خفقات ..


في نظرة هذه المرأة شيء آخر قال لنفسه وهو يرمقها من بعيد، ثم مضى إلى شؤونه. ولما التقاها مرة أخرى قال: لصوتها إيقاع مريح، ولها أسلوب فريد في التعبير عما تريد... قال ذلك، ومضى لمتابعته انشغالاته وهو يقاوم اضطراباً ما في روحه!

ودون أن يشعر، بدأ اسمها يستوقفه، وقاوم فضولاً استبد به بقوة لمعرفة كل ما يتعلق بها، وهكذا إلى أن فرضت عليه ظروف عمله الاتصال بها في شأن رسمي بحت، فوجىء... احتار... ارتبك... وقضى ليلته مؤرقاً، ما الذي يحدث له؟ أرهقه السؤال، لماذا هي؟ لماذا هي تحديداً بعد كل تجاربه النسائية، لماذا تثير فيه كل هذا الارتباك؟ تقلّب في فراشه عدة مرات، نهض، أشعل سيجارة، تلهّى بقراءة كتاب، أشعل سيجارة أخرى، وأطفأها قبل انتهائها وهو يقول: تبّاً، ما الذي يحدث؟ هو لقاء عمل لا أكثر ولا أقل، ليس أنا من يتردد أمام امرأة مهما كانت، اللعنة، تماسك يا رجل، لن تفضحك عيناك، ولن يتهدّج صوتك، إنه الليل، يضخم المخاوف... والمشاعر... لن يحدث شيء، سأقول ما أريد وأمضي بكل قوة وجرأة ولا مبالاة، هكذا أنا. وهكذا عهدت نفسي... لم أعرف الضعف يوماً... ولن أعرفه!

وطلع الصباح أخيراً، فنهض متثاقلاً، ومضى لحلاقة ذقنه، وأثار غيظه أنه قضى في حلاقتها وقتاً أكثر من المعتاد، وأثار غيظه أكثر أنه وقف أمام خزانة ثيابه طويلاً وهو حائر فيما يرتدي... هل يختار قميصاً صيفياً بسيطاً... أم يرتدي بذلته الأنيقة الوحيدة... وأحس بميل للخيار الثاني، لكنه سرعان ما عدل حين تذكّر حرارة الجو... وشكل وجهه أمامها وهو محتقن بالارتباك والحرّ معاً!

وخرج أخيراً وهو يتحسّس شعره، كان من الأفضل لو حلقت البارحة، قال لنفسه، ثم تمتم: لا، هكذا أحسن، الرؤوس المحلوقة حديثاً تبدو مضحكة أحياناً... يجب أن أبدو طبيعياً، يجب أن أنجز المهمة بسرعة وألقي كل هذا الهراء وراء ظهري تماماً!.

ومضى ساهماً سارحاً حتى وصل، وفي اللحظة التي أزف فيها الموعد، وجد نفسه يكلّف أحد زملائه بالقيام بالمهمة متذرعاً بالصداع وبارتفاع حرارته... قد تكون الانفلونزا... إنه هذا التقلّب الفظيع في الجو، قال هذا بصوت حاول أن يشحنه بكل ما أوتي من ثقة... ثم ارتمى على مقعده وهو يشعر براحة عجيبة!

تنهّد بعمق وهو يدرك أخيراً أنه أمام حالة هو أضعف من أن يواجهها...

أمّا ما لم يعرفه فهو أنّ الزميل قضى المهمة وأنهاها مع زميلة أخرى لها، لأنها قدّمت اعتذاراً في اللحظة الأخيرة عن أداء المهمة بسبب الصداع وأعراض مفاجئة للانفلونزا!



تعليقات القراء

نهلة
قصة رمزية وجميلة جدا
19-07-2009 10:25 AM
mohammad saadeh
رائعه يا لانا كما انت دائماً
19-07-2009 02:17 PM
الصامت حين يتكلم
قصة من الصميم وبمشاعر مرهفة وحساسة انها من صميم الواقع اشكرك سيدة لانا والى الامام وبالتوفيق
19-07-2009 10:47 PM
صحفي
ماظل عليك غير المواقع خلص ماظل شي
20-07-2009 08:57 AM
راما
رائعه
20-07-2009 09:15 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات