في الذكرى الثانية والستين لثورة 23 يوليو المصرية


الذكرى الثانية والستين لثورة 3 يوليو لا تهم القوميين العرب فقط، بل ان هذه الذكرى تعني الامة العربية بمختلف قواها الشعبية والنضالية من قوميين ويساريين وحتى القوى الاسلامية المنحازة لامتها، والمعادية للاستعمار واعوانه في المنطقة.
فعبد الناصر ورفاقه في النضال ادركوا تاريخيا ومن خلال معاناة الواقع المرير ضرورة الوحدة، وادركوا في نفس الوقت ضرورة النضال ضد الصهاينة واهدافهم الاستيطانية، كما ادركوا طبيعة التحالف بين الاستعمار والصهاينة واعوانهما في التآمر على الامة العربية.
هذا التوجه الوطني جسدته التجربة الناصرية عمليا من خلال المعارك التي خاضها العرب، وخاصة المعارك التي انخرطت فيها مصر بقيادة عبد الناصر،( معركة السويس 1956، التصدي للأحلاف الاستعمارية كحلف بغداد 1955، ومشروع ايزنهاور 1957، ودعم حرب التحرير الوطني الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي 1954- 1962، وحرب اليمن 1962، وحرب حزيران 1967، وحرب الاستنزاف 967 - 1970.
لذلك لا نستطيع ان نفهم اليوم ذكرى ثورة يوليو خارج الموقف النضالي الميداني الناصري المقاوم للتآمر العدواني الخطير الذي يستهدف هذه الامة من قبل التحالف بين الاستعمار والصهاينة واعوانهما من حكام الخليج ومشيخات النفط والغاز.
وعلى اللذين يدركون اهمية هذه التجربة في التاريخ العربي الحديث وقيمتها في تاريخ الحركة القومية والوطنية التحررية، وسعيها الى التخلص من العبودية والاستعمار، والتصدي لنهب خيرات الشعوب، عليهم ان يتصدوا لاستغلال شعارات الاصلاح الاجتماعي والديمقراطي والاقتصادي التي يحتاجها الانسان العربي اليوم فعلا، وتوظيفها تحت عنوان "الثورات الملونة"، والشرق الاوسط الجديد من اجل اعادة رسم خريطة العالم، والا يقعوا في الكمين الاستعماري الذي ينصب للقوى الساعية للكرامة والعدالة والقضاء على الفساد السياسي والاقتصادي، تحت عنوان الدمقرطة الموجهة استعماريا، للسيطرة على مفاصل الحياة العامة لأوطاننا، والتغلغل داخل كل مجالات المجتمع تحت عناوين ديمقراطية ومدنية على مقاييس المستعمر ووفقا لمصالحه.
وعلى الوطنيين اللذين يحترمون تلك التجربة ادراك خطورة هذا المشروع الاستعماري، والتنبه لمخاطر مشاريع الفتنة، بتفتيت نسيج الامة الاجتماعي بعناوين طائفية واثنية ومذهبية وعشائرية. وعليهم التجند لإسقاط الاقنعة عن وكلاء الاستعمار، وفضح الماجورين وصفقاتهم المتاجرة بالأوطان وقضايا الامة. وعليهم ان يشهروا سلاح الفكر والعقل لتفكيك رموز وادوات ما يسمى ب "الربيع العربي"، والتنبه الى طبيعة هذه الخديعة التاريخية غير المسبوقة.
تلك هي رمزية عبد الناصر، فأينما وقفت امريكا وقف ضدها ( اذا رضيت عني امريكا اعرف انني اسير في الطريق الخطأ). ان العرب اليوم في لحظة فارقة وخطيرة، وهم مرة اخرى في حرب وجود مصيرية بوسائل مختلفة، فبعد ان كان العدو يحاربنا خلال معاركنا التاريخية معه بعتاده وقواه وجيوشه، نجده اليوم يقاتلنا باياد "عربية" مأجورة، يجيش لها اعلام "عربي" ماجور، وترعاها حكومات ومشيخات بالوكالة عن الاستعمار.
فاذا لم يقف انصار توجهات عبد الناصر بقوة مع سوريا التي احتضنت المقاومة طيلة عقود، وهي تدعمها سياسيا وماديا، فقد خانوا عبد الناصر، وتخلوا عن مبادئه التحررية، ووقفوا في المكان الخطأ. واذا لم يقفوا مع الجزائر احتراما لتاريخ احمد بن بلا وجيش التحرير الوطني الجزائري، وعلاقته الوطنية والقومية بتجربة عبد الناصر، فليس هناك معنى لانتسابهم الى تلك التجربة الرائدة في تاريخ امتنا. ثم اذا سلموا في السودان لفائدة مشاريع التفكك والتقسيم، وتركوا كل الاقطار المغدورة بعناوين الدمقرطة والرخاء الامريكيين، استغلالا لمعاناة الانسان العربي وحاجته للإصلاح السياسي والاقتصادي، فقد خانوا ايضا مبادئ عبد الناصر الوطنية.
واذا وقف انصار التجربة في المكان الخطأ، وتحولوا الى حركة سياسية غبية خادمة عن قصد او عن غير قصد مخططات الاستعمار و مشروع الشرق الاوسط الجديد، الذي حول المنطقة الى ساحة لتجارة الموت من اسلحة وارهاب ومخابرات وتدريب ومرتزقة، وحولها الى ساحة لجرائم قتل وهابية وقطرية، فعبد الناصر منها براء، وليست من الناصرية في شيء.
ومن لا يدافع عن الشام وليبيا والعراق وكل الاقطار العربية المستهدفة بالتفكيك والتدمير وزرع الفتنة، ولا يقف في مواجهة الناتو والاستعمار، ولا يكشف حقيقة ربيع اوباما ونتنياهو، لا يستطيع ان يكون امينا على شرف التجربة الناصرية.
وتبقى فلسطين التي عاش ومات من اجلها قائد ثورة يوليو، والتي اعتبر الصراع مع العدو الصهيوني من اجل تحريرها صراع وجود وليس صراع حدود، وان ما اخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة. ونحن نرى في الذكرى 62 لثورة يوليو دماء الشعب العربي الفلسطيني في غزة تسيل، بفعل القصف الوحشي للطائرات الصهيونية استمرارا لحملة الابادة لهذا الشعب، وامتنا العربية في سكون، وحكامها في مجون.
كانت غزة الشمعة التي اضاءت لجمال عبد الناصر طريق ثورة يوليو، تلك الثورة التي اختمرت في مخيال زعيمها ابان حصاره في "الفلوجة" بقطاع غزة، حين سارع الى نجدة فلسطين خلال حرب عام 1948، فرأى الخيانة والتآمر التي انتهت بنكبة فلسطين، فكانت غزة الشمعة التي اضاءت لثورة يوليو فعلها الثوري.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات