أمانة عمان تجْتَثُّ مراحل من تاريخ عاصمتِنا الغالية!


المُتابع لِما يُنشَر، أو ما يجري الحديث عنه في بعض الندوات أو المُقابلات المُتلفَزَة يصاب بالذهول أحياناً. والسبب عدم توخي الدقة أو التَّثَبُت من الشأن الذي يُكتَب فيه أو يُقال عنه في حالات، أو عدم الأمانة العلمية والمِهَنية في نقل المعلومات أو اجتثاث أجزاء مهمَّة منها وتقديمها ناقصة.

هذا الأمر ينسحب على عناوينَ مختلفة لا تتسع المساحة للخوض فيها الآن. لكن أؤكد أنه عند الكتابة أو الحديث عن حِقَب التاريخ ومراحله ورجالاته، يُفترَض سرد الوقائع والأحداث والحوادث استناداً إلى المصادر والمراجع والوثائق المُعتَمَدة.

وعليه إمَّا أن يَكتب كاتب المادة التاريخية أو يتحدث عنها كما هي وليس حَسب اجتهاده ورؤيته، وإمَّا ليترك الشأن للمختصين وأصحاب الخبرة

. كما يُفترض عدم تبنِّي مواقف ووجهات نظر لا تحتكم إلى الوقائع التاريخية وشواهدها، فتقوم بتغيير مجرى التاريخ ومُعطياته. كذلك ضرورة ترتيب الحِقب التاريخية على أساس تسلسل الأحداث والحوادث وتدرُّج المراحل وتتابعها، كيلا يكون العمل انتقائياً فيتجاوز مراحل لها أثرها في كيان الوطن ومسيرته.

لقد أثارت استغرابي النشرة التي وزعتها أمانة عمَّان والمعنونة " أمنا عمان" بمناسبة "احتفالات الأمانة بيوم الكرامة وعيد الأم" وأورَدَت فيها "نبذة عن عمان"، وقد استُهِلَّت بما يلي: "عمان المدينة العربية الموغلة في القدم يعود تاريخها إلى أكثر من ثمانية آلاف سنة قبل الميلاد من أقدم آثارها تماثيل عين غزال ورجم الملفوف.

بدأت عمان باستعادة حضورها منذ أواخر القرن التاسع عشر ففي عام 1878ميلادية وصل أول فوج من الشراكسة المسلمين من قبيلة الشابسوغ المهاجرين من القفقاس الذين أقاموا في موقع على سفح جبل القلعة أصبح يُعرف باسم حي الشابسوغ" ثم يجيء الحديث عن "سكة الحديد الحجازي" وهكذا.. وأتساءل هنا: أما كان من الواجب أن يبدأ النصُّ بهذه الكلمات الخمس المهمة التي لم تَرِد أيضاً في أيِّ موقع بالنشرة: عمَّان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية.. ثم كتابة" مدينة موغِلة في القدم الخ.." ثم هل من الأمانة للتاريخ تجاهل الحضارات والمدنيات التي حطت رحالها على أرضنا من يونانية ورومانية وبيزنطية وما جاء قبل هذه من عصور وما جاء بعدها مِن عهود وأوضاع، وقد تركت كلّها شواهد حيَّة على أرض العاصِمة وسائر المناطق، وتمَّ القفز مباشرة بعدها إلى أواخر القرن التاسع عشر؟ وكان من الحقِّ أيضاً لفت الأبصار إلى أن اسم "عمَّان " يعود في جذوره إلى "ربة عمون" عاصمة مملكة العمونيين، والإشارة إلى" تايكي آلهة الحظ السعيد لمدينة فيلادلفيا عمان" .

أما الفقرة التي جاء فيها: "وصل الأمير عبدالله بن الحسين في الثاني من آذار عام 1921إلى عمان بناءً على طلب الأحرار العرب وفي مقدمتهم رئيس بلدية عمان آنذاك "سعيد خير" واتخذها الأمير عبدالله عاصمة لامارة شرق الأردن"، فقد أغفلت مبادرات وطلب أهالي شرق الأردن بالإضافة "لأحرار العرب" الذين اتخذوا الأردن ملاذاً لهم وفوق ذلك جهود شريف مكة المغفور له الحسين ابن علي. ثم إنك لا تجد ما يُفيد بالتحول مع الاستقلال مِن إمارة إلى مملكة، أو القول:الملك الشهيد المؤسس عبدالله الأول ابن الحسين، بل ودون أيِّ ذِكرٍ لِعَهْدَيِّ صَاحِبَيِّ الجلالة الملك طلال ابن عبدالله، والملك الحسين ابن طلال طيب الله ثراهما، في مرحلتين بارزتين مِن تاريخنا المعاصر.
ما أخشاهُ، أن تُصبح مِثل هذه النشرة وغيرها.. مرجِعاً لِعامة الناس في استسقاء المعلومات وخاصة أنها صادرة عن جهة رسمية لها احترامها.

ولا يغيب عن الذهن أن ضيوف الأردن الذين استلموا النشرة التي وُزِّعَت على نطاق واسع، سيختزنون في أذهانهِم ما ورد فيها دون سواه. كان الأوْلَى استثمار النشرة للتثقيف ودون اجتثاث محطات ومراحل شكلت روح العاصمة وصورتها، بل وصورة الأردن .
ثمة ملاحظة تتعلق بضرورة تدقيق المُخَزَّن في المواقع الالكترونية للوزارات والدوائر والمؤسسات الرسمية وأخص بالذكر ما يتعلق بتاريخ الأردن، حتى لا تكون قد نالته أيدي المُنَظِّرين والمُجتهدين. مُستذكراً هُنا مقالي قبل أعوام عن موقع وزارة الثقافة، سلَّطت فيه الضوء على ملاحظاتٍ لم تكن تسُرُّ الخاطر!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات