سقوط بغداد واستشهاد المتنبي


يوم سقوط بغداد كان زلزالا جرّاء عملية الصدمة والترويع ، لم تكن الصدمة موجهة ضد بغداد وحدها ، بل كانت من أجل ترويع الأمة وتركيعها ، ... ما أصاب بغداد كان عارا على الأمة بأكملها ، ... فقد كانت بغداد ضحيّة العرب والعجم ، بغداد المنصور ... بغداد الرشيد ... و بغداد كعبة السلام ، كان قاتلها من تذوق طعم القتل واستساغه وغاص في دماء خمسين مليون هنديا أحمر من قبل ، فتنافخ العرب بسقوطها شرفا ليصبّوا الماء على يدي القاتل ، وزمّر البعض وطبّل وشرب نخب سقوطها ... ولم يتوقعوا في يوم ما أنّ لعنة بغداد ستطاردهم واحدا تلو الآخر ولو بعد حين .
سقوط بغداد أشفى غليل البعض وأدمى قلوب الآخرين ، بغداد التي قـبّـلت أرض فلسطين بتسع وثلاثين صاروخا ... لم يدرك العرب أنّ سقوطها كان سقوطا لهم ، فلم يسجل التاريخ فرحة أمة بسقوط جزء منها ... كما زيّن العرب تاريخهم بهذه الترّهات .... وها هم يعانون من ويلات ما جرى لها ، ظنّ العرب أن الأمة بعد طول سنين وبعدما جرى لبغداد أنهم سيكونون طيّعين ... هيّنين ... ليّنين ... يسوسهم حكامهم كما يشاؤون ، ولم يدركوا ان الشعوب قد يطول صبرها ... لكنه لا ينفذ ، ... وظنوا أنّ الشعوب تبحث عن حب الحياة فأخطاوا ، ... وظنوا أن الشعوب تلهث وراء لقمة العيش فأخطاوا ، ... وظنوا أن البصطار الأمريكي سيمكنهم من رقاب الشعوب فأخطأوا .
لم يدركوا بسقوط بغداد أنهم سيصبحون خارج التاريخ ، لا يقوون على أكثر من كلمة (..... ) يتفوهون بها ، والأمم من حولهم تنهشهم ، فما لجرح بميّت إيلام ، لم ينظروا من حولهم كيف تتحوّل الأمم إلى إعصار ، لم يعتبروا ولا عبرة لمن لا يعتبر ، فاليوم خمر وغدا أمر .
سقوط بغداد رسم الطريق إلى تشويه الأمة بكاملها ... تشويه تاريخها ... تشويه ثقافتها .... تشويه دينها ... فكثرت المذاهب وزادت المصائب ، فالتكفير والقتل والتدمير والإرهاب ألصق بالأمة وهو صنيعة الغرب ، ... فقتلوا بغداد ... وقتلوا فيها المتنبي ، ظنّا منهم أن يولد متنبي آخر على أيديهم ، فهذا الأخير لم يتعلم عروض الشعر وقوافيه ، ... ولم يتدرب على حمل السيف ، أما المتنبي الأصيل فلم يهرب من المواجهة ، .... وسألوه ليتأكدوا أأنت القائل ؟
الخيل والليل والبيداء تعرفني ....... والسيف والرمح والقرطاس والقلم
فأجاب بنعم واستلّ سيفه وبقي يقاتل حتى استشهد على أرض بغداد ، حيث قامات النخيل العالية ، ودجلة والفرات ، والتاريخ بكل عمقه و مفرداته ، فكانت فلسطين على شفتيه ... وكانت الشهادة آخر ما ودّع بها الدنيا .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات