" البعث في ذكرى تأسيسه "


كانت الأحزاب في مرحلة الاربعينات التي سبق تأسيسها ميلاد البعث ، والتي قادت الحركات الوطنية لم تقم على أسس ثورية و تنظيمية دقيقة ، بل كانت عفوية يغلب عليها طابع الإصلاحية ، و تفتقر إلى القيادات الواعية ، و إلى العقيدة الواضحة ذات المحتوى الاجتماعي ، و البعد القومي الإنساني .

في مطلع الاربعينات ، لم يكن حزب البعث ، سوى أفراد قلائل يسهمون في التظاهرات و المناسبات الوطنية ، ضد السلطات الفرنسية التي كانت تبذل قصارى جهدها للإبقاء على كامل سيطرتها في سوريا و لبنان . و مع تطور الأحداث و الصراع ضد قوى الاستعمار الغربي ، لم يقف الحزب عند حدود التظاهر ، بل مارس معارضته للحكم بأشكال أخرى ، وربط أسباب تخاذل الحكام بأوضاعهم الطبقية و الاجتماعية و الاقتصادية و العائلية .

وقف الحزب منذ البدايات مع الوحدة دون أن يضع لها شروطاً عامة ، أو تخطيطاً معيناً أو استراتيجية نضالية ، فالحزب مع وحدة وادي النيل ، ومع استقلال محميات و إمارات الخليج العربي .

كما أعلن موافقته على وحدة سوريا الكبرى الطبيعية على أساس المحافظة على عروبة فلسطين ، و أكد على وحدة سوريا و العراق كخطوة جدية في طريق هذه الوحدة " وحدة سوريا الكبرى " . إلا أنه عاد و عارض وحدة سوريا الكبرى بسبب حرصه على مبدأ النظام الجمهوري .

و أهم ما كان يركز عليه الحزب في أوائل الخمسينات قضية القومية العربية ، و مفهومها و علاقة الدين و القيم الروحية بها ، و استبعاد التصادم بين العروبة و الاسلام ، و التوكيد على شخصية الأمة العربية و خصائصها .

وإذا ما أردنا أن نحدد السمات الأساسية لمنطلقات البعث النظرية بدقة و موضوعية ، فعلينا أن نستمدها مما ورد في دستور الحزب الذي أقره المؤتمر التأسيسي الأول في السابع من نيسان عام 1947 .

شجب الحزب المفاهيم العرقية و العنصرية و الرجعية و النزعات التعصبية ، و أكد على انسجام القومية مع المبادئ الإنسانية ، و على أنها تعبير عن إرادة العرب في الوحدة و التحرر و التعاون مع سائر الشعوب ، و شدد على المضمون الإنساني الاشتراكي للقومية العربية .

و آمن الحزب بأن التجزئة حالة طارئة في الوطن العربي و مصطنعة ، و أنه يشكل وحدة سياسية اقتصادية ثقافية . و أعطى الحزب الوحدة العربية محتوىً ديمقراطياً اشتراكياً ، عندما ربطها بالحرية و الاشتراكية ، و أقام تنظيمهُ على أساس قومي ، متخطياً بذلك حواجز التجزئة في الوطن العربي . ولعب الحزب دوراً أكبر في توعية الجماهير و تثقيفها .

اهتم الحزب بالحرية ، و ركز على ضرورتها لتحقيق الانبعاث القومي الشامل . وهي في نظره تعني تحرير الإنسان العربي من قيود الفقر و من كل سيطرة سياسية و اقتصادية ، و من جميع أنواع التسلط الداخلي . و أشار إلى ضرورة الانسجام بين حرية الفرد و المصلحة القومية .

يتميز الحزب في أنه كان أول حركة في الوطن العربي طرحت الاشتراكية جنباً إلى جنب مع القضية القومية ، و اعتبرت الوحدة و الحرية و الاشتراكية أهدافاً أساسية مترابطة ترابطاً عضوياً حيّاً. وقد ناقش المؤتمر التأسيسي للحزب مفهوم الاشتراكية مطوّلاً لوجود تيارين : أحدهما متحمس لها ، و الأخر متحفظ اتجاهها .

كان الحزب يدرك أن تحقيق أهدافه الكبيرة ، لا يمكن أن يتم إلا عن طريق النضال ، و أن الاعتماد على التطور البطيء و الاكتفاء بالإصلاح الجزئي السطحي يهددان هذه الأهداف بالفشل و الضياع .
وفي ضوء هذه المبادئ و الأهداف الذي آمن بها الحزب ، بدأ بالانتشار في الأقطار العربية المجاورة لسوريا أولاً كلبنان و العراق و فلسطين . أما انتشاره في الأردن فكان على أيدي الطلاب الأردنيين الذين درسوا في جامعة دمشق ، الذين شاركوا في المؤتمر التأسيسي . وكان للنكبة الأولى عام 1948 التي حدثت للشعب الفلسطيني الأثر الفعال في تحريك المشاعر القومية ، و تعميق الوعي القومي بين المواطنين .

جمع الحزب بين الأصالة و المعاصرة ، أي بين التراث و الحداثة . و حارب السلفية الرجعية الجامدة ، و نزعة التغريب و التقليد . واهتم بالوسائل العصرية و العلمية لبناء الدولة العربية ، و آمن بالانفتاح على التيارات الفكرية و السياسية المعاصرة ، وجعل التشريع منسجماً مع روح العصر ، و السعي لتكوين جيل عربي جديد يأخذ بالتفكير العلمي ، متحرر من قيود التقاليد الرجعية . وأن فكرة الرسالة الخالدة المتكاملة المتجددة تعبير عن الربط بين الأصالة و المعاصرة بآن واحد .

جاء هذه العرض السريع لبعض مبادئ و أهداف الحزب بمناسبة الذكرى السابعة و الستين لانطلاقته ، لتأكيد جوهر الحزب و أصالته . و تاريخ الحزب هو جزء من تاريخ النضال العربي ، حيث تأثر بظروفه و أحداثه ، و أثر فيه و تفاعل معه و انفعل به ، وترك آثاره وبصماته على العديد من مواقفه و أساليب عمله .

هذا هو الحزب بأصالته ، بعيداً عما لحق به من تشويه و انحراف و بعيداً عن محاولات الأعداء و الدخلاء و العملاء ، سيظل البعث مدرسة قومية نضالية ، تعطي الأجيال العربية الحالية و المستقبلية وقفة من الأمل ، و تضيء لها دروب النضال حتى تتحقق أهدافه في الوحدة و الحرية و الاشتراكية .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات