يسألونك عن الإنسانية والأمن الإنساني !


نجهد كعرب منذ قيام الدولة الأموية عام662 م ولغاية الآن ، إلى تقديم تاريخنا مقطع الأجزاء ، وهذا ما أدخلنا في إيديولوجيات متنافرة ومتناحرة وجاهزة للتقاتل، والمشكلة الأكثر تعقيداً ،أننا إذا اعترفنا بذلك نأتي بحلول فوق أرضية التأمر أو نلجأ إلى تبسيط المسألة إلى درجة تجعل من مشروعية الوحدة العربية والإسلامية مجرد إعادة ترتيب للتاريخ لا أكثر !

وأود هنا أن أطرح الوطنية الإنسانية ليس كبديل عن التقدمية أو الوطنية التقليدية أو الماركسية أو أي أيدلوجيا في السياق الإستراتيجي تسعى لربط الراهن بالمشروع الوحدوي الإسلامي أو العروبي سواء المقاوم أو النقيض ، وإنما كحقيقة تاريخية لا بد من التركيز عليها للخروج من مجموعة الأزمات الراهنة والتي تحدق بنا جميعاً ولا نكاد نجد طريقة للخروج منها ، لكن الإشكالية تبقى في تعدد المفاهيم ( للوطنية الإنسانية ) بحيث تجد المفهوم لدى الأحزاب الإسلامية يختلف عن المفهوم لدى الأحزاب الأخرى ، هذا على المستوى الحزبي ، أما على المستوى الرسمي فإن المفهوم يختلف حتى في الحكومة الواحدة وبين الوزارات والأجهزة في الدولة الواحدة ، وتبعاً لذلك تجده أيضاً مختلف بين أبناء التركيبة المجتمعية في المجتمع الواحد ، إذن المطلوب هو توحيد هذه المفاهيم لتكون جميعها ضمن إطار موضوعي وعلمي وقانوني واحد ، كيف ؟

هذا هو السؤال الأهم ، وللإجابة على هذا السؤال نقول : الوطنية الإنسانية تلزمنا القراءة الدقيقة ، لأن الشعار المفترض ممارسته عملياً إذا كان فيه شيء من التناقض فإنه يهيأ الأرضية لمعارك سياسية مقبلة ، وفي تقديري أن الضرورة لا تبيح الاستعجال ، سيما وأن ناتج الاستعجال يعني اللاتوازن بين شعار الوطنية الإنسانية وممارسته العملية ، والعجيب أن الأكاديميون العرب والمثقفين الذين غرقوا في متاهات الغرب والشرق ، والذين لم يتركوا نقداً لم يوجهوه إلى الأنظمة العربية ، لم نجد من بينهم من يتطوع بشكل علمي ووثائقي لدراسة ( الوطنية الإنسانية ) وأثرها على المجتمعات العربية ، وكيف ستنتقل فيهم من العالم الثالث إلى العالم الأول شكلاً ومضموناً قانونياً بالدرجة الأولى ودولي ورسمي بالدرجة الثانية ، ومثل هذا الأمر لم يحدث ، لهذا بقيت الوطنية الإنسانية شعارا، ولا تزال ، شعارا لم يسمح له بالدخول إلى مراحل التجربة التاريخية والوحدة العالمية الإيديولوجية-الثقافية الجديدة فوق قاعدة ( الإنسانية والأمن الإنساني العالمي ) ، إضافة إلى أن بعض الأبحاث المتواضعة رغم ندرتها إلا أنها وللأسف تظهر نوعا من اللامبالاة في الثقافة الإنسانية العالمية ،مع أنها الأساس في تحديد طبيعة العلاقات السياسية-الحقوقية ولمراحل مقبلة ، بالتالي علينا أن نؤكد الإهمال التاريخي للوطنية الإنسانية بكافة مساراتنا الوحدوية أو التراثية ، والنتيجة أننا أمام سلبيات التحريض اليومي الرسمي والحزبي الذي يضع تعارضا حادا بين أبناء الوطن الواحد وعداء ممكن أن ينفجر بأي لحظة ، مضافاً لذلك تعزيز الميل نحو الانفصال عن الوطن الأم حتى ولو كان هذا الوطن جاء نتيجة تقسيم استعماري قديم أو جديد ، ويعمّق الفوارق بين أبناء الشعب الواحد ، فكيف حين الحديث عن شعوب هذه المنطقة ، وضمن هذا الإطار كيف يمكننا الحديث عن التعامل مع الشعوب الأخرى ؟! ما دام أننا لا نتفق حتى داخل الدولة الواحدة والمجتمع الواحد ؟

أتساءل لماذا نسهم جميعا بشكل أساسي في وجود تناقضات «وطنية» بين شعوب المنطقة ؟ ونزيد من عمق المشاعر الإقليمية ونحن نعلم مسبقاً أن الثمن مقابل ذلك هو تأخر تقدمنا ، ولماذا نشهد انكماشا نحو التطرف بكل شيء ؟ ويأتي ذلك مع إعادة بدء التدخل الغربي في المنطقة التي انتهت مدة الحكم الغربي فيها من الناحية القانونية على الأقل مع نهاية اتفاقية سياكس بيكو ، دعوني أقول لكم لماذا ؟ لأن كامل مجموعنا الوطني والرسمي يعمل على تقوية السلبيات وفي إطالة عمرها ، خدمة لإستراتيجية التجزئة ، وإذا أردتم حلول تعالوا نعمل على كشف مضامين التعبئة وأشكال تطويق الفوارق المتزايدة بين أبناء الشعب الواحد !

في الحقيقة كإنسانيين لا يمكننا الحديث نيابة عن كامل المجموع العربي والإسلامي حتى وإن كنا الحامل لمشروع ( الوطنية الإنسانية على المستوى العالمي ) وفي عموم المنطقة الشرق أوسطية ، لذلك نحن نبحث عن القوة التاريخية للمشاريع الكبيرة في المنطقة ، وهذا البحث لا يمكن العثور عليه في رفوف الكتب وإنما من خلال تفعيل الإنسانية ليكون الأمن الإنساني الهدف الأسمى والآجل في المنظومة العالمية الجديدة ، وما من شك أننا وعبر موقعنا العالمي نستطيع أن نضع لنا بصمات على الخارطة العالمية الجديدة ، دعونا ننظر إلى الوحدة من زاوية أخرى ، زاوية تمكننا من هضم كل القوميات التي تعيش فوق هذه الأرض لنجسد تلك الإنسانية النابعة من الوجود الموضوعي التاريخي لهذه الأمة التي حملت رسالة الرحمة للعالمين ، الأمة التي تجاوزت حدود الأرض في الدعوة إلى الحق والعدل لتصل إلى حدود العوالم الأخرى غير المكتشفة ولغاية الآن في العلم الحديث وعالم الاتصالات الذي جعل العالم قرية كونية ، وهذا يعني أن الدعوة إلى الإنسانية والأمن الإنساني ما هي إلا مقدمة في أبجديات الرسالة التي كرمنا الله بها !

إذاً الدعوة إلى الإنسانية والأمن الإنساني حاجة موضوعية، وضرورة نضالية، ووطنية محلية وإقليمه ودولية في ظل هجمة شرسة ضد إنسانية الإنسان وأمنه لأسباب اقتصادية وأمنية، وأخرى تتعلق بالتقدم العلمي واحتكاره من أجل إعادة عصر استعباد الناس ، وإلا كيف تجد كافة الدول العربية تتهرب من استحقاق الاهتمام بمحتوى دولة الوحدة العربية ؟ وإذا ما وجدت أي شخص أو دولة له أي اهتمام بهذا الموضوع تشن عليه الحروب ، على غرار ما يحدث في سورية التي تدفع الثمن المركب عن كل أجرار الأمتين العربية والإسلامية وعن أحرار الإنسانية أيضاً، سيما وأنها تحمل في مشروعها الوحدة كهدف ووسيلة للنهوض العربي الشامل وعلى أسس ديمقراطية غايتها العدالة الاجتماعية وتوزيع الموارد بالعدل ، والدفع بعجلة التنمية المستقلة والدائمة ضمن أركان الاستقلال الوطني والعلمي والإنساني والحضاري الجامع .

وقد يتساءل البعض ويقول ما تتحدث عنه يحتاج إلى ثورة إنسانية شاملة ، ونحن قد شرعنا بالثورات العربية فلماذا لم يستثمر الإنسانيين سياسياً في ظل هذا المناخ الثوري العربي العام ؟! وللإجابة على هذا التساؤل نقول : كإنسانيين أصبحنا وفي ظل هذه الثورات المصطنعة غربياً والممولة عربياً في مأزق مركب ، لأن ما يحدث في تقديرنا ليس ثورة وإنما كشف للعورة ، وضرب مبرمج لعرى الإنسانية والأمن الإنساني المباح والمستباح بحجة الكفر والإسلام دين السلام بالنص الدستوري القرآني ، والذي يحث على إعطاء الوطنية الإنسانية كحق شرعي حتى للكافر من خلال قول الحق جل في علاه (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) الآية 29 الكهف ، إذاً قول الحق من الله يقتضي أولاً وقبل كل شيء إعطاء حق الوطنية الإنسانية للجميع بغض النظر عن الكفر والإيمان ، لأن الدين جاء لتنظيم الخلق ولإحياء الناس وتنظيم حياتهم وليس اعتقالهم ضمن أفكار أبعد ما تكون عن السلام المنشود من الدين كهدف وغاية ، يقول الحق (أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون 122( الأنعام ، علينا أن نعيد النظر بمسألة الكفر سيما وأن الكفر بحقوق الناس هو الذي جاء لكي يحاربه القرآن الكريم أما الكفر بهذا الدين أو ذاك وأتباعك لهذا الدين أو ذاك ، فإن مرد لذلك للنص القرآني ولا اجتهاد في نص واضح ويقول الحق : ( لكم دينكم ولي دين ) ، لهذا الدين لا يقوم بسلب الوطنية الإنسانية ولا يعطيها بناء على الهوية الدينية و المذهبية في الدين الواحد ، على غرار سني وشيعي !

الإنسانية في تقديرنا المتواضع هي ضمانة الدخول إلى بوابة العالمية الجديدة ، عالمية التعدد القطبي ، والذي يحتاج منا إلى القيام وفوراً بمشروع عربي وطني مستقل قادر على مواجهة الأعداء ، نحن يا سادة نمتلك هوية إنسانية عالمية ، وأود هنا أن أخاطب أولئك الشباب الذين تم التغرير بهم ، وأقول لهم : هل لديكم يا أبنائي أدنى فكرة عن مفهوم الذات الإلهية والصفات الربانية ؟ وهل راجعتم تلك المصادر التي جاءت منها فتاوى الجهاد ؟

أنتم ومن خلال بعض أفعالكم لا تغضبون الله فقط ، وإنما تنكرون قوته الإرادية سبحانه ، والمتمثلة بمشيته التي لا تريدنا أمة واحدة ، ولو شاء لجعلنا أمة واحدة ، لكن هذا التباين ضرورة من ضرورة الحياة ، وبدون هذا التنوع الطبيعي والعقائدي لا تستقيم الحياة ولا يكون لها أي معنى ، أنت تتعبد لك من أجل مصلحتك والله جل في علاه لا يستفيد من عبادتك أي شيء ، كامل المردود عليك في الدنيا والآخرة ، لقد خلقنا من أجل العمارة في الأرض لا من أجل الهدم والقتل ، نحن أمة تحيي ولا تميت ، ولندرك أن الحق جل في علاه هو مرجع وأصل الحكمة وقدرته سرمدية أبدية وهو مطلق الإرادة فيما يريد ، حكيم قدير ، وما علينا إلا الرضوخ الكامل ، إضافة لذلك أن الأنظمة العربية والتي أصبحت مقصدكم لم تقوم باحتلال فلسطين ولم تشرد أهلها ، هنالك استعمار غربي أختلق الكذبة الكبرى من أجل خدمة مصالحه على حساب الدم العربي واليهودي ، والنتيجة اغتصاب فلسطين وعلينا اليوم أن نستعيد الحقوق المغتصبة في فلسطين وكل الأراضي العربية المحتلة،والمسألة لن تتوقف عند هذا الحد لأن هنالك ثروات عربية إسلامية ضخمة ، وضخمة جداً ولا بد من توزيعها على كل أفراد الأمتين العربية والإسلامية ، يقول الحق في محكم التنزيل (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) البقرة: 143 ، والوسطية لا تتحقق في ظل الفقر والجوع والتشرد والقتل واغتصاب مقدرات الأمتين العربية والإسلامية ، لهذا كله نجد أن الإنسانية أقصر وأسلم الطرق للوصول إلى مجتمع أو مجتمعات الكفاية والعدل في آن معاً ، وقد أصبحت شعوب المنطقة وبخاصة الشعب العربي أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام ، أصلح الله أمرنا وجمع شملنا وعلمنا الخير وجعلنا ممن يعملون على وأد الفتنة قبل وقوعها ، ولا أقول لكل من ينتقد نهجنا في الإنسانية والأمن الإنساني إلا أن : ( من أعيب العيب أن تعيب ما ليس بعيب ) ، وهذه الثقافة ليست مسؤولية الإنسانيين فقط ، وإنما الجميع وبكافة الدول العربية والإسلامية معني في صناعة عقول الناشئة ومدى تأثيرها على الثقافة الإنسانية عموماً ، وأعاذنا الله وإياكم من سوء الغضب ، وصرف عنا شر هوى المستكبرين أعوان الشياطين ، الذين نسبوا إلى نزق السفهاء ومجانبة الحكماء ، ولكل طاغية أقول : أين من بغى وطغى وجمع فأوعى وقال أنا ربكم الأعلى ؟؟ وأخيراً : إنه من غير الممكن الحديث عن الإنسانية والأمن الإنساني كرافعة في عصر الردة الإنسانية الإقليمية والعالمية إلا من خلال معادلة الربط بين العروبة والإسلام .



تعليقات القراء

وليد حامد
ما هذا يا دكتور رعد ؟ رائع جداً وأكثر من رائع
21-05-2014 03:05 PM
محمود أبو نبيل
كمعارضة سورية نتفهم ما تفضلتم فيه ونتمنى أن يكون لكم دور في الحوار الوطني السوري القادم
21-05-2014 03:05 PM
نعيم أسعد
أقوى ما قرأت على الإطلاق ( أنتم ومن خلال بعض أفعالكم لا تغضبون الله فقط ، وإنما تنكرون قوته الإرادية سبحانه ) شيء مذهل تمتلك من القوة اللغوية الشيء المبهر حقاً
21-05-2014 03:07 PM
راجي أحمد
ومنذ متى تتفهمون ما يقوله الدكتور
21-05-2014 03:33 PM
وصفي جبريل
الدعوة إلى الإنسانية والأمن الإنساني حاجة موضوعية، وضرورة نضالية، ووطنية محلية وإقليمه ودولية في ظل هجمة شرسة ضد إنسانية الإنسان وأمنه لأسباب اقتصادية وأمنية
21-05-2014 03:34 PM
مفيد نجم
العلاقات الانسانية مصطلح يدل على الاهتمام بالعنصر البشري وكلمة انسانية مشتقه من كلمة انسان والتي اكتسب من استعمالها مع الأيام مجموعة من المعاني صار بها ذلك الإنسان (إنسانا) حتى إن العامة نفسها تقول إن فلاناً رجل ( إنسان ) أي يتصف بصفات تجعله أهلا لحمل ذلك الوصف
21-05-2014 03:35 PM
منير الضبع
هكذا أفهم الإنسانية
قال الله تعالى { ياأيها الإنسان ...} هنا خاطب الله عز وجل الإنسان منادياً أكرم مافي كيانه وهو إنسانيته التي تميز بها عن سائر الأحياء فهو أكرم من خلق الله قال الله تعالى { ولقد كرمنا بني أدم } وجعل الإنسان القويم الصالح هو ذلك الشخص الذي يتسم بالعقل والعلم والإيمان والعمل وهذا كله شئ عظيم في جوهره وفي أثره وقد صور القرآن الإنسان أنه حي عاقل مسؤول محاسب على مايفعل مجازى على مايفعل وتجلى ذلك في قوله تعالى { بل الإنسان على نفسه بصيره ولو ألقى معاذيره } ونبه جل جلاله الإنسان لنفسه وعظمة خلقها وصور مابها من خطايا وما تنطوى عليها من خصائص وقوى تحار فيها العقول ويطول حولها البحث قال تعالى { وفي أنفسكم أفلا تبصرون ..} الذاريات ولم يجعل الإسلام هذه النفس لهواها ولم يجعلها تبطش في الأرض بل حكمها بمبادئه العظيمة والتي تتجلى فيها أسمى أنواع الإنسانية فهاهو رسول الله يضع مبدأ المساواه بين البشر فيقول صلى الله عليه وسلم { الناس سواسيه كأسنان المشط } وقوله صلى الله عليه وسلم { مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا أشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى } كما ان الرسول عليه الصلاة والسلام آخى بين المهاجرين والأنصار في المدينة المنورة كما أوجد نوع من الود بينه وبين اليهود المقيمين في المدينة المنورة وبينه وبين أمراء العرب وكذلك بينه وبين ملك الحبشه وملك الروم وكسرى وعزيز مصر وغيرهم .
21-05-2014 03:36 PM
حسين عساف
احب ان اسال عن مفهوم الانسانيه عند كل منا انا من رأيى ان الانسانيه تعنى العطف على الصغير احترام الكبير حب الخير مساعده من يحتاجون الينا وفى استطاعتنا مساعدتهم وان الانسانيه من الانسان بحيث اننا لو افتقدنا الانسانيه لا نستحق كلمه انسان ارجو تقبل رأيى والان اريد مفهوم الانسانيه عندكم
21-05-2014 03:39 PM
مراد عبد الجليل
عندما جاء الإذن للرسول والمسلمين من الله سبحانه وتعالى بالقتال بعد أربعة عشر عامًا من الصبر على أقسى صور الإذلال والملاحقة.
لم يتوان الرسول في الخروج بالمسلمين على شكل سرايا وغزوات؛ وذلك لتأمين حياتهم في المدينة، في مواجهة القبائل المتربصة بهم.
وفي مواجهة قريش التي لا تريد أن تعترف بكيانهم الجديد، ولا أن ترفع سياطها عن المستضعفين المعتقلين لديها الممنوعين من الهجرة.
ولا أن تكفّ عن مصادرة أموالهم، وعن ملاحقة الدولة الجديدة بصورة التآمر والتأليب والتحريض لليهود والمنافقين في المدينة، وللقبائل الأخرى في الجزيرة..

وكانت السرايا أشبه بالدوريات الاستطلاعية التي تسعى لفرض الهيبة وإشعار الآخرين باليقظة، وأيضًا لاستكشاف الطرق المحيطة بالمدينة، والتي يمكن أن ينفذ منها الأعداء.
وعقد معاهدات السلام مع القبائل التي تقع مساكنها على هذه الطرق.
فضلًا عن جمع المعلومات عن هذه القبائل وصلتها بقريش، والتفاهم معها لتزويد المسلمين بالمعلومات عن تحركات أهل مكة ضد دولة الإسلام في المدينة.

ومن متابعة حركة السرايا يبدو أن السرايا التي يقل عدد أفرادها عن عشرة أفراد كان هدفها استقصاء الأخبار وجمع المعلومات.
إلا إذا فرض الأعداء عليها الدفاع عن نفسها.. أما السرايا الأكثر عددًا فكانت سرايا مسلحة ومدربة هدفها إرهاب العدوّ حتى لا يفكر في غزو المدينة.
وكانت على استعداد للاشتباك عند اللزوم -مع جمعها للأخبار والمعلومات أيضًا- وكان عدد بعض هذه السرايا يتجاوز مائتي مقاتل[1].

وثمة ملمح هنا نسوقه لتأكيد الطبيعة الإنسانية الأخلاقية لهذه السرايا.
فمن المعروف أن جزيرة العرب كانت في عصور كثيرة، ومنها العصر الذي نتكلم عنه، تعج بكثير من قوافل السلب والنهب (لنتذكر هنا قصة سلمان الفارسي، وزيد بن حارثة وغيرهما)..
وكانت الصحراء تبدو ملكًا لهذه القوافل -التي يمكن أن تستغل أيضًا- عن طريق المال لقريش وغيرها لجمع المعلومات عن المسلمين وترويع أهل المدينة..
فكانت السرايا هي الحلّ الأمثل للوقوف ضدَّ هذه القوافل -من جانب- ومن جانب آخر سوف يرى الناس في الجزيرة أن قوافل أو سرايا رسول الله.
على العكس من هذه السرايا في سلوكها وتعاملها، فهي لا تمدُّ يدها بسوء لأي شخص، لا لماله ولا لعرضه.

ولعلها المرة الأولى في الجزيرة التي تمرّ فيها قوافل على هذا النحو من أمام البيوت والمساكن، تبعث على الأمن لا الخوف، وتدعو إلى التعاهد على السلم.. وتقاوم قوافل السلب والنهب..
وسوف يشعر العرب بأن هناك من يمكن أن يطمئنوا إليه ويجدوا في ظلالها الأمن إذا وضعوا أيديهم في يده.
كما أن قريشًا التي كانت تريد أن تبقى مسيطرة على الجزيرة كلها، لم يعد الظرف الجديد يسمح لها بذلك.. فهناك من يتربصون بها وبتجارتها.
ولن يكفوا عنها حتى تسالمهم وتعترف بكيانهم وحقهم في الحياة والدعوة لعقيدتهم.. وهذه المعاني السامية كلها حققتها السرايا أولًا، والغزوات ثانيًا.

وكانت السرية الأولى في رمضان من السنة الأولى للهجرة، جعل الرسول عليها عمه حمزة بن عبد المطلب.
ومعه ثلاثون شخصًا، أرسلوا إلى سيف البحر، فلقوا عيرًا لقريش بقيادة أبي جهل فيها ثلاثمائة مشرك..
ولم يحدث قتال.. إلا أن أبا جهل -بالطبع- قد فهم الرسالة الموجهة إلى أهل مكة، وهي أن هناك قوة جديدة تفرض عليهم السلام والاعتراف بها، وإلا ستهدد مصالحهم التجارية.

وفي شوال خرجت السرية الثانية في ثمانين راكبًا على رأسها عبيدة بن الحارث، وفيها سعد بن أبي وقاص..
ولم يحدث قتال، إلا أن سعدًا رمى بأول سهم في الإسلام، وفرَّ إلى المسلمين المقداد بن عمرو (الأسود)، وعتبة بن غزوان، وكانا قد أسلما وحبسا في مكة.

وفي السنة الثانية للهجرة خرج الرسول الكريم -قبل بدر- بقيادة ثلاث غزوات وسرايا، فقد خرج ليعترض عيرًا لقريش عند (ودان).
فلم يدرك العير، وعاهد بني صخرة على الأمان والتناصر.. ثم بلغه أن عيرًا لقريش يقودها أمية بن خلف في مائة من قريش ذاهبة إلى الشام.
فخرج لملاقاتهم في مائتين من المهاجرين حتى بلغ بواط، فوجد العير قد فاتته، ولم يلق كيدًا. وكذلك خرج الرسول ومعه مائة وخمسون في غزوة العشيرة، لملاقاة عير لقريش يقودها أبو سفيان، ففاته العير.
ووادع بني مدلج وحلفائهم ثم عاد إلى المدينة ينتظر رجوع القافلة... فرجعت وأفلت بها أبو سفيان.. ثم كانت -بسبب هذه العير- غزوة بدر الكبرى.

ونلاحظ أن السرايا السابقة خلت من الاشتباكات الدموية؛ مما يؤكد طبيعتها ووضوح أهدافها التي أشرنا إليها سابقًا.

وقد أغار على المدينة كرز بن جابر الفهري، وهرب، فخرج الرسول في طلبه، ولم يدركه، وهذه تسمى غزوة بدر الأولى.
ثم خرج عبد الله بن جحش على رأس سرية من ثمانين رجلًا، حتى نزلوا (نخلة) في طريق البصرة بأمر الرسول، ولقوا عيرًا لقريش تريد مكة فيها عمرو بن الحضرمي، فقتلوه في آخر أيام رجب.
وأسروا عثمان بن المغيرة والحكم بن كيسان... فكَرِه الرسول ذلك منهم وقال: "لم آمركم بقتال"، وأفرج عن الأسيرين، وأرسل دية القتيل.
ومع ذلك شهَّر المشركون بالمسلمين وقالوا إنهم قاتلوا في الأشهر الحرم.
فنزلت آيات سورة البقرة تدافع عنهم: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ القَتْلِ} [البقرة: 217].

وفي غزوة بدر الكبرى (17 رمضان- 2 هجرية) عدّل رسول الله صفوف المسلمين، وكان في يده قدح يعدل به، وكان سواد بن غزية مستنصلًا من الصف، فطعنه الرسول في بطنه بالقدح وقال: "استو يا سواد". فقال سواد: يا رسول الله، أوجعتني فأقدني.
فكشف عن بطنه، وقال: "استقد". فاعتنقه سواد، وقبَّل بطنه، فقال: "ما حملك على هذا يا سواد؟" قال: يا رسول الله، قد حضر ما ترى.
فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمسّ جلدي جلدك. فدعا له رسول الله بخير. وهذه لمسة إنسانية تدل على الطابع الأخلاقي الكريم للرسول القائد، الرحيم مع أصحابه وأعدائه.

ومع بداية المعركة أخذ الرسول يتضرع إلى ربِّه في إلحاح وخضوع.. فقد روى الإمام أحمد بسنده عن علي بن أبي طالب أنه قال:
لقد رأيتنا وما فينا إلا نائم، إلا رسول الله تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح، وذلك ليلة بدر.. وهو يكثر من قول: يا حي يا قيوم، ويكررها وهو ساجد..
وكان يرفع يده ويهتف بربه ويقول: "اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد بعد في الأرض، اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم نصرك"..
ويرفع يده إلى السماء حتى سقط رداؤه عن منكبيه، وجعل أبو بكر يقول له مشفقًا عليه: يا رسول الله، بعض مناشدتك ربك، فإنه منجز لك ما وعد.

وهذا الموقف أيضًا دليل من الأدلة التي تدل على الطبيعة الإيمانية لحروب الرسول.

وفي غزوة أحد، وبعد خيانة عبد الله بن أبي بن سلول، وعودته بثلاثمائة (ثلث الجيش) قام النبي ببقية الجيش -وهم سبعمائة مقاتل- ليواصل سيره نحو العدوّ.
وكان معسكر المشركين يحول بينه وبين أحد في مناطق كثيرة، فقال: "من رجل يخرج بنا على القوم من كثب -أي من قريب- من طريق لا يمر بنا عليهم؟".

فقال أبو خيثمة: أنا يا رسول الله. ثم اختار طريقًا قصيرًا إلى أحد، ومرَّ الجيش من هذا الطريق بحائط مربع بن قيظى -وكان منافقًا ضرير البصر- فلما أحس بالجيش المسلم قام يحثو التراب في وجوه المسلمين.
ويقول: لا أحلّ لك أن تدخل حائطي إن كنت رسول الله. فابتدره القوم ليقتلوه، فقال: "لا تقتلوه، فهذا أعمى القلب أعمى البصر".
وترفّع الرسول عن قتل الأعمى، مع إساءته للرسول والجيش، وهذه لمسة إنسانية نراها جديرة بالتقدير.

ومن المعروف أنه بعد انتصار المسلمين في موقعة أحد -في أول المعركة- خالف الرماة أمر الرسول لهم بألاّ يتركوا مواقعهم قائلًا لهم ولقائدهم عبد الله بن جبير: "انضح الخيل عنا بالنبل، لا يأتونا من خلفنا، إن كانت لنا أو علينا فاثبت مكانك، لا نؤتينَّ من قبلك"[2].
وفي رواية للبخاري أيضًا: "إن رأيتمونا يخطفنا الطير فلا تبرحوا، وإن رأيتمونا ظهرنا فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم". ومع ذلك نزل أربعون منهم، مُعرِّضين قائدهم عبد الله بن جبير وتسعة معه للإبادة.

وعندما أدرك هذه الثغرة خالد بن الوليد، انقض منها على المسلمين، ثم ركّز المشركون جهودهم ضدَّ النبي، وطمعوا في القضاء عليه، فرماه عتبة بن أبي وقاص بالحجارة فوقع لشقه.
وأصيبت رباعيته اليمنى والسفلى، وشفته السفلى، وتقدم إليه عبد الله بن شهاب الزهري، فشَجَّه في جبهته.
وجاء فارس عنيد هو (عبد الله بن قمئة) فضربه على عاتقه بالسيف ضربة عنيفة، شكا لأجلها أكثر من شهر، ثم ضرب على وجنته ضربة أخرى عنيفة كالأولى.,
حتى دخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته، وقال: خذها وأنا ابن قمئة. فقال رسول الله له وهو يمسح الدم عن وجهه: "أقمأك الله". فلم يلبث أن هلك عندما نطحه تيس أثناء عودته!!

وفي الصحيحين أنه كسرت رباعيته، وشج في رأسه، فجعل يسلت الدم عنه ويقول: "كيف يفلح قوم شجوا وجه نبيهم، وكسروا رباعيته وهو يدعوهم إلى الله".

ومع كل ذلك كان لا يفتأ أن يقول: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون". وفي رواية مسلم: "ربِّ اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون".

ومع أن منظر الشهداء كان مريعًا يفتت الأكباد، فحمزة -رضي الله عنه- لم يوجد له كفن إلا بردة ملحاء إذا جعلت على رأسه قلصت عن قدميه.
وإذا جعلت على قدميه قلصت عن رأسه حتى مدت على رأسه، وجعل على قدميه الإذخر، ومع أن هندًا بنت عتبة مثـَّلت به، وأخرجت كبده لتأكلها ثم لفظتها..

ومع أن الداعية العظيم مصعب بن عمير -رضي الله عنه- كُفن في بردة إن غطى رأسه بدت رجلاه، وإن غطى رأسه بدا رأسه، وروى مثل ذلك عن خباب، وفيه: فقال لنا النبي: "غطوا بها رأسه واجعلوا على رجله الإذخر" (وهو نبات)..

مع كل هذا العناء الذي كابده الرسول فإنه أمر أصحابه -بعد أن انصرف المشركون- بأن يقفوا صفوفًا.
وقال لهم: "استووا حتى أثني على ربي عز وجل"، فصاروا خلفه صفوفًا، فقال: "اللهم لك الحمد كله، اللهم لا قابض لما بسطت.
ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لمن أضللت، ولا مضل لمن هديت، ولا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت، ولا مقرب لما باعدت.
ولا مبعد لما قربت، اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك..

اللهم إني أسألك النعيم المقيم، الذي لا يحول ولا يزول، اللهم إني أسألك العون يوم العيلة، والأمن يوم الخوف، اللهم إني عائذ بك من شر ما أعطيتنا وشر ما منعتنا.
اللهم حبِّب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.
اللهم توفّنا مسلمين وأحينا مسلمين وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين. اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك، ويصدون عن سبيلك، واجعل عليهم رجزك وعذابك".


رد بواسطة الزيادات أحمد
بوركتم أخي
21-05-2014 03:52 PM
الزيادات أحمد
تحيةأخي الكاتب

أوّلا : لم تفصح بشكل مناسب عن مقصودك بمصطلح ( الوطنية الإنسانية ) وهذا يصعّب الحوار .

ثانياً : أتمنى أن لا تكون ممن يدعون للإنسانية بمفهومهاالمقدّس للإنسان دون ضوابط شرعية أو اعتبارات ،الإنسانية في المفهوم الغربي ترتكز على الإيمان بالإنسان، والاعتقاد بقيمته واعتباره مقياس كل شيء، ويتم ذلك عن طريق تحقيق الحرية، وسبيل ذلك لديهم تحطيم ما يسمونه قيود العصر الوسيط ومقاومة الجمود والتقليد، والسعي إلى إحياء التراث اليوناني والروماني.



وبذلك فإن الإنسانية أصبحت بمثابة دين يعبد من دون الله، فهي تجعل الإنسان مقياس كل شيء، وقادرًا على بلوغ حقه المطلق للتمتع بالحياة.



إن من مظاهر مفهوم الإنسانية عند أصحاب الاتجاه التوفيقي هو النظر إلى ما يخص النوع البشري والتهاون فيما ينبغي من اعتبار معيار الحق والالتزام به، فهم حين ينادون بشعار "الإخاء الإنساني" بدعوى عدم التفرقة بين أنواع البشر، إنما يتابعون في ذلك مفكري الغرب الذين سبقوا إلى تبني هذا الشعار، وردده عدد من مفكريهم في مطلع ما يسمى عندهم عصر النهضة؛ بل الأنكى من ذلك أن بعض هؤلاء المفكرين ذهب إلى تأويل الآيات القرآنية تأويلاً لا يمت إلى الإسلام بصلة، إذ يقول أحدهم مثلاً: "إن لفظ (الإسلام) في قوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ}(19)سورة آل عمران، وقوله تعالى:{وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}(85) سورة آل عمران. لا يعني إلا الاستسلام لرب واحد، فإذا تحقق استسلام أحد من الناس مسلماً كان أم غير مسلم فهو مرضي عند الله !!



ثالثاً : هناك لغط وغلط كبيرين في مفهومك لما ذكرت أوردته من آيات ؛ ولو أنك أتيت بها بتمامها لتبين المعنى ،( وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا ( 29 ) )



( وقل الحق من ربكم ) أي ما ذكر من الإيمان والقرآن معناه : قل يا محمد لهؤلاء الذين أغفلنا قلوبهم عن ذكرنا : أيها الناس [ قد جاءكم من ربكم الحق ] وإليه التوفيق والخذلان وبيده الهدى والضلال ليس إلي من ذلك شيء .



( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) هذا على طريق التهديد والوعيد كقوله : " اعملوا ما شئتم " ( فصلت - 40 ) .



وقيل معنى الآية : وقل الحق من ربكم ولست بطارد المؤمنين لهواكم فإن شئتم فآمنوا وإن شئتم فاكفروا فإن كفرتم فقد أعد لكم ربكم نارا أحاط بكم سرادقها وإن آمنتم فلكم ما وصف الله عز وجل لأهل طاعته .



فخير من الدعوة للإنسانية هو دعوة الناس للحق ( دين الإسلام )



مع احترامي لشخصكم
22-05-2014 10:03 AM
الزيادات أحمد
{وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا} سورة الكهف الآية 29

قال الحافظ السيوطي في الدرّ المنثور في التفسير: أخرج حنيش في الاستقامة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات، عن ابن عباس في قوله: {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ}.



يقول: من شاء الله له الإيمان ءامن، ومن شاء الله له الكفر كفر، وهو قوله: {وما تشاءون إلاّ أن يشاءَ الله ربُّ العالمين} التكوير_29



وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ}. هذا تهديد ووعيد.اهـ



أي الآية ليست ترخيصًا في الكفر، بل تهديد ووعيد لمن كفر أن له النار.



وقال الإمام الطبري في تفسيره: وقد بيّنا في غير هذا الموضع أنّ العربَ تُخرِج الكلامَ بلفظ الأمر ومعناها فيه النهي أو التهديد والوعيد، كما قال جل ثناؤه: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [سورة الكهف: 29]، وكما قال: {لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [سورة النحل: 55 سورة الروم: 34]، فخرج ذلك مخرج الأمر، والمقصود به التهديد والوعيدُ والزجر والنهي.



وقال الإمام القرطبي في تفسيره: وله تعالى: (لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر) اللام متعلقة بـ "نذيرا"، أي نذيرا لمن شاء منكم أن يتقدم إلى الخير والطاعة، أو يتأخر إلى الشر والمعصية، نظيره: "ولقد علمنا المستقدمين منكم" [الحجر: 24] أي في الخير "ولقد علمنا المستأخرين" [الحجر: 24] عنه.

قال الحسن: هذا وعيد وتهديد وإن خرج مخرج الخبر، كقوله تعالى: " فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر " [الكهف: 29 ]

فأرجو من الكاتب الكريم أن يعتبر التفسير العلمي للآيات
22-05-2014 10:07 AM
الزيادات أحمد
دعوة الإنسانيين الأولى!



تضاربت المفاهيم الغربية في وصفها للإنسان والإنسانية وظهرت مذاهب أسمت نفسها بالنزعة الإنسانية وأخرى بالحداثة والعدمية وغيرها من المصطلحات الفلسفية؛ إلا أنه في العموم يمكن القول بأن الحركة الفكرية التي نشأت في عصر النهضة الأوروبية هي الأساس في ظهور ما يسمى بالمذهب الإنساني والذي اعتمد في مضمونه بشكل كبيرعلى الفكر اليوناني الوثني والآداب اليونانية واللاتينية.





وكان أساس ذلك المذهب هو التحرر من كل سلطة يمكن أن تكبل الروح الإنسانية ؛ وأن على الإنسان أن يهتم بالمادة قبل الروح لأنها الشيء الوحيد الذي يستطيع إدراكه والسيطرة عليه وأن الطريقة الوحيدة كي يحقق الإنسان إنسانيته هي في التمتع بكل الملذات الحسية لأنها الشيء الوحيد الذي يستطيع الإنسان لمسه وإدراكه!





لقد كانت دعوة الإنسانيين ظاهرها أن يعيش بني البشر جميعهم في محبة وألفة دون أي مؤثر آخر من دين أو قومية إلا أنهم تناسوا في خضم تصوراتهم الخيالية أن الواقع لا يقبل مثل تلك الافتراضات؛ فالخلافات والصراعات والحروب بل حتى الفروق الفردية بين الناس لا يمكن إنكارها أو تجاهلها. أما باطنها فهو ألا بعث ولا جزاء ولا حساب ومن ثم كان المذهب الإنساني بالرغم من دعواته البراقة ليس إلا مولودًا مشوهًا لانفصال الإنسان الغربي والأوروبي على وجه الخصوص عن دوغمائية الكنيسة التي ظلت جاثمة فوق صدره ودماء إنسانيته على مدى عقود مظلمة.



22-05-2014 10:12 AM
الزيادات أحمد
الإنسانية في الإسلام



فلم يشكل مفهوم الإنسان إزعاجًا كبيرًا أمام المفكرين الإسلاميين؛ لاسيما وأن الإسلام جاء ومحور اهتمامه هو الإنسان وإصلاحه وتحرير إرادته وتكليفه بما يضمن له السعادة في الدنيا والآخرة. حتى أن أبرز العلماء المسلمين كانت رؤيتهم لمفهوم الإنسان رؤية لا تخلو من إيمانهم العميق بعظمة المعجزة الإلهية التي أودعها الله في الإنسان, تلك الرؤية التي بلورها لأمثال ابن خلدون عالم الاجتماع الشهير - على سبيل المثال- في اعتبار الإنسان كائنا اجتماعيا لا تصح حياته بدون مجتمع "فالاجتماع ضروري للنوع الإنساني إلا لم يُتخيل وجودهم وما أراد الله من اعتمار العالم بهم واستخلافه إياهم"-



ولقد تضمن القرآن الكريم العديد من الآيات التي أعلت من شأن الإنسان وأكدت على منزلته العظيمة وتكريم رب العالمين له. وهذه الحقيقة يمكن استخلاصها من أكثر من موضع في القرآن الكريم؛ فالتكريم لم يكن فقط بمنح الإنسان نعمة العقل والفكر وحسن الصورة والهيئة ولا حتى باستخلافه في الأرض فقط ولكن كذلك في تسخير ما في الكون لخدمته وفرض تشريعات لصيانة حقوقه وممتلكاته وإلغاء أي وساطة بينه وبين ربه.





تكريم الذات الإنسانية



الحقيقة أن الإسلام قدم النموذج المثالي لتكريم الإنسان لم يسبقه إلى ذلك أي مواثيق وضعية؛ فقد منحه سبحانه وتعالى الهيئة السوية وميزه بنعمة العقل ليخرج كأفضل مخلوقاته والجدير بتكليفاته وخلافاته على الأرض.



قال تعالى في محكم آياته: "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا" (الإسراء:70) والتكريم الإلهي شامل لكل أصناف الخير والفضيلة. فكرم ربنا سبحانه وتعالى بدءًا من حسن خلق الإنسان وهيئته ليظهر في أحسن تقويم "لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم" (‏ التين‏:4)" فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون" (الروم:30)





وفي ذلك يتساوى جميع بني البشر عند لحظة الميلاد ثم يتفاوتون في مراحل حياتهم بعد ذلك في اتصالهم بتلك الفطرة الإيمانية المستقيمة.



22-05-2014 10:13 AM
مريم عبد المجيد
فعلاً الإنسانية يا دكتور رعد أصبحت بحاجة إلى سؤال ، طرحكم نبيل وفي وقته ، وموضوعتكم دائماً موضع أهتمامنا وتقديرنا
22-05-2014 10:18 AM
عضو الهيئة الجليلة على المستوى العالمي / أمين مبارك الشمايلة
جزيل الشكر ووافر العرفان إلى الأخ الفاضل الزيادات أحمد ، غير أنني حزين يا أخي ولعدة نقاط أهمها جهلنا لأنفسنا بداية ، وللتوضيح أكثر نقول أن الدكتور السيد المؤسس الشريف رعد صلاح المبيضين دام ظله الشريف قد سبق محبوب الحق وزير المالية الباكستاني الأسبق في طرح مفهوم الأمن الإنساني ، إلا أنه ولعدة اعتبارات من أهمها تجاهل الأردن لرجالاته وتجاهل العرب والمسلمين لطاقات الشباب جعلت كل ما لدينا مباح للغير ، ولدي الدليل فلو عدنا يا صديقي إلى عام 1979م لوجدنا أن شاب وفي شرخ الصبا يتحدث في جريد الشعب الأردنية عن الأمن الإنساني في مقالة له جاءت تحت عنوان ( أنا لم أعلن إنسانيتي بعد ) ، مضاف لها عدة مقالات يمكن العودة لها تسبق وثيقة الميلاد الرسمية لمفهوم الأمن الإنساني عام 1994 م بعقود، والتي وعلى غرارها تم نيل جائزة نوبل للاقتصادي المعروف أمارتيا صن (الحاصل علي جائزة نوبل في الاقتصاد عام 1998) .
ولو أعدنا النظر بكل ما يقول الدكتور رعد لوجدنا أنه يعرف جملة المشاكل التي تواجهنا ، إلى مشاكل قانونية بالدرجة الأول وقد قرأت للدكتور عدة مقالات بهذا الشأن ، وفي تقديره أن السبب يعود لكوننا عالم ثالث ، والعالم الثالث بحسب التصنيف العالمي في الأمم المتحدة لا يتمتع بحقوق سياسية كاملة وتكفيه الأحكام العرفية ، ما يعني أن القضية تتجاوز تلك المفاهيم التي تختزل الأمن الإنساني في الحماية: وكأن الأمر يتعلق بتعرض الأفراد والمجتمعات لأخطار تهددهم تهديدا بالغا، وانه لحماية الإنسان من هذه المخاطر يجب الاعتراف بالحقوق الأساسية للإنسان، وتحديد المهددات التي تهدد أمن الإنسان تهديدا خطيرا سواءً كانت هذه التهديدات تقليدية أو غير تقليدية، ثم بعد ذلك بذل مجهود حقيقي من خلال المؤسسات الوطنية حكومية وغير حكومية لحماية هذا الأمن، والحقيقة أن الأمر أخطر بذلك بكثير وإلا أين تكمن خطورة ما يطرح الدكتور رعد ؟ يكمن في كونه يعلن العرب والمسلمين كإنسانيين لا بد أن يتمتعوا بحقوق سياسية كاملة .
أما فيما يتعلق فيما ذهبت إليه ، فإن معرفتي في الرجل وكأمين لسر المؤسس فإنه على درجة من الورع الديني الكبير جداً ، ويحمل رسالة الوسطية السمحة ، هذا رجل يشفق حتى على أولئك الذين نسميهم إرهابيين ، وحين نناقشه في هذا الأمر يقول لنا ماذا لو تربيتم تربية غير شرعية ، وسلبتم منكم إنسانيتكم ، وأوطانكم ، وغدوتم مشردين في الأرض التي تنتشر فيها الأمراض والأوبئة والفقر والتلوث البيئي ، فماذا أنتم فاعلون ، وهل تكونون محط عداء أم شفقة ؟ الرجل يبحث عن علاج لمهددات الأمن الإنساني قبل أن تتخلق ويقول لنا وبكل صراحة مشاكلكم كذا وكذا والحلول كذا ، لم يكن الدكتور دام ظلة الشريف في صدام مع الشريعة الإسلامية أو مع أي من المذاهب الإسلامية ، ويرتبط بعلاقات مع شخصيات مختلفة ومتعددة سواء الإسلامية أو غيرها من أصحاب الديانات الأرضية والسماوية ، وأتمنى أن تقرأ أكثر للدكتور وتعيد النظر في رأيك الذي جاء مجحف بحق قامة عربية إسلامية إنسانية عالمية لم ننصفها كأردنيين ، الرجل الذي ما زال يقول عن الأردن ( المجمع الإنساني الأعظم ) !
رد بواسطة الزيادات أحمد
الأخ الأستاذ أمين حفظط الله



شكر الله لك حسن الحوار ؛ ولكن الملاحظ أنكم حملتم كلامي مالا يحتمل ، أنا لست على علاقة شخصية مع أخي الأستاذ رعد المبيضين لكني أكن له كل الاحترام وأنا إنما أناقش وأنقد ما كتب ، وكلامي الذي قلته متجه نحو فئة من دعاة الإنسانيّة الغربيين كما تلاحظ بالتأكيد ، ولا أظن الأخ الشريف رعد المبيضين منهم ، ثم إني قد صدمني ايراد الآيات في غير محلها فأحببت التعقيب ، وأقبل النقاش في هذا



ولكما فائق التقدير والاحترام
22-05-2014 11:04 AM
واصف السيلاوي
وين المشكلة أستاذ زيادات ؟!!!
22-05-2014 11:08 AM
مجاهد درواشة
المضامين التي جاء يها المقال مختلفة تماماً عن التعلقيات ، وكأن أصحاب التعليقات يعلقون على موضوع أخر ، لا أعرف ما هو السبب في ذلك
22-05-2014 11:10 AM
المرقاب
الأخت مريم هنالك خطأ إملائي ربما غير مقصود جاء في كلمة : وموضوعتكم والصحيح : موضوعاتكم .
22-05-2014 11:14 AM
معتصم أبو الهوى
الأستاذ أمين الشمايلة أتفق معك تماماً فيما ذهبت إليه ، لأن هنالك أهمال من قبل حكومات الفساد والإفساد بالقامات العربية التي لم تحضى بلفتة رسمية ، هم يعرفون الحق ويعرفون رجال الحق كما يعرفون أبنائهم لكنهم غير معنيين في توقيف سراقتهم ، وتخيل يا رعاك الله لو أن قامة إنسانية مثل الدكور رعد البيضين شكل الحكومة الأردنية ، أين يمكن أن يفروا الفاسدين ؟ أين ؟ وله في كل دولة عين ويد تحاول منظمات مثل الأمم المتحدة وغيرها ألا تعيرها أي أهتمام على الرغم من معرفتها الحقيقية بكل قوى الإنسانيين .
22-05-2014 11:25 AM
رامي الجدع
أي إنسانية تعالوا أتفرجوا شوبصير معنا قاطعين رزقنا وملفقين لنا تهم ما بتيجي على بال أبليس وإذا الواحد فتح ثمه بيقولوا إرهابي أو مهرب أسلحة أو تاجر مخدرات أو مزور مصاري يا عمي أحنا متهمين تحت الطلب وبتقلي يادكتور إنسانية إنسانية مين وين في البلد ألي بتغذوا فيه المسؤولين على دمنا حسبنا الله والله يقويك ويعطيك السلطة على كل الحرامية واللصوص في الداخل والخارج
22-05-2014 11:37 AM
وليد ساطع
نحن في زمن ضاعت فيه الانسانية والرحمة والشفقة .. في زمن نرى فيه قطع الرؤس وتمزيق الاجساد او طعنها بعدة غرزات كي يشفى غليل القلب منها وذنبها فقط انها لم توافق راي السفاح او تمشي اثر خطاه الاجرامية
22-05-2014 11:39 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات