من عظمة الأمة ألب أرسلان .. و معركة ملازجرد
...... يعد الإمبراطور البيزنطي ( رومانوس ديوجانس ) الملقب برومانوس الرابع من أشهر أبطال زمانه ، و أعظمهم قدرا ، وقد جمع جيشا عظيما زاد في أقل الروايات عن (200) ألف مقاتل عندما علم بوجود ألب أرسلان بمدينة ( خونج ) في أذربيجان, وهي من المناطق الخاضعة لسلطان ألب أرسلان, وقد تقدم رومانوس بجيشه إلى ملازجرد ( 463 هـ ) لملاقاة أرسلان ومفاجأته, و كان يعتقد أن هذه الموقعة هي صيد ثمين ، و فرصة ذهبية لإبادة جيش المسلمين عن بكرة أبيه, والقضاء على السلطان ألب أرسلان الذي لم يكن مستعدا لملاقاة هذا الجيش الكبير, حيث كان حينها يتنقًل بين الولايات الخاضعة له. و كأني بأبيات المتنبي وهو يقول :
أتوك يجرون الحديد كأنهم سروا بجياد ما لهن قوائم
خميس بشرق الأرض و الغرب زحفه و في أذن الجوزاء منه زمازم
أما جيش أرسلان فقد كان تعداده ( 15 ) ألف مقاتل، و لم يتمكن أرسلان في حينها من جمع عساكره لقربه من العدو أولا, وبعده عن مركز عاصمته ثانيا. فماذا سيفعل أي قائد عسكري لو كان مكان ألب أرسلان، و كيف سيدير المعركة ؟ من المؤكد أنه في موقف لا يحسد عليه !؟ كما أنه وفي معايير هذا الزمان سيعد انتحارا, أو مغامرة غير محسوبة ستؤدي به وبجيشه إلى الهلاك, لكن وبفضل الله لم يكن في ذلك الوقت وسائل إعلام تهدً من عزيمة القائد وجنده.
حكم ألب أرسلان (ويعني اسم ألب أرسلان الأسد الثائر وهو الاسم الذي اكتسبه من مهاراته في القتال وانتصاراته العسكرية). قرابة العشرة أعوام ( 455 – 465 هـ ) ( 1063 – 1072 م ) ، بعد وفاة عمه السلجوقي ( طغرلبك ) ، ويعود نسب السلاجقة إلى زعيم تركماني من قبائل الغزّ يدعى ( سلجوق ) وهم قوم رحّل تحدروا من سهول ( كريغر ) في تركستان ، فاستقروا هناك ، و اعتنقوا المذهب السني و نصروه بغيرة و حماسة .و قد امتدّ سلطانهم من أقاصي بلاد ما وراء النهر إلى أقاصي بلاد الشام ، و دامت فترة حكمهم من ( 447 – 656 هـ ) ( 1055 – 1258 م ).
كما كان لهم مواقف عظيمة في تاريخ حكمهم؛ من حماسة للدين ونصرة له, كما حاربوا الفاطميين عندما احتلوا بغداد واعتقلوا الخليفة العباسي في ذلك الوقت لمدة عام تقريبا, حيث قام طغرلبك بتحريرها منهم, وأعاد الخليفة العباسي للحكم.
وقد وصف ابن الأثير ألب أرسلان بأنه: كريم عادل عاقل رحيم القلب مقرا بنعم الله عليه ، و كان يتصدق على الفقراء لا سيما في شهر رمضان و لم يعرف في عهده وقوع جناية أو مصادرة ، و كان يكتفي بجمع الخراج مرتين تيسيرا للمزارعين ، و قد عرف بحسن السمعة ، و المحافظة على العهود ، و كان ألب أرسلان حريصا على ردع جنده و كفّهم عن أخذ أموال الرعيّة ، و قد بلغه أن بعض خواص مماليكه سلب إزارا ، فأمر بالمملوك فصلب ، و كان ذلك رادعا للناس عن التعرض لمال غيرهم .....
و عندما بلغ السلطان ألب أرسلان خبر الإمبراطور رومانوس الرابع و جيشه العرمرم ، وحين أدرك أن قوته أقل بكثير من قوة الرومان ، أرسل إلى خصمه يطلب منه المهادنة ، فرفض ( رومانوس ) ، فهي بالنسبة له فرصة ذهبية, و صيد ثمين لا يمكن لأحد أن يضيعه, فكان لا بد من اللقاء .
فلما كان يوم الجمعة صلى السلطان ، و لبس البياض ، و تحنّط ، و خطب في الناس و قال : " إن قتلت فهذا كفني " . فزحف إلى الروم بجيشه القليل, و بقلوب لا أمل لها بالحياة، و حمل عند اللقاء حملة من لا يرجو عودة، فإما النصر وإما الشهادة.
فإما حياة تسر الصديق....... وإما ممات يغيض العدى
فانهزم الروم هزيمة شنعاء نكراء ، بل و أكثر من ذلك فقد تم أسر الإمبراطور العظيم! و جيء به مقيدا بالسلاسل بين يدي السلطان ألب أرسلان فلمّا مثل الأمبراطور رومانوس الرابع أمام السلطان ، قال له : " ألم أرسل إليك في المهادنة فأبيت ؟ " فقال رومانوس : " دعني من التوبيخ ، و افعل ما تريد " فقال له السلطان : " ما عزمت أن تفعل بي إن أسرتني ؟ " فقال : " القبيح " . فلم يغضب ألب أرسلان و لم يثر ، و دلّ بذلك على شهامة و مروءة . و سأل ألب أرسلان مرة ثانية : " ماذا تظن أني فاعل بك ؟ " قال : " إن كنت ظالما فاقتلني ، أو محبا للفخر فجرّني بالقيود إلى عاصمة ملكك ، أما الأخرى ( فهي بعيدة ) فإن كنت كريما فأطلقني من الأسر على مال أؤديه لك " فقال الب أرسلان : " إني كريم " فأمر بالإفراج عنه ( فذهل رومانوس لهذه الشهامة الكبرى ) بعد أن جهزه ب(15) ألف دينار يتزود بها ، و أطلق سراح أمرائه و قواده .
و قد توفي السلطان العظيم سنة 465هـ / 1072 م
و حق علينا و على أجيالنا أن تفخر بمثل هؤلاء القادة الأشاوس, بل والاقتداء بهم ، و لنعلم نحن قبل غيرنا أن هذه الأمة هي رحم ولود للعظماء في كل زمان و مكان, و ما الحال الذي نحن عليه ، بمحبطنا رغم المآسي و النكبات، فكم من فئة قليلة غلبت فئة كبيرة بإذن الله, والنصر يبدأ بعد أن ننصر الله أولا, ثم عند تحطيم اعتقادات العجز الداخلي من أنفسنا, والأوهام التي يصورونها لنا صباح مساء, عن ضعفنا وقلة حيلتنا. والرقص دائما على أنغام الفتن, والتقسيم, وإظهار أمراض الأمة فقط وتعظيمها. نعم أيتها الأجيال القادمة؛ نحن أمة لا تموت ، نعود عندما يعتقد الآخرون أن لا عودة .
rawwad2010@yahoo.com
...... يعد الإمبراطور البيزنطي ( رومانوس ديوجانس ) الملقب برومانوس الرابع من أشهر أبطال زمانه ، و أعظمهم قدرا ، وقد جمع جيشا عظيما زاد في أقل الروايات عن (200) ألف مقاتل عندما علم بوجود ألب أرسلان بمدينة ( خونج ) في أذربيجان, وهي من المناطق الخاضعة لسلطان ألب أرسلان, وقد تقدم رومانوس بجيشه إلى ملازجرد ( 463 هـ ) لملاقاة أرسلان ومفاجأته, و كان يعتقد أن هذه الموقعة هي صيد ثمين ، و فرصة ذهبية لإبادة جيش المسلمين عن بكرة أبيه, والقضاء على السلطان ألب أرسلان الذي لم يكن مستعدا لملاقاة هذا الجيش الكبير, حيث كان حينها يتنقًل بين الولايات الخاضعة له. و كأني بأبيات المتنبي وهو يقول :
أتوك يجرون الحديد كأنهم سروا بجياد ما لهن قوائم
خميس بشرق الأرض و الغرب زحفه و في أذن الجوزاء منه زمازم
أما جيش أرسلان فقد كان تعداده ( 15 ) ألف مقاتل، و لم يتمكن أرسلان في حينها من جمع عساكره لقربه من العدو أولا, وبعده عن مركز عاصمته ثانيا. فماذا سيفعل أي قائد عسكري لو كان مكان ألب أرسلان، و كيف سيدير المعركة ؟ من المؤكد أنه في موقف لا يحسد عليه !؟ كما أنه وفي معايير هذا الزمان سيعد انتحارا, أو مغامرة غير محسوبة ستؤدي به وبجيشه إلى الهلاك, لكن وبفضل الله لم يكن في ذلك الوقت وسائل إعلام تهدً من عزيمة القائد وجنده.
حكم ألب أرسلان (ويعني اسم ألب أرسلان الأسد الثائر وهو الاسم الذي اكتسبه من مهاراته في القتال وانتصاراته العسكرية). قرابة العشرة أعوام ( 455 – 465 هـ ) ( 1063 – 1072 م ) ، بعد وفاة عمه السلجوقي ( طغرلبك ) ، ويعود نسب السلاجقة إلى زعيم تركماني من قبائل الغزّ يدعى ( سلجوق ) وهم قوم رحّل تحدروا من سهول ( كريغر ) في تركستان ، فاستقروا هناك ، و اعتنقوا المذهب السني و نصروه بغيرة و حماسة .و قد امتدّ سلطانهم من أقاصي بلاد ما وراء النهر إلى أقاصي بلاد الشام ، و دامت فترة حكمهم من ( 447 – 656 هـ ) ( 1055 – 1258 م ).
كما كان لهم مواقف عظيمة في تاريخ حكمهم؛ من حماسة للدين ونصرة له, كما حاربوا الفاطميين عندما احتلوا بغداد واعتقلوا الخليفة العباسي في ذلك الوقت لمدة عام تقريبا, حيث قام طغرلبك بتحريرها منهم, وأعاد الخليفة العباسي للحكم.
وقد وصف ابن الأثير ألب أرسلان بأنه: كريم عادل عاقل رحيم القلب مقرا بنعم الله عليه ، و كان يتصدق على الفقراء لا سيما في شهر رمضان و لم يعرف في عهده وقوع جناية أو مصادرة ، و كان يكتفي بجمع الخراج مرتين تيسيرا للمزارعين ، و قد عرف بحسن السمعة ، و المحافظة على العهود ، و كان ألب أرسلان حريصا على ردع جنده و كفّهم عن أخذ أموال الرعيّة ، و قد بلغه أن بعض خواص مماليكه سلب إزارا ، فأمر بالمملوك فصلب ، و كان ذلك رادعا للناس عن التعرض لمال غيرهم .....
و عندما بلغ السلطان ألب أرسلان خبر الإمبراطور رومانوس الرابع و جيشه العرمرم ، وحين أدرك أن قوته أقل بكثير من قوة الرومان ، أرسل إلى خصمه يطلب منه المهادنة ، فرفض ( رومانوس ) ، فهي بالنسبة له فرصة ذهبية, و صيد ثمين لا يمكن لأحد أن يضيعه, فكان لا بد من اللقاء .
فلما كان يوم الجمعة صلى السلطان ، و لبس البياض ، و تحنّط ، و خطب في الناس و قال : " إن قتلت فهذا كفني " . فزحف إلى الروم بجيشه القليل, و بقلوب لا أمل لها بالحياة، و حمل عند اللقاء حملة من لا يرجو عودة، فإما النصر وإما الشهادة.
فإما حياة تسر الصديق....... وإما ممات يغيض العدى
فانهزم الروم هزيمة شنعاء نكراء ، بل و أكثر من ذلك فقد تم أسر الإمبراطور العظيم! و جيء به مقيدا بالسلاسل بين يدي السلطان ألب أرسلان فلمّا مثل الأمبراطور رومانوس الرابع أمام السلطان ، قال له : " ألم أرسل إليك في المهادنة فأبيت ؟ " فقال رومانوس : " دعني من التوبيخ ، و افعل ما تريد " فقال له السلطان : " ما عزمت أن تفعل بي إن أسرتني ؟ " فقال : " القبيح " . فلم يغضب ألب أرسلان و لم يثر ، و دلّ بذلك على شهامة و مروءة . و سأل ألب أرسلان مرة ثانية : " ماذا تظن أني فاعل بك ؟ " قال : " إن كنت ظالما فاقتلني ، أو محبا للفخر فجرّني بالقيود إلى عاصمة ملكك ، أما الأخرى ( فهي بعيدة ) فإن كنت كريما فأطلقني من الأسر على مال أؤديه لك " فقال الب أرسلان : " إني كريم " فأمر بالإفراج عنه ( فذهل رومانوس لهذه الشهامة الكبرى ) بعد أن جهزه ب(15) ألف دينار يتزود بها ، و أطلق سراح أمرائه و قواده .
و قد توفي السلطان العظيم سنة 465هـ / 1072 م
و حق علينا و على أجيالنا أن تفخر بمثل هؤلاء القادة الأشاوس, بل والاقتداء بهم ، و لنعلم نحن قبل غيرنا أن هذه الأمة هي رحم ولود للعظماء في كل زمان و مكان, و ما الحال الذي نحن عليه ، بمحبطنا رغم المآسي و النكبات، فكم من فئة قليلة غلبت فئة كبيرة بإذن الله, والنصر يبدأ بعد أن ننصر الله أولا, ثم عند تحطيم اعتقادات العجز الداخلي من أنفسنا, والأوهام التي يصورونها لنا صباح مساء, عن ضعفنا وقلة حيلتنا. والرقص دائما على أنغام الفتن, والتقسيم, وإظهار أمراض الأمة فقط وتعظيمها. نعم أيتها الأجيال القادمة؛ نحن أمة لا تموت ، نعود عندما يعتقد الآخرون أن لا عودة .
rawwad2010@yahoo.com
تعليقات القراء
بس بصراحه الكتابه التاريخيه حلوه بس عنجد ايام بزهق لما اضلني اقرأ فيه وحلو اكتير اللي حاطو عن ارسلان بس ما ازهقت وانا بقرؤ مش مجامله بس عنجد حلو
الله يعطيك العافيه
نشكرك دكتور لانك احطتنا علما بقائد عضيم قد جهلناه من قبل ويجب ان يكون هذا القائد قدوه لكن مسلم حتى نعود العوده التي تليق بنا كمسلمين
أرى في مقالك ايها الدكتور الفاضل التفاؤل والامل لان نرى في يوم من الايام قيادات مخلصة لامتها الاسلامية قيادات متيقين بانها موجودة وهي لاتحتاج سوى لشد على يديها والوقوف بجانبها
وشكرا
يادكتور حسان لانه تذكيرك لنا من خلال هذا المقال الرائع بوجود اشخاص في تاريخ العرب بهذه العظمة يزيد من فخرنا ويعطي لنا امل بعودة للعرب يوما ما كما انه يصنع داخل نفوسنا شغف لان نلقي نظزة على تاريخنا لان فيه ثروة قلما ادرك احد قيمتها.
انا فخور بيك
حنين محمد فوزي
تحية طيبة وبعد"
أعلمكم أن صاحب التعليق رقم 22 قد انتحل شخصيتي وكتب اسمي على أني أنا المعلق...
وذكر كلاما لا يدل إلا على قلبه الحسود الأسود, ولو طالع تعليقي رقم 1 وقرأ لكان خيرا له..
ولكن الحقد يعمي البصيرة والقلوب, ولو فكر هذا الجاهل قليلا لأدرك أن من يكتب عن تاريخ مضى لم يعيشه فمن أين له أن يحصّل معلوماته تلك...فقد انتهى عهد الوحي...؟ وقد ذكرت في التعليق الأول أسماء الكتب التي أخذت منها المعلومات....
أما أنت أيها المأفون الحاقد الحسود...فلو ذكرت اسمك في التعليق لكان خيرا لك ولكنت حريصا على احترامك ومخاطبتك بالحسنى فالتمس لك عندها عذرا لجهلك الكبير...
أما أن تنتحل اسمي وتسيء لي بهذا الشكل فليس إلا لأنك أكثر جبنا من أي جبان عرفته كائن من كنت..واعلم أني يوم القيامة سأمسك بتلابيبك وآخذ حقي منك....
وأتحداك وأنت لست أهلا لهذا التحدي ولست ندا لي إن كنت تعرف قبلا اسم هذا البطل المسلم الذي له انجازات عظيمة يجهلها ويجهله غالبية المسلمين ....
فيكفيني أجرا عند الله أن أذكر الناس به ......وكفى.
ما شاء الله عليك بتحب الخير وبتحب تدلنا أو تطلعنا على أحداث قيمة لدى الإسلام
الله يجزيك الخير
علي ناصر
أكتب تعليقا
تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه. - يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع |
|
الاسم : | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : | |
والغاية الأساسية هو أن نتعرف على هذه الشخصية العظيمة من تاريخ امتنا الذي يريد الكثيرون له أن يمسح من الذاكرة, فلا نطالع إلا أمراض الأمة التي تزيدنا إحباطا وبؤسا
• المراجع :
1. تاريخ الإسلام ( ج4 ) : د. حسن إبراهيم حسن
مطالعات في الشعر المملوكي و العثماني : د. بكري شيخ أمين