حِوار بين ثناياه ألم


على بابٍ من أبواب " دور العجزة " ... والإبن يهَّم بالخروج تاركاً أباه بين أولئك الذين سطَّر الزمان على وجوههم ملامحه ..! ونقش على أجسادهم تضاريسه ....!

ممَّن فرَّط بهم أبنائهم ، وأنكروا حقوق ربهم عليهم ، في وقتٍ أحوج ما يكونون فيه إلى رعاية وعطفٍ وحنان ....!!! دار بين الأبِ .... والإبنْ الحوار التالي :

الأب : " والدمعة تترقرق في عينيه " ... ! وهل ستتركني يا بنَّي هنا ، بعد أن بلغ بي العمر مبلغه ...!!!

الإبن : وماذا تريدني أن أفعل يا أبتي ..؟ أأترك أبنائي وزوجتي كي أبقى بجانبك ..!

الأب : لكننَّي محتاج لك يا بنَّي أكثر من ذي قبل ، لقد وهن جسمي ، وإنحنى ظهري وخارت قواي ..! ولا حول لي ولا قوَّة .

الإبن : آآلآن أدركت أنك محتاج إليَّ ..!!! وعرفت أن لك إبناً ...!. أين كنت عنَّي يا أبتي حين كنت محتاجاً إليك ..؟! إلى عطفك ، وحنانك ، ورعايتك ، وأبوَّتك ...!!!!

أين كنت عنَّي ، وقد تركتني أتنقَّل بين هذا ...وذاك ، بين صديق أضلنَّي وأغواني ، وبين أحضان قريب ضجر منَّي وملنَّي ... أين كنت عنَّي ..؟؟؟!!!

الأب : آهٍ بنَّي .. وهل إرتكبت ذنباً حين أنجبتك ..؟! ... كي تتركني في هذا المكان بين هَّم وغَّم وضنك ، أتجرَّع مرارة الأيام ، وأطوي بين جوانبي الحزن والآلآم .!

الإبن : ... لقد عيشتَّني يا أبتي الهَّم والغَّم والضنك ..! حين كنتَ بعيداً عنَّي ، بعيداً إلى حيث المُغريات ....! والنساء المتبرَّجات ، والسير في الطرقات .... من فتاة إلى فتاة ....!

الأب : لقد ظلمت نفسي يا بنَّي ..! والشيطان أغواني ...! وزيَّن الشهوات أمامي ، وأضلنَّي ... ! .... أفلا تكون لي يا بنَّي خير معين ..؟!! وقد إعترفت بذنبي .

الإبن : نعم يا أبتي ، " ألإعتراف بالذنب فضيلة " لكنَّي والله يحز في نفسي أن ما كان يربطك بي لا يتعدَّى " أموراً مادية " .... نعم ، أغدقت عليَّ المال ، وعلمتنَّي " الفتوَّة " لكن دون تربية ...! ولا أبوَّة ، ولا بنوَّة . ولا إنتساب إليك إلا " بالهوَّية " وسأعيد إليك ما أنفقت عليَّ ، ولن أنكر ما قدمَّت إليَّ ، الأب : ألا تعلم يا بنَّي أنه " كما تدين تدان " .. وماذا تأمل من أبنائك أن يعاملوك ؟

الإبن : " وإبتسامة حُزن تعلو محيَّاه " ... نعم أبتي أعلم ، وأرجوا الله أن يعاملني أبنائي كما أعاملهم ... لقد غرست فيهم بذور خير ...! بذور عطف وحنان ، وأدب وأخلاق ، وقيم ، .... ذاك ما زرعت فيهم يا أبتي ...!

أما أنت ، فلم تزرع فينا غير الدراهم والدنانير ، وأسقيت كل ذلك بالبعد عنَّا ، والقسوة تجاهنا ، وتخليَّت عنا وقد كنَّا بأمس الحاجة إليك ......!!!

الأب : " والدمعة تتأرجح من على خديَّه "...أين أنت يا بنَّي من قوله تعالى : ــ " وقل ربي إرحمهما كما ربياني صغيرا " الإبن " ..... آه .... لقد قلت " ربياني " ......! وهل ربيتنَّي يا أبتي كما أراد الله ؟!

تربية إسلامية ... أخلاقية ...! كي تنتظر منَّي ما رسختَّه فيَّ ....

الأب : " وقد يأس ، وإعتذر ، وتأسف " ... أشكرك يا بنَّي ، وأدعو الله أن يوفقك في حياتك ، وأرجو الله أن يسامحني ، ويغفر لي خطأي ، وإسرافي ، وزللي ...

الإبن : " والألم يعتصر قلبه ، وهو يقلب في ذهنه آيات ربَّه ، الآيه تلو الآيه ..." إلى أن وصل إلى قوله تعالى " وصاحبهما في الدنيا معروفا " .... فإلتفت فجأةً إلى أبيه .....!! ونظر إليه بصمت ...!! وطال صمته ... وسرعان ما إنهال باكياً ... صارخاً ...متأسفاً ... مقبلاً رأس أبيه ....!

سامحني يا أبتي على ما كان منَّي ...! " لعن الله الشيطان " الذي أفقدني صوابي ..!

وأنساني آيات ربي ...! وما لك من حقٍ عليَّ ، " يعانق الإبن اباه " وتمتزج الدموع .... دموع الحزن والفرح ويحمل الإبن أباه .... يحمل " مفتاحاً " من مفاتيح الجنَّة ، كاد الإبن أن يضيَّعه ، بين زلل من الشيطان ، وبعدٍ عن آيات ربه ، وضعف من الإيمان .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات