انها العولمة : خيرها في الغرب وشرها في الشرق


عندما بدأت انظمتنا العربية تنساق وراء شعارات ومباديء العولمة التي ظهرت للعيان بأوائل التسعينات كان التصور العام هو الانتقال من حالة الجمود لحالة اكثر انفتاحا وتداخل مع النظريات والقوانين المعمول بها بالغرب بلا اي رقيب او قوانين ناظمة يتم على اثرها اختيار المناسب من غيره وكما يتناسق ويتناسب مع ثقافة شعوبنا بالمنطقة العربية , فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي بمطلع التسعينيات من القرن الماضي اصبح امر ملحا لدى الغرب بجر باقي دول العالم وبالذات التي كانت خاضعة لمفاهيم المعسكر السوفيتي الى نظام عالمي جديد يكرس من خلاله انسياق دول العالم لمنظومة جديدة تحكمها ضوابط محدده احادية القطبية وتكون خاضعة لرقابة امريكا والغرب , فبدأ عصر العولمة يتجلى بعدة صور بدات من طموحات الافراد وانتهت برسم الملامح النهائية لاي كيان سياسي عالمي اخذة بعين الاعتبار تغيير شامل بالنظريات الفكرية والاقتصادية والعلمية حتى وصلت كما نراه الان بتغيير وجهة الافكار للافراد والجماعات بما يتناسب مع طموحات الغرب وحلفائهم , ولكن الاخطر بتلك الحلقة هو ما ابرزته الدعاية الغربية بأن عصر جديدا قد جاء ليمحو اثار السنين الغابرة حيث سيتميز هذا التغيير بخلق عالم جديد خالي من العنف بعيد عن الكراهية يتساوى به الجميع حسب درجة الاجتهاد وتقمص الافكار العالمية الجديدة , وبما ان اصحاب هذا الفكر والمنهجية الجديدة هم بالاصل ممن وصلوا درجات متقدمة بالتطور الصناعي والتقني والاقتصادي وممن كان لهم الدور الفاعل بتحطيم الاشتراكية العالمية ككيان مستقل وكيان حاكم اضحت شعوبنا العربية هي البيئة الخصبة لاسلوب تربوي جديد يعاملنا كعرب بطريقة تختلف عن بقية شعوب العالم , وكأننا اصبحان تلاميذ بمدرسة العولمة التي انبثقت عن النظام العالمي الجديد , فأصبحنا نتلقى عنوة كل ما يخطط له بالمؤسسات الغربية المتنوعة سواءا بالمفاهيم السلوكية او بالنظريات الاقتصادية واصبحت البيئة التطبيقية لتلك المفاهيم والنظريات تمتد من الغرب للشرق بلا اي مراعاة لثقافة ومعتقدات شعوبنا التي وجدت قبل دويلات الغرب بالاف السنين, فالعولمة هي تكريس حي لمفهوم النظام العالمي الجديد بعد انهيار القطب الاخر بالشرق , وبالرجوع للخلف لفترة ما قبل التسعينيات للقرن الماضي لابد لنا ان نستذكر صورة العالم بتلك الفترة والمفارقات بينها وبين صورة الزمان الحالي الذي تم تصويره للجميع بأنه خلاصة التطور في العلاقات الدولية وتنشئة الاجيال , فما قبل فترة التسعينيات كان التاريخ والعقيدة هي المحرك الرئيسي لطموحات الافراد والدول بمنطقتنا العربية لذا كان الترابط الاجتماعي والحس القومي والنسق العقائدي هو السمة العامة لشعوبنا مما كان له الاثر الفعال على سلوكيات الجماعات والافراد والمؤسسات الى حد ماء , حتى نظامنا الاقتصادي لم يعاني من ويلات التغول العالمي بحجم مانراه اليوم فقد كانت لدينا خيارات اما للشرق او للغرب بعكس مانراه اليوم من انتهاك فاضح لمقدرات المنطقة الاقتصادية بشكا تام وصريح , فكان امامنا مايسمى بالخيار الاقتصادي (لحد ماء )اما اليوم فخيارنا هو اجبارنا على التبعية بلا اي شروط مسبقة , فاليوم وبموجب عصر العولمة اصبح من السهل ان تتخلى شعوب كاملة عن اسمى ماكانت تتخذه مثالا في الماضي وذلك لان الضوابط الجديدة تجبر الجميع بالسير بفلك القوه الاوحد والنظام الجديد, فبأختصار شديد نلخص مساويء هذه العولمة التي سنبقى نتحمل اثارها السلبية لمدى بعيد :
1. لايمكن من تحقيق أهداف شعوبنا القومية من خلال الالتزام التام بما يطبق علينا من قوانين وانظمة عالمية لاننا كدول اخترنا ان نكون جزءا من منظومة عالمية وننتظر الحلول ولانبحث عنها .( فنظام العولمة لايعطينا الحق بطرح الحلول النابعة من قناعاتنا ومواريثنا الدينية والتاريخية بل من خلال التزامنا بمعاهدات وقوانين يراها الغرب هي الطريق الانجع للحلول ).
2. لايمكن ان نكون بيوم من الايام اصحاب نظرية اقتصادية تمثلنا كعرب وذلك لان مجمل اقتصادياتنا اصبحت اليوم مرهونة هناك بالبنك الدولي وقوانين الغرب الاقتصادية من خلال المعاهدات والمواثيق اذا اصبح من حقنا فقط هو تلقي العلوم الاقتصادية التي تصلنا من مؤلفاتهم هناك فقط.
3. ظهور كثيرا من الحركات التي تؤمن بالتاريخ والعقيدة بكل زمان وذلك لان هنالك من لم يقتنع بسياسات القطب الواحد بحكم العالم , لذلك ستبقى بلداننا بحالة استنفار وعدم استقرار دائما وذلك كضريبة للانسجام مع قوانين العولمة وتطبيقها .
4. ظهور اجيال بمنطقتنا العربية بعيده عن سلوكيات العقيدة السمحة التي تغنينا بها على مدار العقود الماضية وذلك لايمانهم بما يصلهم من الغرب من سلوكيات وقوانين تخفف القيود السلوكية وتعطيمهم حرية مجردة لاتنسجم مع اي قيد فرضه عليهم المجتمع او التراث او العقيدة .
5. ستبقى الاجيال القادمة تعتبر التطور التكنولوجي المستمر هو فقط اساس التقدم والرفعة والرفاه وتتناسى بنفس الوقت ان التربية المبنية على القيم والمباديء هي الاساس فيصبح مقياس الفرد يقاس ماديا اكثر من اي شي اخر فتغيب الروح المنطلقة من الاحساس العام بما يعانيه المجتمع من فقر وبطاله وتكافل اجتماعي .
6. واخيرا وباختصار شديد يجب علينا كانظمة وشعوب ان ننظر للعولمة التي باتت تغزو جميع اركان حياتنا اليومية من سياسية واقتصادية واجتماعية على انها ما وجدت الا لمنافع الغير ومصالحهم والسير ضمن منظومة تسيطر من خلالها دولة القطب الواحد وحلفائها في الغرب على جميع مقدرات الدول الاخرى النامية والفقيرة والتي تعتبر منطقتنا العربية والاسلامية احد اركانها الموجودة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات