في الازمة الاوكرانية .. السيناريوهات والحلول


تتصدر الازمة الاوكرانية اليوم الواجهة السياسية وتحتل مركزا متقدما في وسائل الاعلام العالمية المختلفة ، فاعمال العنف تزداد اليوم بعد قرار السلطات النازية الجديدة في كييف غزو المناطق الجنوبية والشرقية من البلاد بحجة مواجهة الارهاب والانفصاليين هناك . اليوم الثاني من ايار استفاقت مدينة سلافيانسك على دوي الطائرات والمروحيات واصوات الصواريخ تقصف الاحياء السكنية في المدينة في اعلان للرئيس المعين تورتشينوف عن بدء اقتحام المدينة لتحريرها ولا ندري كيف من الممكن تحرير مدينة من اهلها وسكانها؟؟؟. لم يعد الموقف الرسمي لعصابة الراديكالية النازية الجديدة في اوكرانيا مفاجئا بعد ضرب المدن بالطائرات التي تم اسقاط ثلاث مروحيات منها في الساعات الاولى لبدء الهجوم ، وليس مفاجئا تلك القرارات التي اصدرها زعيم العصابة القابع في كييف تورتشينوف اليوم وبالامس حول تنظيم ومراقبة كل ما ينشر في وسائل الاعلام ومراقبة دخول الاجانب والصحفيين الى البلاد وتحريم نصب الخيام بالشوارع والساحات وذلك للتعتيم على الجرائم التي ترتكبها عصابات البونديرا النازية الاوكرانية ضد السكان المدنيين من الروس في شرق البلاد ، وليس غريبا ولا مفاجئا قرار التحالف الاوكراني النازي عدم الاحتفال بيوم النصر على الفاشية في الحرب العالمية الثانية والدعوة لتسيير مسيرة على النمط الفاشي الهتلري وتحت صخب الموسيقى الفاشية في شوارع كييف احتفاء بالنصر على الفاشية ، والاغرب من هذا كله ان امريكا ورئيسها اوباما وغيرهم من القادة الغربيين الذين يدركون حقيقة الفاشية وخطورتها على البشرية يتهافتون اليوم على معانقة رموزها في اوكرانيا ويقدمون لها الدعم والتأييد وسط احتجاجات شعبية عريضة . هاهي اوكرانيا تشهد اليوم حربا تشنها عصابات متطرفة تم تشكيل نواتها العسكرية وتدريبها امريكيا واوروبيا لترتد على شعوب العالم بالشر والدمار ؟ والتي بدأت ملامحها تبدو في محيط جمهورية دانيتسك الشعبية وبعد ان اعلنت قيادات هذه العصابات النازية مثل يارش ورئيسة الوزراء السابقة تيموشينكو صراحة وبوقاحة عزمها على ابادة الروس في اوكرانيا بالنووي ومسح مدنهم وتسويتها بالارض تحت سمع ومباركة الولايات المتحدة والعالم الغربي؟؟ . هذه الحرب الخطرة ضد شعب جنوب وشرق اوكرانيا لن تحقق بالتأكيد الا الخسارة للشعب الاوكراني في غرب البلاد الذي تحارب هذه العصابات باسمة وتدعي تمثيلها له الذي سيدفع ثمنا باهظا ، فالجرح بين الشرق والغرب الاوكراني تاريخي ودفين منذ الحرب العالمية الثانية بالرغم من حرص الدولة السوفياتية سابقا عدم السماح باخراجه للعلن ، فالاوكران الغربيون تعاملوا مع الفاشية اثناء الحرب وهم من مارس ابشع انواع التعذيب ضد الشرق الاوكراني والروس ولا تنسى ذاكرة التاريخ استقبال الاوكران الغربيين للجيش الالماني حينها بالخبز واللحم. من هنا يمكننا القول ان التصعيد الحالي في اوكرانيا يستخدم ضد روسيا اولا ورئيسها بوتين من قبل الولايات المتحدة والغرب في محاولة يائسة لتهديد روسيا التي تستأثر بالعديد من الملفات على الساحة الدولية لعل ابرزها الملف السوري والايراني وتستخدم في ذلك حالة الصراع التاريخي بين الاوكران واثارته بوجه روسيا للتأثير على سياساتها الخارجية عالميا . من هنا لم يكن الامر مفاجئا ان تدفع سلطات كييف الحليف للولايات المتحدة بقواتها العسكرية نحو الجنوب والشرق الاوكراني لاستفزاز الدب الروسي ، كما ليس مفاجئا ان انتهت المحادثات الروسية الامريكية بين وزيري الخارجية لافروف وكيري في باريس الشهر الفائت الى لا شيء دون تحقيق تقدم حاسم في حل الازمة ، كما هو لقاء جنيف الذي توصل فيه الاطراف الى تفاهمات واتفاق ولكن دون تطبيق ما تم الاتفاق عليه، اذ ان الولايات المتحدة على ما يبدو لا تزال تمارس سياسة مريضة في تعاملها مع الازمة الاوكرانية من خلال محاولاتها تسجيل النقاط على روسيا وانها غير متعجلة في التوصل الى اتفاق مع روسيا وسط اوهام القوة المضخمة او العكس انهاك اوكرانيا واضعافها . لا تزال امريكا تحاول ايهام نفسها وحلفائها الغربيين بان بامكانها توفير اوراق مساومة مع روسيا تخدم مصالحها في اوكرانيا , ويحضرني هنا التذكير بأن مثل هذه السياسة لن تحقق شيئا لا لاوكرانيا ولا للغرب المنبطح ولا حتى لامريكا نفسها وهي سياسة لا محال خاسرة لأن امريكا تناست او تنسى بقصد ان الاقاليم الجنوبية والشرقية المؤيدة لروسيا في اوكرانيا قادرة على اقامة علاقات مع موسكو مما يتيح ربط هذه الاجزاء بروسيا كما سبق وحدث في شبه جزيرة القرم . لذا مخطىء من يرى ان روسيا تتصرف من منطلق ضعف وهو ما تردد مؤخرا في خطابات الرئيس الامريكي اوباما أ اضف الى ذلك اذا كانت اوكرانيا تلهث اليوم للانضمام الى حلف الناتو على الرغم من ان استطلاعات الراي تشير عكس ذلك فأن الدول الحليفة للولايات المتحدة في الناتو تتساءل بشكل معقول عما اذا كانت اوكرانيا تمثل بالنسبة لهم منفعة ام تشكل عبئا ثقيلا ومن ثم الحكم على ملائمة الانضمام وفقا لذلك.
اليوم وبعد دخول القوات العسكرية الاوكرانية سلافيانسك ومحاصرتها كراماتورسك وخاركوف ولوغانسك يقفز الى الذاكرة النموذج الجورجي 2008 ، حيث لم تتمكن امريكا وحلفاؤها الغربيين من مساعدة حليفهم ساكاشفيلي عندما اجتاحت القوات الروسية ابخازيا واوسيتيا ذات الغالبية الروسية ، فكما شجع الغرب جورجيا حينها على الانضمام لحلف الناتو لمحاصرة روسيا من الخاصرة القوقازية نرى نفس السيناريو يتكرراليوم في اوكرانيا . اوكرانيا لا تقل اهمية عن جورجيا بالنسبة لموسكو ان لم نقل اكثر اهمية من حيث الموقع الجيو سياسي الاستراتيجي ، فبالاضافة الى الحدود الطويلة لروسيا مع اوكرانيا فان موسكو لا تبعد سوى بضع مئات الكيلومترات عن كييف ، المناطق الحدودية مع روسيا تقطنها غالبية روسية ، المصانع الانتاجية التي بناها السوفيات في الجنوب والشرق الاوكراني تعتمد في تصدير انتاجها على السوق الروسية ، اضافة الى اكثر من مليونين من الاوكران يعملون داخل روسيا ، كما لا يفوتني هنا التذكير بقول مشهور لمستشار الامن القومي الامريكي السابق بزيجينسكي عن اوكرانيا " ان روسيا اذا فقدت اوراسيا فعليها ان تنسى بانها ستصبح قوة عظمى في العالم " فلننظر الى موقع اوكرانيا الجغرافي واهميته الجيوسياسية ، اوكرانيا تقع في قلب اوراسيا وهو ما يمكن من يسيطر على هذا القلب من السيطرة على العالم ، حيث مركز المواصلات البرية والبحرية بين اسيا واوروبا ومن هنا يمكن فهم الموقف الروسي والقول بان من المستحيل على روسيا التفريط او ترك اوكرانيا للغرب . من خلال هذا العرض وفي الوقت الذي يزداد فيه الصراع في اوكرانيا سخونة بين روسيا والغرب يتضح ان الغرب وامريكا لا يملك الكثير من الاوراق الرابحة في هذه المنطقة لمواجهة القوة الروسية التي تملك العديد من اوراق القوة ولديها الكثير من السيناريوهات لحسم الموقف والصراع بسهولة ، فالغرب الذي يطلق التهديدات التي تحذر روسيا من التدخل العسكري في اوكرانيا ويهدد روسيا بالعزلة يبقى عاجزا على ترجمة هذه التهديدات لاسباب كثيرة ولعل اولها اقتصادي ، حيث تعاني اوكرانيا من ازمة مالية واقتصادية متفاقمة تنذر بافلاسها وهي بحاجة الى عشرات المليارات وهو ما يعجز الغرب وامريكا عن تقديمه رغم الوعود العرقوبية فالدول الاوروبية نفسها تعاني من العجز المالي وغارقة بالديون ومنها ما افلس مثل اليونان والعديد يواجه خطر الافلاس ايطاليا واسبانيا وايرلندا في الوقت الذي تملك فيه روسيا الامكانات المالية الضخمة ولديها من الاحتياطي فقط 600 مليار دولار والوضع الاقتصادي الروسي بأوجه من التقدم والنهوض ، واما خرافة عزل روسيا فما هي الا فقاعة وكلام للاستهلاك الاعلامي اذا ما اخذنا بالاعتبار حاجة امريكا الماسة للحفاظ على استثماراتها في روسيا التي لا تستطيع تعويضها ايا كان في العالم ، كما لا يمكن اغماض عيوننا عن الاكتتابات الروسية في سندات الخزينة الاميركية التي تبلغ 120 مليار دولار اذا ما طرحتها روسيا في السوق ستدفع بالنظام المالي الامريكي للانهيار وانهيار سيطرة الدولار عالميا وهو ما صرح به مستشار الرئيس بوتين سيرغي غلازييف مؤخرا ، اما اذا نظرنا الى اوروبا فهي الاخرى اسيرة العلاقات مع روسيا ، اذ تعتمد في سد حاجاتها من الغاز الروسي بنسبة 35بالمائة اضافة الى حاجاتها للمساعدات المالية الروسية لمواجهة ازماتها ، اما عسكريا فليس لدى الولايات المتحدة وحلف الناتو اليوم نية الدخول في حرب عسكرية مع روسيا لان كل الظروف العسكرية تميل لصالح روسيا فلها اسطولها في البحر الاسود والقرم اصبحت روسية ولروسيا كما اسلفت حدودا طويلة مع اوكرانيا تمكنها خلال فترة قصيرة من السيطرة على المناطق الشرقية والجنوبية حيث التأييد الشعبي من السكان هناك ، كما ان الغرب لا يملك القدرة المالية للانفاق على مثل هذه الحرب لو اندلعت خاصة في اعقاب هزيمة الناتو في العراق وافغانستان وقرار الناتو الانكفاء عن خوض الحروب البرية ، اضف الى كل ذلك ان لدى روسيا الكثير من المبررات للتدخل في اوكرانيا على عكس الغرب الذي يفتقر لمثل هذه المبررات ، الروس يعتمدون على مطالبة سكان المناطق الشرقية والجنوبية بحمايتهم من اعتداءات المتطرفين من الغرب الاوكراني وتستند الى مبرر حماية رعاياها ومصالحها وامنها القومي . مما سبق استطيع القول بانه وامام عجز الولايات المتحدة ودول الغرب في دعم اوكرانيا ورجحان الكفة للصالح الروسي واستخدام موسكو السلاح الاقتصادي للاخلال بموازين القوى في اوكرانيا وامام الصمود الشعبي في مواجهة النازيين والفاشيين الجدد فأن حل الازمة الاوكرانية سيبقى بيد موسكو ووفقا لوجهة النظر الروسية وفقط بالطريقة التي تفرضها روسيا رضي من رضي وغضب من غضب.



تعليقات القراء

DR ENG RIDA ALSHBOUL
معلومات قيمة جدا
اتمنى على الدولة ان تقراء ما تكتب

انها افغانستان 2
الامبراطوريات تقاتل حتى تفنى
فايهما يفني الاخر
الامبراطورية العادلة تنتصر

نتمنى ان تنتهي الازمة قبل ان تبداء
لان نارها سيحرق المنطقة العربية

03-05-2014 06:12 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات