أحضان وطني


أثناء مرافقتي لوالدي (رحمه الله) في المستشفى ومبيتي معه ، كان معنا بنفس الغرفة رجل سبعيني ومعه أحد أبنائه ليعينه على حاجته، وفي المساء ومع ساعات الليل الطويلة التي تتعب المرافق قبل المريض ، لا نجد بوسعنا سوى التكلم والحديث عن هذه الدنيا ومتاعبها ، فقد كان يردد هذا الرجل السبعيني كلمة ( الحمد لله أنني في أحضان وطني ) فقلت له : وهل كنت بعيدا عنه لكي تحمد الله على انك فيه؟ فقال : لقد كنت وعملت في أوروبا لمدة أربعين عام ، وقد عشت أحلى أيام عمري هناك ، فحقوقي محفوظة من مأكل وملبس وعلاج وكل شيء ، وعندما عدت إلى وطني منذ عامين بدأت الأمراض تهاجمني من حيث لا أحتسب .... وما أن وصل هذا الرجل إلى هذه الكلمات وإذ بولده يقول له : حان موعد دواء المميّع ، فأخذه وقال : الحمد لله أنني في أحضان وطني ، ونام ، ونام والدي رحمه الله.

وفي الصباح وعلى ضجيج عمال النظافة في المستشفى ، ووجوه الممرضين العبوسة ، كان هذا الرجل بحاجة لإجراء فحوصات ونقل إلى مستشفى آخر بسبب حالته التي تسوء يوما بعد يوم ، إلا انه لم يستطيع أن ينقل إلى مستشفى آخر بسبب الإجراءات والسياسات التي يتبعها هذا المستشفى .

شاءت أقدار الله عزوجل بان يفارق والدي الحياة لينتقل إلى جوار ربه ، لكن كلمات الرجل السبعيني لم تفارق مخيلتي ( الحمد لله أنني في أحضان وطني ) ، ولم يمضي شهر وإذ بأحد أبناء الرجل السبعيني يصادفني في أحد المساجد ، فأسرعت إليه لأساله عن والده ، فقال لي : لقد رحل إلى جوار ربه منذ أيام ، والحمد لله انه قد دفن في أحضان وطنه .

فالكل يحب وطنه ويحب أن يبقى ويموت في أحضان وطنه ، لكن قلبي عليك وأنت يا وطني تنام على حجر .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات