليج... مما يردع تمدد نطاق خطر التهديد الأمريكي ... بمقابل هذه الأدراكات مجتمعةً , تعتقد موسكوأنّ التمادي وبثبات الى آخر الطريق في دعم القدرات النووية الأيرانية قد يؤدي الى تحول الأوروبيين  باتجاه المساندة القوية لواشنطن حيث يؤدي ذلك الى تحالف أمريكي - أوروبي ليس ضد ايران وحسب وانما ضد الفدرالية الروسية , وعليه قد تفقد موسكو فرصة بناء الروابط مع بلدان غرب أوروبا وهي الروابط التي يراهن عليها الروس باعتبارها أفضل الوسائل الناجحة لجهة ابعاد دول الأتحاد الأوروبي عن هيمنة الولايات المتحدة عليها .

المتابع لمسار موضوع الملف النووي الأيراني حالياً يرى أنّ هناك تطورات دراماتيكية,خاصةَ بعد تصريحات الرئيس أوباما الأخيرة , والتي تزامنت مع تصريحات لوزيرة خارجيته هيلاري كلنتون , حيث آفادت من خلالها بأنّ واشنطون تدرك جيداً أنّ المفاوضات مع ايران سيكون مصيرها الفشل , وبأن أمريكا قد أعدّت العدّة لجهة المضي قدماً في مخطط عدم السماح لأيران بامتلاك القدرات النووية عبر وسائل سياسية – دبلوماسية براغماتية , تشي المعلومات الأستخبارية بأنّها ستكون بمضامين عسكرية تطبق في حالة الفشل في انهاء الطموحات النووية الأيرانية العسكرية ... من الزاوية الأمريكية - الأسرائلية. 

يعتقد الكثير من خبراء السياسة الدولية وخاصةً المختصين في حقيقة تطور مسار العلاقات الأمريكية – الروسية , أنّ موسكو تسعى لوضع خارطة طريق خاصة بها لمجمل تطورات الأوضاع الدولية المختلفة وفي ثنايا علاقات موسكو مع واشنطون من جهة الملف النووي الأيراني  بما يضمن مصالح الروس اقليمياً ودولياً .

من جهة أخرى يعتقد فريق آخر من الخبراء والباحثين في مجمل العلاقات الروسية بما فيها الأمنية , أنّه من اهداف زيارة أوباما الأخيرة الى موسكو عدّة أهداف غير معلنة منها توتير علاقة الرئيس ميدفيدف مع رئيس الوزراء بوتي ...ومن شأن ذلك اشعال الخلافات الرئاسية الروسية مع مؤسسة رئاسة الوزراء , ثم نقل عدوى هذه الخلافات داخل الدوما الروسي البرلمان وفي مؤسسات الحزب الحاكم ولجانه وصولاً الى توتير الرأي العام الروسي بعبارة أخرى العمل على فوضى خلاّقة من نمط أمريكي آخر .... فمقابل طلب موسكو واصرارها  في ابتعاد واشنطون عن دعم أوكرانيا ودعم جورجيا وبالتالي توقف أمريكا عن العمل على ضمهما الى الناتو  , وعدم نشر الدرع الصاروخي الأمريكي في اطار المجال الحيوي الروسي – الأمن القومي.... هناك  طلب  أمريكي في ضرورة ابتعاد موسكو عن دعم ايران ..وتقول المعلومات الأستخبارية بأنّ تفاهمات ميدفيدف - أوباما كانت في طريقها الى التطبيق , لولا تصرفات سياية حكيمة وذكية من بوتي , والذي تصرف كما وصفته تقارير استخبارية لوسائل الميديا العالمية , كتصرف لاعب الشطرنج الماهر , وذلك عن طريق القيام بتحركات تكتيكية ذات أفق استراتيجي بالتفاهم مع الرئيس ميدفيدف بشكل غير مباشر على رقعة شطرنج المسرح الدولي.

فمن زيادة الحشود العسكرية وعمليات التعبئة الحربية في منطقة القوقاز الشمالي المواجهة للحدود الجورجية – الروسية , اضافةً الى تعزيز قدرات القوات الروسية المتمركزة في اقليمي أوسيتا الجنوبية وأبخازيا .... الى تصعيد التحركات العسكرية في المناطق القريبة من أمريكا وحلفاءها الغربيين الرئيسيين ,منها تصعيد عمليات تحليق الطائرات الحربية الروسية في أجواء القطب الشمالي , وانزال بعض عناصر القوات الخاصة الروسية في مناطق القطب الشمالي , ثم ارسال الغواصات الأستراتيجية الروسية الى المناطق القريبة من سواحل أمريكا الغربية .

.... فالتحركات التي قام بها لاعب الشطرنج السياسي الروسي الحكيم بوتي , لم تؤدي فقط الى اجهاض أحد أهم أهداف زيارة الأوباما البراغماتي لموسكو .... لا بل أدّت وبكفاءة عالية الى رفع مخاوف الواشنطون نحو احتمالات أن يؤدي التمادي الأمريكي بثبات في استهداف روسيا الى نجاح الأخيرة في تحقيق ابعاد ألمانيا عن واشنطون , ثم تعزيز الروابط الأقتصادية الروسية – الألمانية بما يفسح المجال لأبعاد ألمانيا عن بقية دول الأتحاد الأوروبي , وعليه فانّ بقية دول الأتحاد الأوروبي لن تستطيع فك الأرتباط مع الأقتصاد الألماني النافذ في أوروبا , لذلك سيكون أمام هذه الدول الأوروبية السير باتجاه واحد وهو : السير بخطى ثابتة وراء قاطرة الدبلوماسية الألمانية الداعمة لدبلوماسية موسكو وهذا يعني طلاق بين دبلوماسية الأتحاد الأوروبي ودبلوماسية واشنطون , ويعتقد أنّ مباحثات ميركل الأخيرة مع ميدفيدف في سوتشي على البحر الأسود يوم الجمعة الماضي رسائل روسية – ألمانية بكافة الأتجاهات .

وتتخوف واشنطون ايضاً من سياسات تماديها في استهداف روسيا , أن يؤدي ذلك الى تكثيف الدعم الروسي للقدرات النووية الأيرانية , وضم ايران وبشكل نهائي الى عضوية منظمة تعاون شنغهاي كمنظمة اقليمية مؤثرة في منطقة دول آسيا الوسطى , وهو الأمر الذي سيقضي على تفعيل أي عقوبات دولية ضد طهران , كذلك الى الأفشال النهائي لسيناريو الضربة العسكرية لأيران سواءً كان أمريكياً أو اسرائيلياً كأسوء الأحتمالات .

سياسة الفدرالية الروسية المتبعة حيال موضوع الملف النووي الأيراني بشكل خاص تشي الى عمل متوازن , فهي من جهة تعتمد السلوك المعلن لجهة التعاون مع المجتمع الدولي  من أجل عدم السماح لطهران بامتلاك القدرات العسكرية النووية .... وفي ذات الوقت والظروف تعتمد السلوك غير المعلن لجهة مساعدة استراتيجية كسب الوقت التي تطبقها طهران حالياً وبنجاح تام .... فموسكو تقوم بتوزيع أدوار قادتها الحكماء فهي لاعب دولي يفرض نفسه بقوّة , فمنهم من يتقن الصيد فهو صيّاد ماهر وآخر يقوم بدور لاعب الشطرنج الماهر والذي يجيد المناورة بين الأستراتيجي والتكتيكي عن طريق تحريك القطع هنا وهناك فيما وراء الخطوط المختلفة على مساحات شطرنج المسرح الدولي  ! .

عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية

mohd_ahamd2003@yahoo.com

 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات