العبودية في الاردن


بعد يوم جميل حافل بالعمل و دعوات المرضى و ضحكات الأطفال الأصحاء دخل الطبيب صالح مكتبه الصغير وأسند ظهره على كرسيه المريح وأخذ يتأمل الجدار المزدحم بالبراويز الجميلة أمامه , ديبلومات – صور – شهادات تقدير . وهنا تذكر ذلك الطفل الذي عاد يوما من مدرسته والدموع تملأ وجهه الصغير , يومها وقف أمام أمه ونظر بعيون يملأها الحزن والغضب :


- أمي لماذا يقول لي الأولاد أنني لا اُشبههم , لماذا يقولون لي أنت عبد أسود؟!

يومها لم يجد جوابا غير نظرة حزينة تبعتها بسمة شاحبة وسؤال غريب : هل تريد شرب الشاي ؟

ثم تذكر ذلك الفتى الذي ذهب برفقة والده الى منزل شيخ العشيرة – التي ينتمي لها بالاسم - ليطلبا مساعدته في الحصول على مقعد في كلية الطب فقد كبر الطفل ونجح بالتوجيهي ويريد أن يكون طبيبا , لكن كان جواب الشيخ " لم يبقى غير العبد ليكون طبيبا , تعال الي غدا لأسجلك بالجيش " , يومها نظر الفتى الى أبيه فوجد نفس النظرة التي رآها بعيني اُمه قبل سنوات طويلة , ودونما تعليق غادر الاثنان منزل الشيخ بصمت وبالطريق قال له والده – لا تحزن يا ولدي ستصبح طبيبا ولو كلفني ذلك حياتي .

ثم تذكر تلك الفتاة زميلته بكلية الطب التي أحبها وأحبته ولا ينسى كلمات اُمها القاسية يوم ذهب ليطلب يدها – يا إلهي إنه آخر الزمان , عبد يطلب يد عمته ( أي سيدته).
وبينما هو شارد يقلِّب تلك الذكريات البعيدة تسلل الى سمعه صوت يكاد يذكره , إنه الهاتف المحمول , أخرج الهاتف من جيبه ونظر للشاشة , إنه صديقي المهندس أحمد .
- الو.... أهلا أحمد.... الحمد لله .... حسنا أراك بالمساء .... مع السلامة .

أحمد هذا الشاب الشجاع , كم يذكرني بشبابي , شاب مثقف متعلم رفض الكثير من العروض وآثر البقاء في بلده يدافع عن أبناء قريته الفقراء ويطالب بتحسين ظروف حياتهم , لكنه وعلى الرغم من حبه الكبير لهم لم يسلم من محاربتهم له , ليس بسبب فكره أو مواقفه لكن بسبب لونه .

غادر صالح مكتبه عائدا الى منزله وبالطريق تذكر قريبه العزيز الذي قتله جاره غدرا على درج المحكمة بعد أن حًكم له بالأرض المتنازع عليها , وتلك الكلمات التي خرجت من فم القاتل مبررا فعلته " عبدي ... وقتلته " .
وصل صالح الى بيته الجميل , فُتح الباب وخرج منه طفلاه الجميلان وخلفهما زوجته الطيبة , قبـَّلهم بشوق وأغلق الباب .
على الغداء حدثته زوجته عن المشكلة التي حدثت في قرية أهلها فقد جاء اليها أحد المرشحين للانتخابات البرلمانية طالبا دعمهم ومؤازرتهم , لكن أحد الحضور وقف وخطب قائلا
- أبشر بالفزعة نحن وعبيدنا معك .
لم يتمالك خالها أعصابه فضرب الرجل وبدأ العراك ولم يتوقف حتى كان معظم الحضور بقسم الشرطة أو بالمستشفى .

بالمساء ذهب صالح الى المكان المعتاد حيث ينتظره صديقه أحمد , بعد تحية سريعة وبعض الكلمات الساخرة جلسا ليتبادلا الحديث , قال أحمد
- يا أخي صالح لا ادري الى متى سنبقى على هذه الحال
- ماذا جرى؟
- أتذكر قريبي سالم
- نعم كيف حاله ألم يصبح محافظا بعد؟
- لا أظنه سيصبح يوما , اليوم اتصل بي ليخبرني عن لقاءه بالوزير , فقد ذهب ليشكي له تأخر ترقيته أتدري بماذا أجابه الوزير ؟
- ماذا أجابه
- قال له " ما دُمت أنا على هذا الكرسي لن يكون العبد محافظ ".
صمت صالح وأحمد قليلا ثم عقَّب صالح ساخراً
- أتريد شرب الشاي ؟

نعم ... في المملكة الأردنية الهاشمية
بلد المؤسسات والقانون والديمقراطية
نعم ... في الأردن .... توجد عبودية.



تعليقات القراء

مظلوم من جميعه
اين الدمقراطيه بل عنصريه بام عينها ولكن الله ينتقم منهم وحسبنا الله ونعم الوكيل في الظلام

11-04-2014 09:49 AM
محترم
ماذا تتوقع اذا بما انه لايوجد مبدا
11-04-2014 09:51 AM
مندهش
لا حول ولا قوة الابالله حتى اليوم ما زال الناس يظنون ان العبد اقل من غيره فهما وادراكا---- بودي ان اعرف هل القصة واقعية ام من صميم الواقع
11-04-2014 04:09 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات