قمة بلا همة ولا ذمة .. عقالها عربي وعقلها صهيوني


بئست ظروف الزمان والمكان وواقع الحال التي قتلتنا، وفتكت بكرامة وشهامة امتنا، حين اختارت لنا وسلطت على امتنا قادة لا يعرفون اوليات القيادة، ومسؤولين لا يليقون بمعنى المسؤولية، وحكاماً لا يحفلون بسيادة الدولة، ولا يحرصون على مكانة الامة واقدارها ومصائرها، بينما هم لا يعصون للمحافل الامريكية والاوروبية والصهيونية امراً، ولا يرفضون لها طلباً.

بئس هذا المستوى الهابط، او الدرك الاسفل من التضامن العربي، او العمل القومي المشترك الذي اسفر عنه مؤتمر القمة العربية في الكويت، حيث استتر العقل الاسرامريكي الذي ادار المؤتمر فعلياً خلف عقال عربي مقصب ومذهب يصلح للزينة، وكوفية فولكلورية مطرزة بالوان قوس قزح، وابجدية امية لا علاقة لها بلغة الضاد تجلت باوضح صورها في كلمة الامير سلمان آل سعود.

تماماً، كما كان متوقعاً مسبقاً ومنتظراً سلفاً، تمخضت مؤسسة القمة في الكويت فولدت، تحت اسم ''اعلان الكويت''، كشكول قرارات وتوصيات وتهويمات لفظية وشكلية وروتينية لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تملك - على هزالها - امكانية التنفيذ، ولا تتطرق جدياً وفعلياً الى جوهر البلاوي والازمات والمحن والاعاصير التي تعصف بالامن القومي، وتزلزل اركان الامة، وتنذر بشطبها من جدول اعمال التاريخ.

ليس في العرب من كان يعلق آمالاً عريضة على هذه القمة المنزوعة الذمة والهمة، وليس بين الاجانب من اولاها اهتماماً او حسب لها حساباً.. ذلك لان حاصل جمع الاصفار لا يزيد عن الصفر المكعب، ونتاج لقاءات الدول المأزومة لا يتجاوز حدود الازمة، وتضافر جهود الانظمة الكرتونية لا يوفر لها ثقلاً نوعياً، ولا ينقذها من حالة انعدام الوزن، ولا يبعد عنها صفة ''الانظمة الفاشلة''.

غير ان من المؤلم حقاً وصدقاً ان تصاب مؤسسة القمة وباقي هياكل ودوائر العمل العربي المشترك بالشلل التام، وتفقد القدرة على الفعل والحركة والمبادرة في ذات الوقت الذي يشهد تفاقم المشاكل، واستعار الخلافات، وتكاثر التحديات التي تهدد العرب اجمعين، حكاماً ومحكومين، ليس في حاضرهم الراهن فقط، بل في صميم وجودهم ومصيرهم ومستقبل اجيالهم ايضاً.

المفروض ان تتفعل الامم والشعوب في مواجهة الازمات، وان تضاعف من حميتها وحيويتها ونضاليتها كلما تراكمت الهموم وتعاظمت التحديات، وان تسارع الى الوفاق والاتفاق ورص الصفوف حين تشتد المخاطر، وتعربد العواصف، وتتكاثر جموع الاعداء.. فلماذا تشذ امتنا حالياً عن هذه القاعدة الطبيعية المعروفة ؟؟ ولماذا تستثني نفسها من قانون ''التحدي والاستجابة'' الذي طالما حفظ المخلوقات الحية من الابادة والفناء ؟؟ ولماذا تتجه، وفق غيارات عكسية، نحو التقهقر بدل التقدم، وتبدد هذا الاوان ما كانت قد بلغته وتحصلت عليه خلال العقود القليلة الماضية من مكاسب ومراتب وانجازات ؟؟

مؤكد ان هذه الاسئلة الاستفهامية والاستنكارية معاً تدور في اذهان كل الشرفاء العرب المسكونين بالهم القومي، وتؤرقهم وتقض مضاجعهم، وتحملهم على مداومة التفكير بحثاً عن اسباب هذا الخراب الذي لا يقتصر على الحكام الاصنام فقط، بل يشمل النخب والشعوب العربية ايضاً، سنداً لفضيحة ''الربيع العربي'' التي كشفت عن جهالات شعبية مريعة تمثلت في انتخاب الاسلام السياسي والتكفيري بديلاً للانظمة المتساقطة، وعن عمالات واختراقات نخبوية واسعة تمثلت في الاستقواء بالدوائر الامبريالية والارتزاق من العواصم الرجعية والنفطية.

قبل حراكات ''الربيع العربي'' كنا نحسب ان العلة تكمن في الانظمة العربية وفسادها واستبدادها وهوانها وارتهانها للمراكز والعواصم الاستعمارية والصهيونية.. كنا نتوهم ان الجماهير الشعبية الوطنية والنخب المثقفة والمسيسة والطليعية ما ان تسقط جلاديها، وتمتلك حريتها، وتتسلم زمام امرها، حتى تأتي بما لم يستطعه الاوائل - كما يقول الشاعر - ولكن النتائج جاءت مفزعة ومخيبة لكل الآمال، ومدللة على ان الازمة عميقة ومركبة وشاملة لعموم الاطراف، وتتطلب معالجتها الكثير من الجهود والمبادرات والمثابرات.

قبل هذا الربيع الفظيع كان الصراع جارياً بين الشعوب التائقة للحرية وبين حكامها الفاسدين الظالمين، وكانت الخلافات العربية تدور بين الانظمة الرسمية بعضها بعضاً.. اما الآن فقد ضاعت الطاسة، واختلطت الاوراق، ودبت الخلافات والصراعات بين مكونات الشعوب واوساط المجتمعات ذاتها، وانطلقت من القمقم اسراب الشياطين الطائفية والمذهبية والقبلية والجهوية التي مزقت الصفوف، ونشرت الفوضى، وعاثت في ارض العرب قتلاً وارهاباً وتدميراً وتكفيراً، حتى اوشك عدد الدول العربية ان يتضاعف مرتين في اقل من عامين، تتقدمها دولة داعش المظفرة في بلاد العراق والشام، ولا ندري لماذا لم يمنحها ''النبيل العربي'' مقعدي سوريا والعراق معاً في جامعة الدول العربية المستباحة.

لا جدال ان مخرجات هذا الربيع المعلقمة والمسمومة، فضلاً عن هيمنة المشيخات الخليجية على الجامعة العربية، قد ادت - فيما ادت - الى تقزيم مؤسسة القمة وتجويفها واضعافها وافساح المجال واسعاً امام الاملاءات والتدخلات الاجنبية في صناعة قراراتها، وترتيب اولوياتها وتحديد مساراتها وتوجهاتها.

يا الهي ما ابعد الفرق بين ماضي مؤسسة القمة وحاضرها.. بين دورها المجيد ايام عبد الناصر وبومدين وحافظ الاسد وصدام حسين، وبين دورها الرخيص في عهد تميم والمنصف والاجرب وابي متعب وغيرهم من الحكام الصغار الذين تركوا لواشنطن ان تقودهم من الامام، ولتل ابيب ان تقودهم من الخلف، وبما قلب ''لاءات'' قمة الخرطوم الشهيرة عام 1967 الى لائحة توسلات وتسولات عربية للسلام الاسرائيلي.

طيب.. وماذا بعد ؟؟ وكيف السبيل الى الخلاص من هذه الضائقة الخانقة ؟؟

اغلب الظن ان مؤسسة القمة لن تغادر محنتها، ولن تستعيد عهدها الذهبي ودورها القومي المعروف طوال عقدي الستينات والسبعينات، الا بسقوط الهيمنة الخليجية الغبية عن كاهلها، وهو احتمال بات وشيكاً باذن الله، بعدما دبت الخلافات التناحرية داخل مجلس - او محفل - التعاون الخليجي المشؤوم الذي انحصرت مهمته المركزية الاولى في تعطيل آليات العمل القومي المشترك، وتسهيل دخول الذئب الصهيوني الى رحاب البيت العربي، وتمرير اقذر المخططات والمؤامرات الامريكية والاوروبية ضد مصر وسوريا وليبيا والعراق و.. بالطبع فلسطين.

ولعل عبقرية الصدفة هي وحدها التي جمعت، يوم الاربعاء الماضي، بين ''اعلان الكويت'' في ختام اجتماعات القمة البائسة، وبين اعلان المشير عبد الفتاح السيسي ترشحه لانتخابات الرئاسة المصرية، وجاهزيته للنهوض بقلعة العرب وام الدنيا، وحرصه على اعادتها الى سابق عهدها الناصري الشامخ، ودورها القيادي والريادي المحوري والتاريخي الذي من شأنه تغيير الكثير من الموازين والاحداثيات والمعادلات العربية، وفي مقدمتها استعادة الامن القومي، واحياء التضامن العربي، واعادة المقدار والاعتبار لمؤسسة القمة بعد تحريرها وتطهيرها من الرجس النفطي والطاعون الخليجي !!



تعليقات القراء

واحد عقلاني شوية
آخر ستة أسطر في مقالك مثيرة للضحك ...لأن السيسي ومن كانوا قبله ومن سيأتي بعده يقتاتون على ( الرجس النفطي والطاعون الخليجي ) كما أسميته...لذلك لا تحلم كثيرا يا عزيزي
13-04-2014 11:15 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات