بين ومضتين


لم اكن لأواظب على الذهاب صباحا إلى المستشفى فانا أثق بطاقم ممرضي المدينة الطبية كما أنني لم اذهب البارحة الى سحاب فانا اعرف حجم الحماس الذي قد يبديه الأوفياء في إضافة كميات مناسبة من التراب في الحفرة المعدة لاستقباله ولم يكن الحزن العادي هو المانع من ممارسة عيادة مريض او الاشتراك بوقار في جنازة لصديق أضاعني بمحض إرادته واضعته بخبث وربما تم الامر كله بتواطؤ مزدوج، فهو سخر من وقار مفتعل حاولته ولم اكن لاجيده وانا مللت من اللهاث خلف اللاجدوى.

هل يليق بان اتحدث عن قامة هي الان لا تستطيع تكذيبي ان كذبت؟ الله يشهد انني احببتة اكثر من اهلي لكن المسافة بين القامات شاسعة بحيث اخجل من ترداد ذكريات مشتركة بعضها لا يعرفه غيرنا..

انا لا ابكي الميتين بل ابكي الاحياء وربما ابكي سنين اضعتها في البحث عن عشبة الخلود ... وانا هنا لا ادعي انني انكيدو فجلجامش الساكن سحاب يوحي بذكاء مفرط لكل من صادفه ولو لبرهة بانه سيصبح بصورة ما انكيدو..

سبقني الى بطن الحوت شاب اسمه عماد، لكنه خرج كما خرج يونس، فمكثت ردحا من دهشة افكر في اسباب خروج ذلك الفنان من بطن الحوت، فالجوف اغراني للمكوث فيه زهاء الخمسة اعوام لم اشعر سوى بقليل من الملل الذي يصاحب عادة السائر في زقاق مخيم وانا البدوي الذي كانت الصحراء ملء عينيه لكن الزقاق ارحب وحواف السيل اكثر سموقا حين تكون برفقة العاصفة .

سأبتعد مسافة مناسبة لاحكي عن هوية الذي مضى : كان كركيا اكثر مما ينبغي وفلسطينيا باشد ما تستطيع الجمرة ان تأخذ من راحة اليد كان يسخر من خطب التأبين ويزدري الحزن على الذاهبين فارتبك في الذي يرضيه.

مرة قال لي : لماذا كل الاعلام ترتفع وتهبط عموديا الا العلم الفلسطيني الذي كان يذهب افقيا ( كناية عن جثامين الشهداء الملفوفة بالعلم السائرة في الجنازات في شوارع المدن الفلسطينية).

هي ومضة اشعلت الصحافة الاردنية زهاء العقدين ثم مضت كزوبعة صحراوية الى جهة غير معلومة .. كم جنازة مرت بين موت عرار والبارحة حين دفن طمليه وكم قلم فاض حبره بين العشيات و الجولة وكم قصيدة او قصة كتبت بين الومضتين ، هل تذكرون؟



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات