داعش منتج استخباراتي .. نتاج هندرة حمّالة الحطب!


علم فن إدارة الأزمات، من العلوم التطبيقية حديثة النشأة والتطبيق، وعلم ما يسمى بالإنذار المبكر، من ذات العلوم الاستقرائية والبحثية حديثة النشأة، والاشتباك بتفاعل أيضاً وفي تفكيك المركّب وتركيب المفكّك، انّه علم الفن وفن العلم، ضمن الاستقرائيات لأي تداعيات أي حدث كان، وهو ليس أداة تجرح كما في علم الاستخبار.

انّه علم يركز بعمق على بؤرة الحدث أي حدث كان، إن بفعل البشر وان بفعل الطبيعة، ويسعى إلى التعرف والتمحيص في مكونات تلك البؤرة، وعمل أدائها السلوكي ومفاعيله وتفاعلاته، ثم التقاط موجات وإشارات البث المنبعثة والمنطلقة، من نقطة المركز ومحاولات معرفة وقراءة وفك شفرات هذه الموجات والإشارات، ليصار إلى الوصول لمعرفة وسبر غور طبيعة وشكل السيناريو القادم، أو SCENARIO BUILDING EXERCISES ، حيث تعد الأخيرة مجرد احتمال، وان كان الأخير في السياسة ليس يقيناً، لكن جل المسألة في علم الإنذار المبكر، يتيح ويسمح وضع الاستعدادات والترتيبات اللازمة، لعمليات احتواء المخاطر وتعزيز الفرص.

وتعد أجهزة الاستخبار والمخابرات المختلفة، من أكثر المؤسسات في المجتمعات المكونة للشق الديمغرافي للدول، استخداما لهذا النوع من العلم والمعرفة، وان كان أول من استخدم هذا المعرفة وعلى الفطرة في التاريخ البشري، (معرفة الاستخبار والرصد والإنذار المبكر)، هو أحد ابني آدم عندما قام برصد تحركات شقيقه لقتله.

وصحيح أنّ السياسة تعني فن الممكن، لكنها الآن ونحن نعيش في الألفية الثالثة للميلاد، تعني بالمعنى الأدق هي فن إعادة إنتاج الضرورة بمفهومها الشامل، ضرورة أمنية وسياسية واقتصادية واجتماعية وحتّى الثقافية الفكرية، بعبارة أخرى السياسة هي منتج أمني وسياسيي واقتصادي واجتماعي وثقافي فكري ولم تعد فقط فن الممكن.

والرهان في علم الرياضيات المعاصرة أيّاً كان هو مجرد احتمال فقط، والاحتمال في علم السياسة سواءً كانت سياسة النخب أو السياسة "الشعبوية" هو ليس يقيناً.

حتّى السذّج في المجتمعات والذين تمطى رقابهم كالعوام، وعبر جلّ الوقائع الميدانية كمؤشرات، صاروا يعرفون أنّ ما يجري في سورية هو في الحقيقة، عملية أخرى من العمليات السرية الأستخباراتية الدموية، المدعومة أمريكيا وبريطانيّاً وفرنسياً وإسرائيلياً، بالتحالف مع البعض العربي المتخاذل والمرتهن، والأخير صار معروفاً للجميع للإطاحة بالسلطة في سورية قلب الشرق وعقله، نظراً لحقيقة أن الولايات المتحدة الأمريكية هي بحكم الواقع إمبراطورية الشر العالمية، بلبوس ديمقراطي ليبرالي إنساني بشعار الحاكمية الرشيدة، مع كل ما تملك من قوّة، بنى تحتية ونفوذ، هل من الصعب عليها أن تقوم بتصنيع "ثورة" في أي بلد؟ وسورية أنموذجاً؟ وللعاصمة الأمريكية واشنطن دي سي شهوه عميقة شبقه لاحتياطي الطاقة عصب الصناعة الغربية، وهي ذات الشهوة التي يشتهيها خصومها من الطرف الآخر، والصراع على شهوه شبقه للاحتياطي الإستراتيجي للطاقة في منطقة الشرق الأوسط، قد يشعل حرباً عالمية ضروس وعميقة وقد تنهي العالم!.

المشتركات لدى جمهور الناس في العالم العربي أعتقد أنّها تتموضع في التالي:- هو أنّ الغرب يسعى إلى الدفع بقوّة إزاء تفكيك سورية وجعلها دولة فاشلة، وبعدها لتفكيك لبنان والعراق الآن وعبر إصدار داعش، وهو نسخة متقدمة من فيروس القاعدة لمزيد من استنزافات عميقة لشل إيران والتغلغل بين مفاصلها، من خلال التلطي بمفاوضات خمسة زائد واحد حول جنيفها النووي لتفجيرها من الداخل، وتصنيع ثورة جديدة فيها عبر الطبقة الوسطى والتي يراهن عليها الغرب في إحداث حدث إيراني شبيه بالحدث السوري، وإثارة الفوضى في الأردن عبر اللعب على الحبل الديمغرافي لجهة المكونات الأردنية المختلفة بما فيها النظام نفسه، وبعد ذلك وفقاً للرؤية الأمريكية الصهيونية، ستكون المحطة الأخيرة الفدرالية الروسية، والجمهورية الإسلامية الإيرانية هي الخاصرة الضعيفة للفدرالية الروسية، وهذا ما تدركه النواة الصلبة والدولة العميقة في روسيا الفدرالية ومحركها وضابط إيقاعها الرئيس فلادمير بوتين وجهاز استخباراته النشط والديناميكي ذو المجال الجيوبولتيكي الأممي.
إنّ من يسيطر على سوريا – قلب الشرق، يسيطر على الممر الإستراتيجي لجلّ الشرق الأوسط، وبالتالي يتحكم ويسيطر على كلّ أوراسيا العظمى وأسيا الوسطى، حيث الصراع في سوريا وعلى سوريا، هو صراع على الشرق كلّه وقلبه سوريا بنسقها السياسي وموردها البشري، والفدرالية الروسية وبكين بجانب طهران وجلّ دول البريكس تدرك ذلك جيداً.

في المعلومات والتحليل، يعتبر تنظيم القاعدة في مناطق الحدود الأفغانية – الباكستانية، من أهم الأسباب الرئيسية التي شكلت الوقود المحفّز لقيام القوات الأمريكية باستهداف أفغانستان من جهة، ولتزايد الظهور المتواتر للحركات الأصولية المسلحة.

هذا وتشير التطورات الميدانية الجارية الآن، المعلن منها وغير المعلن في منطقة شبه القارة الهندية، وعلى وجه الخصوص في أفغانستان وباكستان وشمال غرب الهند، إضافة إلى إقليم جامو كشمير، إلى حقائق مذهلة بالرغم من مقتل قائد هذا التنظيم الأممي قبل أكثر من عامين، حيث بلغ عدد الحركات الأصولية الإسلامية المسلحة في المنطقة أكثر من ثلاثمائة حركة وحسب خبراء مختصين بدراسة هذا التنظيم، وأصبحت القوات الأمريكية والباكستانية وقوات الناتو عاجزة عن تحقيق أي نجاح، يمكن أن يوصف أنه حاسم في المعركة الجارية ضد الحركات المسلحة الأصولية.

وفي مجرى الحرب السريّة والمعلنة أحياناً وتداعياتهما، أصبحت الحركات الأصولية الإسلامية المسلحة، تتمتع بدعم السكان المحليين وعلى وجه الخصوص في باكستان وأفغانستان والمناطق الإسلامية الهندية، وبسبب التزايد المضطرد في عدد التنظيمات الأصولية الإسلامية المسلحة وانخراط عدد كبير، من السكان في عضويتها ودعمها، فقد صار يظهر تنظيم القاعدة بأنّه أقل أهمية عمّا كان عليه قبل بضع سنوات، وتحديداً لحظة دخول القوات الأمريكية الأحتلالية لأفغانستان.

حالياً بدأ التساؤل حول مستقبل تنظيم القاعدة يبرز أكثر فأكثر متضمناً العديد من التساؤلات الفرعية:

وبكلمات أخرى يمكن الإشارة إلى الإشكاليات المتعلقة بوجود القاعدة في شبه القارة الهندية:

إشكالية أولى: إنّ استمرار وجود تنظيم القاعدة في مناطق شبه القارة الهندية سيترتب عليه تآكل التنظيم، لأن الحركات الأصولية الإسلامية التي نشأت في المنطقة، أصبحت أكثر قدرة من تنظيم القاعدة على القيام بتنفيذ العمليات، وذلك لأنها أولاً وقبل كل شيء تعتمد على أبناء المنطقة الذين يتمتعون بمعرفة الأرض والمجتمع، بينما تنظيم القاعدة ما زال يعتمد بشكل رئيسي على العناصر العربية المهاجرة إلى أفغانستان وباكستان طلباً للجهاد، مع وجود هجرة معاكسة من جديد ومنذ أكثر من سنتين إزاء ساحات الخصوم، لمحور واشنطن – تل أبيب ومن ارتبط به من بعض العرب المتخاذل، تم إشعالها عبر مجتمعات المخابرات الأمريكية والغربية والصهيونية وبعض مجتمعات المخابرات العربية، تحت عناوين الحريّة وحقوق الإنسان، بفعل مفاعيل وتفاعلات ما سمّي بالربيع العربي وما إلى ذلك.

إشكالية ثانية: نشأت العديد من الفروع لتنظيم القاعدة، ولكن بسبب الضغط العسكري – الأمني المتزايد على قيادة تنظيم القاعدة المتمركزة في شبه القارة الهندية، فإنّ هذه القيادة لم تعد قادرة على السيطرة على فروعها.

إشكالية ثالثة: وبسبب ضعف الصلة بين فروع تنظيم القاعدة وقيادته، أصبح التنظيم يعاني من ظاهرة فراغ القيادة المركزية، بشكل ترتب عليه صعودهم كقادة وزعماء محليين، وقد ترتب على ذلك أن أصبح كل واحد من هذه الفروع بمثابة تنظيم قاعدة قائماً بذاته.

إشكالية رابعة: إنّ استقلالية الفروع للقاعدة كتنظيم، أدّت إلى ظهور تنظيم القاعدة في بلاد النهرين، تنظيم القاعدة في المغرب العربي، وتنظيم القاعدة في الحجاز، تنظيم القاعدة في اليمن، تنظيم القاعدة في بلاد الشام وتحديداً في سورية الآن منذ بدء حدثها الاحتجاجي السياسي، والذي صار بفعل الطرف الثالث بمثابة حرب كونية ضد الدولة الوطنية السورية ونسقها السياسي، بفعل تسهيل دخول عناصره، من قبل بعض أجهزة استخبار ومخابرات دول الجوار السوري العربي وغير العربي، بالاتفاق مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، بجانب التورط المشترك لدولتين من دول الخليج( السعودية وقطر وفيما بعد الأمارات)، وبشكل مشترك ومباشر في الشؤون السياديّة للدولة السورية بفعل الحدث السوري وتداعياته، وهنا يبرز سؤال جوهري وهو: آلا يرتد هذا الإرهاب المدخل إلى الداخل السوري مرةً ثانيةً، لدول الجوار الدمشقي ؟!.

إشكالية خامسة: اعترفت قيادة تنظيم القاعدة بالوضع المستقل لهذه الفروع، وأعلنت أنها تكتفي بمجرد التنسيق وإجراء المشاورات بين الحين والآخر، وما هو واضح يتمثل في أن اعتراف قيادة تنظيم القاعدة باستقلالية الفروع، يعتقد أنّه تم رغماً عنها بسبب الضغوط الأمنية – العسكرية، وبسبب عدم قدرة القيادة على تزويد الفروع بالإمدادات والعتاد ما شابه ذلك.

تأسيساً على ذلك كخلفية معلوماتية تحليلية، يبرز السؤال الرئيسي القائل: هل سيبقى تنظيم القاعدة والذي يقوم بدور حمّالة الحطب، أو بالأحرى قيادة تنظيم القاعدة متمركزة في منطقة شبه القارة الهندية؟ وإذا بقيت هذه القيادة، ما هو الدور الذي ستقوم به إذا وضعنا في الاعتبار أن منطقة شبه القارة الهندية، أصبحت تعاني من تضخم واسع في التنظيمات المسلحة التي انتشرت في كل مدينة وقرية، وأصبحت عناصرها تقوم بعمليات لا تعد ولا تحصى؟.

لقد أدّى نشوء الفروع الخارجية للتنظيم، إلى تعدد مسارح عمليات تنظيم القاعدة وقد ترتب على ذلك أن أصبح التنظيم، وإن كانت فروعه مستقلة عنه، يتميز بهامش الحركة والمناورة الواسع وذلك عبر القدرة على المبادرة: يستطيع تنظيم القاعدة تنفيذ الضربات الاستباقية ضد خصمه في العديد من أماكن العالم، والقدرة على المفاجأة: يستطيع تنظيم القاعدة مباغتة خصومه في الأماكن العامة، التي لا يجد فيها الملاحقة والمراقبة، ذلك لأن الأجهزة التي تلاحق عناصره لا تستطيع وضع كل المناطق تحت الرقابة، والقدرة على تنويع مصادر الإمداد: بسبب تنوع جنسيات العناصر وبسبب تعدد الفروع فقد أصبح كل واحد من هذه الفروع قادراً على تنمية موارده الذاتية.

يبدو بوضوح أن خيارات تنظيم القاعدة، أو بالأحرى خيارات فصيل القاعدة الرئيسي إزاء البقاء أو عدم البقاء في منطقة شبه القارة الهندية، هي خيارات ما تزال غير واضحة والإجابة عليها تتطلب الانتظار، ريثما يتحدد مصير العمليات العسكرية الجارية حالياً بواسطة القوات الباكستانية والطائرات بدون طيّار، وبكلمات أخرى إذا نجحت القبائل بتحجيمه وإنهائه – القبائل الباكستانية كزعامة محلية، فإنّ تنظيم القاعدة سوف لن يكون أمامه من خيار أفضل سوى الهجرة، طلباً لمواصلة الجهاد المسلح في المسارح الأخرى، أما إذا فشلت حملات القوات الباكستانية فإن المسرح الباكستاني – الأفغاني سيمثل المكان الأفضل لجهة استمرار بقاء القاعدة في المنطقة.

والسؤال المنطقي الآن وبعد أكثر من ثلاث سنوات تقريباً على الحدث الاحتجاجي السوري، هل تحالفت مجتمعات المخابرات الأمريكية والغربية، وبعض مجتمعات المخابرات العربية وبعض الخليجية، مع تنظيم القاعدة وفروعه إزاء الساحة السورية كساحة خصوم لمحور واشنطن – تل أبيب لجعل سورية بل وكل سورية الطبيعية محرقة للتكفيريين وغيرهم؟! "داعش" وصل لبنان عبر قوى 14 آذار، وبالتنسيق مع استخبارات الرياض وقت إدارة بندر بن سلطان لها قبل إقالته، وما زال لبنان يعج بالخلايا النائمة، والعملية الانتحارية التي جرت في ظهر البيدر صباح الجمعة الماضي مؤشر قوي على ما نرمي إليه، وجلّ الساحات العربية وشعوبها بما فيها لبنان الآن، تجري فيها محاولات جمّة عبر هيفاء وهبي ومن على شاكلتها على إعادة صياغتها من جديد وعربانها، حيث أكّد فرع المعلومات في الجيش اللبناني وصول "داعش" إلى لبنان وتحديداً شمال لبنان قبل أكثر من عشر شهور، وأكّدت استخبارات حزب الله هذا الوصول والغاية منه، لإثارة الفوضى على قاعدة سني وشيعي ومسيحي! فهل بات وصول "داعش" وإخوانه إلى الأردن عبر مختلف الحدود على الأبواب، خاصةً وبعد تطورات المشهد العراقي الأخيرة؟ وبعد الرفض الأردني الحقيقي: رفض النواة الصلبه في الدولة لمزيد من التورط بالحدث السوري بعد القرار 2118 الذي فتح مروحة التسويات السياسية في المنطقة، وبعد اجتراح مقاربات سياسية واستخباراتية أردنية حديثة، والأخيرة هذه لم تتضح بعد مؤشرات نتائجها، هذه المقاربات الأردنية تتجه نحو الاعتراف بالواقعية السياسية الصادمة لجلّ الطرف الثالث في الحدث السوري، وبعد نتاجات استحقاق الثالث من حزيران السوري الحالي، والذي يقود جلّ المشهد الدولي والإقليمي إلى منظومات حكم مركبة ومعقدة، واستحداثات لعمليات سياسية جديدة وتوافقية إن لجهة الدولي، وان لجهة الإقليمي، وان لجهة المحلي.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات