انقلاب في نهج الادارة الامريكية حيال القضايا الدولية


تزداد في الآونة الاخيرة التحذيرات من تكشير الرئيس الامريكي اوباما عن انيابه معلنا الاصطفاف الى الجوقة من الرؤوساء الذين سبقوه من آل بوش الاب والابن في انتهاج سياسة التدخلات العسكرية الاميركية في الشؤون الداخلية للدول الاخرى . يبدو ان اوباما لم يطلع بشكل جيد على التجربة البوشية في العراق وافغانستان وتكاليفها على الشعب والاقتصاد الاميركي وعلى البرستيج والصورة القاتمة التي ارتسمت لدى شعوب هذه الدول واهتزاز ثقة العالم بالولايات المتحدة وسياستها الخارجية ، ولم يتعلم الرئيس اوباما من الدروس المستقاة من هذه التجارب المريرة التي لطخت تاريخ امريكا عالميا لا سيما لدى دول العالميين العربي والاسلامي وهو ما ساهم الى حد كبير في تعبئة الشعب الامريكي والسياسيين في امريكا للتخلي عن بوش وسياسة حزبه العسكرية التي ادخلت امريكا في انفاق تاهت فيها ولا تزال لحد الآن تتخبط من آثارها لتتوجه نحو انتخاب رئيس يعيد لها صورتها وبريقها فجاء اختيار اوباما كشخصية قادرة على تغيير الصورة النمطية التي ارتسمت لدى الكثير من السياسين والشعوب في العالم ليبدأ اول محطة له بعد انتخابه بزيارة مصر ويلقي بخطابه الشهير الذي اتصف حينها بالتأريج لميلاد عهد جديد في العلاقات العربية والاسلامية ، عهد ينبذ العنف والتدخل في قضايا الشعوب.

ومضت المسيرة السياسية للرئيس اوباما على نحو من الهدوء النسبي والاتزان في التوفيق بين القضايا الدولية الساخنة فجاء قراره بسحب القوات من العراق والتمهيد فيما بعد لسحب قوات الناتو من افغانستان وهو ما اكسب الرجل وادارته نوعا من الثقة والشعور بجديته في الابتعاد عن التدخلات في الخارج ، الا انه بدا واضحا في السنوات الاخيرة ان اوباما الذي يحاول المراوغة في الجمع بين الدبلوماسية والمحافظة على التفوق العسكري الامريكي لضمان سياسة القطب المهيمن على العالم وقع في نفس مصيدة التاريخ التي سقط فيها سابقوه من آل بوش ليدخل امريكا في صراعات دولية خارجية ويكشر عن انيابه بوجه الشعوب والدول ، صحيح انه يحاول الملائمة بين السياسة المعلنة والسياسة الباطنية لادارته وما يمليه عليه مستشاروه، فنراه يناور في الوقوف ضد اي ضربة عسكرية لايران ويحث على المفاوضات حول الملف النووي الايراني ويوافق على المبادرة الروسية لنزع السلاح الكيميائي السوري ، الا انه يهدد بتوجيه ضربة عسكرية لنظام الاسد وهي ليست مستبعدة اليوم او في اي وقت تراه ادارته مناسبا ، كما نراه شديد الاصرار على التدخل في ليبيا وعزل العقيد القذافي وقتله رغم التحذيرات الروسية من مغبة ما ستؤول اليه الاوضاع هناك وها هو المشهد امامنا فوضى واقتتال ، ونسمعه قبل ايام وامام خريجي الكلية العسكرية في ويست بوينت يشدد على الهيمنة الاميركية على العالم والتلويح باستخدام القوات المسلحة لمواجهة اي دولة كالصين وروسيا يمكن ان تهدد هذه الهيمنة الامريكية، والاغرب من كل هذا وذاك موقف الادارة الاميركية من الاحداث الاخيرة في اوكرانيا ورعاية واشنطن للطغمة الفاشية في العاصمة الاوكرانية كييف التي استولت على الحكم بشكل غير دستوري واعتراف الادارة الاميركية بالانتخابات الرئاسية في اوكرانيا وهي تعلم ان نصف سكان البلاد لم يشاركوا في هذه الانتخابات ولم تكتفي واشنطن بذلك ، بل تتمادى في اغلاق آذانها وعيونها عن المجازر التي ترتكبها القوات الاوكرانية وعصابات النازيين الجدد من الغرب الاوكراني بحق شعب شرق وجنوب اوكرانيا ، لا بل تمتدح الادارة الامريكية على لسان نائب وزير دفاعها ماشال الذي يزور اليوم العاصمة الاوكرانية كييف اداء القوات المسلحة الاوكرانية في عملياتها الخاصة في مناطق الدنباص في الشرق الاوكراني مطالبا بدعم هذه العملية ، اما مندوبة الولايات المتحدة في الامم المتحدة فتصف العملية بانها حرب على الارهاب والانفصاليين ؟؟ اما الرئيس اوباما نفسه فيطالب الاوروبيين اليوم ولدى وصوله الى بولندا تقديم دعم بمليار دولار الى اوكرانيا لتعزيز قواتها العسكرية في اشارة واضحة على الانقلاب الامريكي حيال القضايا الدولية الساخنة .

باختصار يرى المحللون ان العالم يقف اليوم من الازمة الاوكرانية على شفير حرب عالمية جديدة تغذيها بشكل واضح وكبير السياسة الاميركية التي لا تخفي طموحها وتطلعها لسيادة العالم وتنفي الحوار مع الاطراف الدولية الاخرى ذات التأثير الفعال خاصة روسيا والصين وهو ما يحمل الدلائل والمؤشرات ان واشنطن والرئيس اوباما سيحاول فيما بقي له من زمن في البيت الابيض ان يترك اثره الخاص في التدخلات العسكرية التي كانت وستظل على الدوام ديدن الادارات الاميركية مهما اختلفت الوانها.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات